من المتوقع أن يسجل التوسع الاقتصادي المستمر منذ عشر سنوات في الولايات المتحدة رقماً قياسياً الشهر المقبل ليصبح الأطول على الإطلاق، وهو ما يمكن اعتباره خبراً رائعاً لواشنطن بشكل عام، ولكن هذا قد لا يكون حكمًا صحيحًا على إطلاقه، فللتوسع الاقتصادي طويل المدى أضراره أيضًا.
رفع حرارة المُحرك
ولعل إشارة "إيكونوميست" إلى خطورة "رفع حرارة مُحرك الاقتصاد" ذات دلالة وكاشفة عن ذلك، ففي الولايات المتحدة في الوقت الحالي بدأت بعض نذر "الحاجة إلى فترة ركود" تظهر، خاصة مع ما تؤكده دراسة لـ"دويتشه بنك" من أن فترات الركود تزيد وتصبح أطول كلما طالت فترة الرواج.
وتقدر الدراسة أن الكساد العظيم حدث بسبب استمرار نمو الاقتصاد الأمريكي بنسب تتعدى 5% طوال 8 أعوام، بما أدى لحدوث تضخم في الأسعار بالبورصة أعقبه انهيار شديد بسبب "اكتشاف" المستثمرين لحجم الفجوة بين القيم الاسمية للأصول وقيمتها الحقيقية وتضخم الأولى بشدة.
ولذلك ترجع جذور الأزمة المالية العالمية إلى عقد السبعينيات عندما أنهت الولايات المتحدة الربط بين غطاء الذهب والعملة بشكل تام (كانت قد تمت إزالته بشكل جزئي في ثلاثينيات القرن الماضي) بما أسهم في توسع كبير في القروض حتى أنها تقدر بـ2000 ضعف حجمها قياسًا قبل الأزمة بما كانت عليه قبل إلغاء الربط بين الذهب والدولار بشكل كامل.
فبعد أن تحررت من قيود العملة المدعومة بالذهب، أصبحت الحكومات والبنوك المركزية أكثر عدوانية في مكافحة الكساد، حيث عززت الإنفاق، وخفضت أسعار الفائدة أو اتخذت خطوات غير تقليدية أخرى لتحفيز الاقتصاد.
نمو وهمي
ولكن على الرغم من تحقيق معدلات نمو بمتوسط 2-3% (وأحيانًا أقل من ذلك)، شهدت أسهم مؤشرات داو جونز الصناعي ومؤشرات الشركات التكنولوجية الـ500 الأعلى نموا بنحو 6% و17% على التوالي سنويًا، كما شهدت تلك المؤشرات وغيرها من الأصول واحدة من أقوى دوراتها على الإطلاق، بما يوحي بأن النمو لم يكن عامًا وكانت نسبة كبيرة في المضاربة بسوق الأسهم وليس في تحقيق إنتاج حقيقي.
والاستمرار في فترات رواج متواصلة يزيد من احتمالية تضخم الديون، ففي ظل الرواج تتساهل البنوك في منح القروض بسبب غلبة احتمال نجاح المشاريع، والمثال على ذلك سماح "بنك أوف أمريكا" بمنح الأشخاص قروضا تصل أقساطها إلى 50% من دخلهم قبيل الأزمة المالية العالمية، بينما كانت النسبة المعتمدة قبل ذلك 30% فحسب من الدخل مع وجود ضمانات أعلى تشددا للقروض.
ولذلك أصبحت حدة فترات الركود أشد خلال الفترات الماضية، حيث تعد التوسعات الأربعة الأخيرة في النمو الاقتصادي من بين التوسعات الستة الأطول في تاريخ الولايات المتحدة بأكمله، وبناء على ذلك أصبحت أزمة الديون الخاصة والحكومية مشكلة متفاقمة مع فترات الرواج الأخيرة تلك.
ومع الوقت أصبحت فترات الكساد بمثابة "رعب" تسعى الحكومات لتجنبه، ليس لنفسها فقط ولكن في الدول الأخرى، فمع حجم تجارة عالمي يبلغ 16 تريليون دولار وفقًا لتقديرات منظمة التجارة العالمية (حوالي 22% من حجم الناتج الإجمالي العالمي)، تصبح إصابة أي دولة بالركود بمثابة "وباء" قابل للانتشار للدول الأخرى.
تكلفة باهظة
وعلى الرغم من كل تلك السياسات لمكافحة الركود الاقتصادي فإن تكلفة تلك السياسات جاءت بثمن باهظ، حيث أدت المرونة السياسية وعصر دورة الأعمال الطويلة إلى ارتفاع عجز الميزانية الهيكلية، وارتفاع الدين الخاص والدين الحكومي، وانخفاض أسعار الفائدة أكثر فأكثر، وظهورالعوائد الحقيقية السالبة، وتقييمات الأصول المالية المتضخمة، والتخلف عن السداد كثيرًا أو التمويل الرخيص للغاية.
وبناء على ذلك يحذر تقرير "دويتشه بنك" من أن الدورات الاقتصادية أصبحت "ممتدة بتكلفة إضافية من الديون"، وزيادة طباعة النقود، وأن الانتعاش الاقتصادي الحالي ليس "كل ما يبدو عليه"، بل إنه أضعف توسعات النمو الأحد عشر التي حدثت منذ عام 1949.
ومن المظاهر السلبية للغاية وفقًا لدراسة لجامعة "يل" فإن 40-60% من الأعمال التي أغلقت أبوابها وأوقفت نشاطها في أعقاب الكساد الكبير "لم تكن مهيأة" هيكليًا للمنافسة، بما يعني أنها ظهرت وازدهرت على الرغم من تلك الأزمات ويؤشر لأن فترات الرواج الطولية لا تساعد على تخلص الاقتصاد من "الزيادات".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}