خلال العقد الأخير فحسب اضطرت الأمم المتحدة لتقديم مساعدات غذائية لكوريا الشمالية بحوالي مليار ونصف المليار دولار، لتساهم في إطعام أكثر من 6.5 مليون شخص هناك يشكلون حوالي ربع السكان في الدولة الآسيوية.
وأرجعت الأمم المتحدة الحالة الاقتصادية والإنسانية السيئة لـ"بيونج يانج" إلى اعتمادها على نظام اقتصادي شيوعي يُدار بالكامل من جانب الدولة التي تسيطر على جميع وسائل الإنتاج، بل والتوزيع والبيع بالتجزئة، في ظل تراجع واضح للكفاءة في إدارة تلك الموارد.
تغييرات اقتصادية
ومع التعديل الكبير في سياسات كوريا الشمالية الخارجية بدأت في تغيير سياساتها الاقتصادية أيضاً، حيث كانت الدولة تسيطر بالكامل على وسائل التوزيع بوجود 600 منفذ توزيع (كشك) في المدن الصغيرة (30 ألف نسمة) ليصل الرقم إلى ألفي كشك في المدن الكبيرة (70 ألف نسمة أو أكثر).
وبدأت الدولة قبل عامين في إسناد مهمة إدارة تلك الأكشاك إلى القطاع الخاص، وتحديداً بعض الأفراد، ليقول 17% من المواطنين في استطلاع حكومي إنهم بدأوا يحصلون على السلع من القطاع الخاص (الذي يحصل على السلع من الحكومة حتى الآن) بعد أن كان 100% منهم يحصلون عليها من الحكومة عام 2016.
وقللت الدولة نسبة ما يحصل عليه الفرد من الدخل على هيئة سلع، حيث تراوحت تلك النسبة قبل 3 أعوام بين 35-50% من الدخل الفردي، لتصل حالياً إلى 20% فحسب بما يجعل المواطن أكثر حرية في إنفاق ما يحصل عليه من دخل.
وتختلف تقديرات آثار التغيرات الكورية على الاقتصاد بين ما تعلنه الدولة رسمياً وبين ما يقدره أطراف أخرى، ففي الوقت الذي أعلنت كوريا الشمالية عن نمو اقتصادها بنسبة 3.7% خلال 2017 بفعل "التغييرات العميقة" في الاقتصاد، تؤكد جارتها الجنوبية انكماش الاقتصاد بنسبة مقاربة، بينما تقدر الحكومة الأسترالية نمو الاقتصاد بنسبة 1.5% فحسب.
التجربة الفيتنامية
وبغض النظر عن أي تلك النسب صحيحة إلا أنها –حتى وإن كانت سالبة- تشكل تقدماً للاقتصاد هناك، في ظل تحقيقه لمعدلات سالبة متواصلة تخطت 5% خلال أعوام سابقة، خاصة مع توقع وزارة الخزانة الأمريكية لتحقيق "بيونج يانج" لمعدل نمو 4% خلال 2018 (لم تعلن إحصاءات رسمية حتى الآن).
وعلى الرغم من عدم وجود إعلان رسمي كوري حتى الآن، فإن الدولة الشيوعية تبدو في سبيلها لتبني التجربة الفيتنامية في التحول من الاقتصاد المركزي إلى الحر، وذلك يتضح من خلال استضافة خبراء اقتصاديين فيتناميين لنقل الخبرات في التحول الاقتصادي.
وبدأت الدولة بالفعل بإعلان مؤشرات اقتصادية كانت تعدها "سرية" قبل ذلك، ومنها حجم الناتج المحلي الإجمالي (30 مليار دولار في 2017) ومعدل نمو السكان (3.2% في عام 2016)، فيما تعد الخطوة الأولى التي اتخذتها فيتنام من أجل اندماج أكبر في الاقتصاد العالمي.
وتناول مسؤولون صينيون أيضاً انفتاح قطاعي المنسوجات والصيد في كوريا الشمالية بشكل نسبي على الصين، حيث صدرت "بيونج يانج" ما قيمته 300 مليون دولار منسوجات إلى بكين خلال 2017، بينما لم تكن الدولة الشيوعية تصدر أي شيء بخلاف المعادن والفحم للصين قبل ذلك.
نمر اقتصادي أم تراجع؟
وعلى الرغم من محدودية أرقام تلك الصادرات، إلا أنها تبدو ضخمة بالنسبة لحجم اقتصاد الدولة، خاصة في ظل تقدير مجمل صادراتها للعالم الخارجي بحوالي 3 مليارات دولار فحسب قبل 4 أعوام، لتصبح الصادرات من الأسماك والمنسوجات حوالي 10%.
وأشار مسؤول صيني لـ"فوربس" إلى نية "بيونج يانج" تحقيق قدر أكبر من الانفتاح الاقتصادي، من خلال إسناد مهام البحث عن المواد الخام والنفط والفحم إلى شركات أجنبية، وقد تبدأ الدولة برامج في هذا الإطار خلال العام المقبل.
وتصل "بلومبرج" إلى حد اعتبار أن كوريا الشمالية قادرة على التحول لـ"نمر آسيوي" خلال أعوام معدودة في ظل الدعمين الأمريكي والصيني من جهة، وفي ظل تغير اتجاه الدولة الاقتصادي "النسبي" من جهة، وفي إطار وجود مجالات كثيرة للغاية في التوسع الاقتصادي وفي مقدمتها البنية التحتية.
وتُحذر مجلة "فورين بوليسي" من "تراجع" كوري شمالي مفاجئ محتمل عن سياسات التحول الاقتصادي إذا ما اكتشفت الحكومة هناك أن لذلك تأثيرات في توجيه المجتمع ليصبح أقل مركزية اجتماعياً وسياسياً، غير أن ارتباط بيونج يانج مع بكين يجعل من الممكن لها تحقيق الانفتاح الاقتصادي (النسبي) مع الاحتفاظ بالنظام السياسي والاجتماعي الداخلي كما هو بالاستفادة من التجربة الصينية في هذا المجال.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}