بخلاف "مومو صلاح" أو "محمد صلاح" معشوق جماهير نادي ليفربول، الذي بدا مبدعا خلال الموسم الكروي السابق وحاز لقب أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي ورُشح لنيل لقب الأفضل في العالم، استحوذ "مومو" آخر على اهتمام العالم خلال الفترة الأخيرة.
بينما كان اللاعب الدولي المصري سببًا للابتهاج وسرور الجماهير في كثير من اللحظات، فإن هذا "المومو" الأخير كان سببًا للاكتئاب والألم وحتى إزهاق الأرواح، نعم كان يدفع ذلك الشرير متابعيه في نهاية المطاف إلى الانتحار تحت وطأة الضغط النفسي الذي يضعهم في نطاقه.
"مومو تشالنج" أو تحدي "مومو"، هي لعبة بطلها تمثال لامرأة خيالية قبيحة المنظر والمظهر بشعة الملامح، تشجع الأطفال والمراهقين على إيذاء أنفسهم وفي بعض الحالات على الانتحار، وذلك عبر إرسال تهديدات وتعليمات لمتابعيها من خلال "واتساب".
وبحسب صحيفة "ذا صن" فإن اللعبة ارتبطت بسلسلة من حوادث الانتحار بين صغار السن في كولومبيا والأرجنتين والهند، وتسببت الوفيات في ذعر واسع النطاق، حتى إن السلطات الأمنية في عدة دول أطلقت تحذيرات وطالبت بحظر اللعبة، ورغم ذلك قلل البعض من خطرها.
على أي حال، في بريطانيا كشف بعض الآباء عن تدهور الحالات النفسية لأبنائهم ودخولهم في نوبات بكاء بعد استهداف "مومو" لهم، وتهديدها للأطفال دون السادسة بالقتل حال شاهدوا قنوات الألعاب، فيما قالت سيدة إنها دفعت ابنها لوضع سكين على رقبته.
ولخوض التحدي على الطفل أو المراهق بدء التواصل مع "مومو" عبر "واتساب"، والتي تقوم بدورها بإرسال محتويات مرئية عنيفة ومزعجة، وفي بعض الأوقات تبتز ضحاياها بنشر بياناتهم الشخصية، ومع ذلك ترى مؤسسات معنية بحقوق الطفل في بريطانيا أنه لا يوجد دليل مادي على وجود تهديد حقيقي.
يُعتقد أن تحدي "مومو" ظهر على الإنترنت في المكسيك منذ منتصف عام 2018 تقريبًا، ويشمل مجموعة من الفيديوهات عبر "يوتيوب" ومنصات التواصل الأخرى بما في ذلك "سناب شات"، لكنه حاز اهتماما بالغا في سبتمبر من العام الماضي.
في هذا التوقيت كشفت تقارير إعلامية عن مقتل فتاة في الثانية عشرة وفتى في السادسة عشرة في شمال شرق كولومبيا بعد تلقيهما رسائل من "مومو"، وقالت الصحف المحلية إن الفتى هو من مرر اللعبة إلى الفتاة قبل أن يقتل نفسه، وبعد يومين عُثر عليها مشنوقة.
وعلق وزير الداخلية الكولومبي على الحادث قائلًا: اتضح أنهما خاضا هذا التحدي باستخدام "واتساب"، والذي دعاهما إلى إيذاء نفسيهما، هذه اللعبة تشمل مجموعة مختلفة من التحديات، والانتحار هو آخرها.
قد يتبادر لذهن المرء وهو يقرأ حول هذا "المومو": يا لوقاحة هؤلاء، يستهدفون أطفالًا أبرياء من ذوي النفوس الهشة والخبرة المنعدمة في الحياة كي يرضوا رغباتهم السادية المريضة، لا بد هنا للأهل والمدرسة من أن يلعبوا دورًا في حماية أبنائهم.
بالطبع نسأل الله السلامة لأبنائنا وأطفال العالم أجمع من كل سوء، لكن على وقع هذه اللعبة ومن قبلها "الحوت الأزرق" التي ظهرت عام 2017 وأودت بحياة نحو 130 مراهقًا، يجب أن نطرح سؤالًا هامًا؛ هل كل البالغين قادرون على كشف التضليل وتجنب الاستغلال دائمًا؟
هل الأمر مرتبط أصلًا بالسن أو النوع أم إن الغرائز البشرية قد تقود الإنسان إلى فخ الاستغلال؟ ربما تحتاج الإجابة الوافية عن هذا السؤال إلى متخصص في الشؤون الاجتماعية والبشرية، لكن بالنظر إلى تجارب سوق المال فإننا نجد نماذج يمكنها المحاكاة والرد بمنطقية على هذا التساؤل.
حتى المستثمرون في أسواق المال لم يسلموا من "مومو"، الذي يقود بعضهم للذعر تارة، أو يضللهم بتعليمات غير دقيقة تدفعهم نحو خسائر فادحة تارة أخرى، لكن "المومو" الأكثر إثارة، هو ذلك الذي يصنعه المستثمر بنفسه ويصدقه إلى أن يقوده إلى استنزافه وربما مصرعه (استثماريًا).
تضليل عن قصد ودون قصد
- قد تضلل الشركات مستثمريها ومن يراقبون أداءها بغرض شراء بعض من أسهمها، بطرق مختلفة تظهر تحسنًا في الأداء عند إعلان نتائج أعمالها، لتكسب الإدارة ثقة المساهمين وتجعل السهم جذابا في السوق.
- من بين هذه الطرق هي استباق إعلان النتائج بإعادة شراء مجموعة من الأسهم القائمة من المساهمين، ورغم أن ذلك يعود بالنفع على هؤلاء المساهمين، إلا أنه يزيد ربحية السهم الواحد عند إعلان النتائج، ويتم إساءة استغلال هذه الممارسة لإظهار الربحية أكبر من توقعات المحللين.
- مثلًا الشركة "أ" لديها مليون سهم قائم، وحققت أرباحًا قدرها 100 مليون ريال، سيكون نصيب السهم من هذه الأرباح 100 ريال (يتوقع المحللون 105 ريالات)، لكن إذا اشترت الشركة 10% من الأسهم، فستكون حصة السهم (100 مليون/ 900 ألف) 111.1 ريال.
- بهذه الطريقة يمكن للشركات أحيانًا إظهار تحسن في أدائها، وبطبيعة الحال لا نقول إن جميع المستثمرين يقعون في هذا الفخ، لكنها حيلة تستدعي من المستثمر التدقيق والتأني قبل إصدار حكمه النهائي أو اتخاذ قرار بشأن السهم.
- الأكثر من ذلك أن بعض المحللين أنفسهم قد يكونون سببًا في تضليل المستثمرين وإلحاق الضرر باستثماراتهم لإرضاء رغباتهم الانتهازية وتحقيق مكاسب شخصية على حساب أولئك الذين ينصتون ويثقون بتوجيهاتهم.
- في الصين على سبيل المثال، فرض منظمو سوق الأسهم غرامة قدرها 13.5 مليون دولار على المحلل ومقدم البرامج المالية "لياو يينغ تشاينغ" في مايو عام 2018، بعد إدانته بتضليل مستثمري الأسهم بغرض التربح.
- قال المنظمون إن المحلل استغل البرامج التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمجموعة من الشركات، قبل جني أرباحه وبيع أسهمه في هذه الشركات، والتي ارتفعت قيمتها بالطبع مع شراء المستثمرين لها وفقًا لتوجيهاته.
- "المومو" الذي قد يكون أكثر خطورة على الإطلاق بالنسبة للمستثمرين، هو الذي يصنعونه بأنفسهم، عندما يبدؤون في تجاهل أي أخبار تتناول بشكل سلبي أداء أو مستقبل السهم الذي يراهنون عليه ولا يقبلون بأي حال من الأحوال سوى الأنباء التي تدعم رؤيتهم.
- يرجع ذلك إلى ميل البشر إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد الآراء والمعتقدات التي يتبنونها ورفض تلك التي تدحضها، بغض النظر عن صحة هذه المعلومات، وهي ظاهرة نفسية تُعرف بالانحياز التأكيدي، تناولناها سابقًا.
استغلال غرائز الخوف البشرية
- كما أن "المومو" القاتل كان غير معلوم الهوية ويصعب تحديد من يقف وراءه، هناك أيضًا "مومو" مجهول في أسواق المال، ينشر الذعر والهلع بين المستثمرين ويدفعهم لاتخاذ قرارات عفوية وغير مدروسة قد تحرمهم مواكبة المسار الرابح فيما بعد.
- تقول مجلة "فوربس" في تقرير لها: كل يوم هناك مدونون وكتاب يعملون لحسابهم الشخصي، يعدون مقالات وتقارير لمواقع إخبارية، يمكنها التأثير بشكل غير عادل على اتجاهات السوق، مع ذلك فإن محاولات توجيه أسعار الأصول عبر الكتابة ليست ممارسة جديدة.
- يقول محلل الأسهم السابق ومؤسس "إندكسر مي" للبرمجيات "أنطون جوردون": الأخبار الزائفة في سوق المال هي علة رئيسية منذ زمن بعيد، إنها لا تنجح غالبًا، لكن هناك دائمًا من يحاول استخدامها للتأثير على الأسعار.
- الأخبار الزائفة، وبقول آخر "الشائعات"، هي أداة غير قانونية بالطبع يلجأ لها المضاربون الذين يرغبون في تحريك السوق سريعًا لتحقيق الأرباح، خاصة أولئك الذين يميلون لعملية "البيع على المكشوف والتشويه" التي ناقشناها في تقرير سابق.
- التلاعب في أسعار الأسهم بغرض التربح كان قائمًا في الأسواق المالية منذ قرون، لكن خلال السنوات القليلة الماضية، ومع الانتشار القوي لوسائل التواصل الاجتماعي، ازداد هذا الاتجاه بشكل مثير للقلق، وأصبحت الأدوات المؤثرة في المعنويات أكثر توافرًا، بحسب مجلة "فين ويك".
- أظهر تحليل أجرته "بازفيد"، أن أبرز 20 قصة مزيفة عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، حازت تفاعلاً عبر "فيسبوك" يفوق ما حازه أبرز 20 خبراً صادراً عن الوسائل الإعلامية الرئيسية ذات الموثوقية الكبيرة.
- واحدة من أهم وقائع الأخبار المزيفة التي كبدت مستثمري الأسهم خسائر فادحة، كانت في 2013، عندما نشر حساب وكالة "أسوشيتيد برس" على "تويتر" خبرًا يدعي إصابة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في انفجار.
- حينها خسر سوق الأسهم الأمريكي نحو 130 مليار دولار، وتبين بعد ذلك أن حساب الوكالة قد تعرض لاختراق من قبل قراصنة، وبالطبع تعافت الأسهم بعد ذلك، لكن جميعنا يعلم تمامًا ما يعنيه ذلك لمن استطاع الشراء عند بلوغ الأسعار القاع.. نعم "مكاسب هائلة" وفي مقابلها نفس الحجم من الخسائر لآخرين.
- في مثل هذه الحالات، يظهر ما يعرف بـ"البيع الهلعي"، فمع بدء تراجع الأسعار عقب الأنباء وتملّك الذعر من قلوب المستثمرين، يبيعون أسهمهم خوفًا من تزايد الخسائر (عادة يتم ذلك بواسطة الخوارزميات ووسائط التداول الإلكتروني)، لكن ذلك لا يؤدي سوى لمزيد من التراجع.
- عند هذه المرحلة فإن المستثمرين المستعدين جيدًا لاقتناص الأصول ذات الأسعار المنخفضة يبدؤون الشراء، وبعد فترة يعوض السوق خسائره، وفي بعض الحالات قد يسلك السوق مسارًا صاعدًا، لكن يكون المستثمر الخائف قد تخلف عن الركب بالفعل.
- في النهاية، لا شيء يضاهي الخطر الذي يهدد الأرواح، ولأن المال شقيق النفس، فالأحرى أن "يتحدى" البشر كل "تحدٍ" تفرزه سادية التكنولوجا الحديثة حفاظا على روح الإنسان وكذلك ما يملكه.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}