"النمو المستمر في هذا القطاع يعكس تحوله إلى أحد أهم القطاعات الرائدة في الاقتصاد العالمي بما يحوله لأحد أهم قاطرات دفع النمو ويساهم في إعادة توزيع الدخل العالمي بصورة أو بأخرى".. هكذا تصف الأمم المتحدة في تقرير لها السياحة العالمية خلال الأعوام الأخيرة.
نمو متسارع
وبلغ إجمالي حجم إيرادات قطاع السياحة نحو 7.6 تريليون دولار في عام 2016، ليتخطى 10% من قيمة الناتج المحلي العالمي، ويصل عدد العاملين في السياحة حول العالم إلى 319 مليون شخص، يشكلون نحو 10% من القوة العاملة حول العالم، وذلك بسبب اعتبار السياحة صناعة كثيفة العمالة في كثير من مراحلها.
وتعتبر الأمم المتحدة أن السياحة من بين الصناعات التي تتيح إعادة توزيع الدخل حول العالم، ولا سيما مع النمو اللافت الذي تشهده الصناعة في المناطق النامية، بما يسمح بانتقال تدفقات مالية "غير مشروطة" من البلدان المتقدمة إلى تلك النامية ويسهم في الحد من الفجوة الاقتصادية المتنامية بين الجانبين.
ولعل ما يدفع لتوجيه المزيد من الاهتمام الاقتصادي بالسياحة العالمية هو حقيقة وصول عدد السياح الاقتصاديين إلى 1.4 مليار سائح عالمي خلال 2018 بزيادة 6% عن العام السابق، والذي شهد تحقيق نسبة زيادة وصلت إلى 6.7% أيضًا.
ولم يكن من المتوقع بلوغ السياح لهذا الرقم قبل نهاية عام 2020، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، التي توقعت في عام 2015 معدلات نمو في السياحة العالمية في حدود 3.7% غير أن النمو على أرض الواقع فاق التوقعات كثيرًا.
ويبلغ نمو السياحة العالمية بذلك نحو ضعف معدل النمو العالمي العام، وذلك على الرغم مما تصفه "غرفة السياحة العالمية" بـ"التحديات غير المسبوقة" خلال الأعوام الماضية في ظل التشدد في منح التأشيرات والمخاوف الأمنية والتوترات الاقتصادية.
محرك صافٍ
وما ساهم في النمو القياسي خلال العامين المضايين نمو السوق السياحي في الشرق الأوسط بنسبة 10% سنويًا، وذلك بعد استقرار نسبي بعد سنوات من الاضطرابات، فضلًا على نمو السياحة في القارة السمراء بنسبة 7%، بينما نمت في أروبا بنسبة 6% وفي الأمريكتين بنسبة 3% فحسب.
وتعتبر دراسة لـ"هارفرد" السياحة بمثبابة "محرك صافٍ" للنمو، فعائداتها تأتي لتصب مباشرة في اقتصاد الدولة نتيجة مجموعة من الخدمات التي يحصل عليها السائح من إقامة وانتقالات ومشاهدة المزارات السياحية، بما يجعل الدولة تحصل على أرباح صافية لا يقابلها تقديم منتجات أو خسارة موارد.
وعلى الجانب الآخر، شهدت العديد من الدول تزايدًا لافتًا في نفقاتها على السياحة الخارجية، وفقًا للبنك الدولي، ويمكن حصر أكثر الدول إنفاقًا في السياحة العالمية في هذا الجدول (2017):
الدولة |
الإنفاق المباشر على السياحة العالمية(مليار دولار) |
الصين |
247 |
الولايات المتحدة |
135 |
ألمانيا |
89.1 |
بريطانيا |
71.4 |
فرنسا |
41.4 |
أستراليا |
34.2 |
كندا |
31.8 |
روسيا |
31.1 |
كوريا الجنوبية |
30.6 |
إيطاليا |
27.7 |
وتنحصر هذه النفقات "المباشرة" في تلك التي ينفقها السائحون على الإقامة في الفنادق وشراء تذاكر التنقل بين المدن، بينما لا تشمل عائدات أخرى أكثر أهمية في كثير من الأحيان مثل تذاكر المزارات السياحية وشراء الهدايا التذكارية والقيام بالرحلات الترفيهية وغيرها من الأنشطة السياحية التي يصعب رصد جنسية القائم بها.
ويلاحظ تنامي النفقات الصينية السياحية، حتى باتت تقارب ضعف نظيرتها الأمريكية، وذلك انعكاس طبيعي للمعدلات السريعة لارتفاع مداخيل الصينيين، والتي تضاعفت تقريبًا خلال العقد الأخير، بما جعلهم أكثر إقبالًا على السياحة الدولية، قياسًا بالأمريكيين الذين ينفقون أكثر على السياحة الداخلية في ظل تمتع البلاد بمساحة شاسعة تتنوع فيها المقاصد السياحية.
وخلال العقد الأخير نفسه زادت النفقات الصينية السياحية بالخارج بنسبة 112% تقريبًا وفقًا لتقرير وزارة التجارة الصينية، في الوقت الذي لم تزد نفقات الدول الأخرى الأكثر إنفاقًا على السياحة الدولية إلا بنسب أقل كثيرًا.
فرنسا في الصدارة
وفي المقابل، يعتبر العقدان الأخيران بمثابة زمن انطلاق للسياحة التي ارتفعت من 500 مليون سائح عام 1996 إلى 1.3 مليار عام 2016، بينما ارتفعت من قرابة 200 مليون إلى 500 مليون في الفترة بين عامي 1950 إلى 1996 بما يعكس تسارعًا كبيرًا في نمو السياحة، مع تطور وسائل النقل بطبيعة الحال.
وما تزال فرنسا الدولة الأكثر استقبالًا للسياح الأجانب خلال العقد الأخير بالكامل، وتليها إسبانيا التي حافظت على موقعها ثانية أيضًا لفترات طويلة، وذلك على الرغم من الصعود اللافت لعدد من الدول أبرزها الصين وتايلاند، وذلك وفقا لبيانات المجلس العالمي للسياحة والسفر عام 2017.
الدولة |
عدد الزوار بالملايين |
فرنسا |
86.9 |
إسبانيا |
81.8 |
الولايات المتحدة |
76.9 |
الصين |
60.7 |
إيطاليا |
58.3 |
المكسيك |
39.3 |
المملكة المتحدة |
37.7 |
تركيا |
37.6 |
ألمانيا |
37.5 |
تايلاند |
35.4 |
عقبات
وعلى الرغم من كافة تلك المظاهر الإيجابية، تعاني السياحة من العديد من المظاهر السلبية المقلقة، لعل أبرزها تراجع هامش الأرباح في الكثير من الدول السياحية بسبب المنافسة الكبيرة في هذا المجال، إذ تشير دراسة لغرفة السياحة العالمية إلى أن أرباح الصناعة لم تتعد 10-12% خلال السنتين الماضيتين، بينما ترتفع في صناعات أخرى (مثل البنوك والتكنولوجيا) لتصل إلى 30% تقريبًا.
وفي كثير من الأحيان ما تنخرط الدول في منافسة سعرية "غير مبررة" إذ تعمل على تخفيض أسعار الزيارات إليها وتخفيض أسعار الفنادق والتأشيرات وغيرها من المصروفات التي يتكبدها السائح اعتقادًا منها بأن ذلك من شأنه أن يجذب السائح ولكن ذلك لا يحدث.
وهذا لأن السياحة لا تتأثر فقط بالسعر ولكنها تمتد أيضًا لمستوى البنية التحتية، وتوافر المواصلات الجيدة، والطرق الآمنة، والخدمات الصحية والأمنية، والنظافة العامة، ومدى تدريب القائمين على السياحة، ولكن لا ينظر كثير من الدول إلا إلى الجانب السعري فحسب دون اهتمام ببقية الجوانب الهامة للغاية.
كما أن السياحة صناعة تتأثر بشدة بكافة المتغيرات من حولها، ولعل المثال على ذلك ما حدث في جزيرة "بالي" الإندونيسية في أعقاب التفجيرات الإرهابية التي وقعت هناك في 2005، حيث تراجعت أسعار الغرف السياحية هناك إلى 10% من قيمتها، ولم تعد إلى نفس القيمة إلا بعد مرور 6 سنوات كاملة على التفجيرات.
وكذلك تراجعت أسعار الغرف السياحية في باريس بنسبة 15-25% خلال اضطرابات "السترات الصفراء"، وذلك على الرغم من استمرار فرنسا على قمة هرم أكثر الدول استقبالًا للسياح الأجانب وفقًا لتقديرات الحكومية الفرنسية (لم تصدر أرقام رسمية حول 2018 بعد).
مستقبل الصناعة
وتشير تقديرات الغرفة العالمية للسفر والسياحة إلى أن المواجهات التجارية بين الولايات المتحدة والصين كان لها تأثيرها السلبي على نمو السياحة العام الفائت، ولذلك لا تتوقع أن تتخطى نسبة النمو 3.5% بعد عامين "قياسيين" للصناعة.
وعلى الرغم من نمو السياحة العالمية بشكل لافت إلا أن الحقيقة أيضا أن نسبتها ما تزال متدنية قياسًا إلى السياحة المحلية، إذ تشكل الأخيرة 73% من حجم صناعة السياحة، وتحصل العالمية على 27% فحسب، بل وتزداد مخاوف من المزيد من التراجع في نصيب السياحة العالمية لحساب تلك المحلية.
فالسياحة في الولايات المتحدة لم تزد إلا بنسبة 2.5% خلال الأعوام الأخيرة بفعل القيود المتعددة المستحدثة التي تفرضها السلطات الأمريكية على السفر إليها، بينما بدأت الصين في دراسة برامج للحد من تدفق السياح خارج البلاد بوضع حد للتحويلات المالية للخارج وفرض رسوم على من يسافرون للسياحة خارج البلاد أكثر من مرة في العام الواحد.
وفي المرحلة المقبلة تبقى السياحة العالمية رهينة تطور المواجهات الاقتصادية بين الصين وواشنطن، والقيود الأمريكية على السياحة إليها، وقيود الصين على السفر الخارجي، وتطور الأوضاع في فرنسا وإيطاليا، واستقرار الشرق الأوسط، وتوجه الاقتصاد العالمي للركود من عدمه، وأخيراً التطورات المتوقعة في صناعة الطيران بخفض تكلفة الرحلات (15-20% كما هو متوقع) بما قد يزيد من أعداد المسافرين بشكل ملحوظ.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}