غالبًا ما يرجع فشل عمليات دمج الشركات لسبب رئيسي بسيط، هو أن الطرف المشتري يدفع أكثر مما ينبغي، ولعل ذلك يدفعنا لتأمل المقولة الشهيرة في "وول ستريت": السعر هو ما تدفعه، والقيمة هي ما تحصل عليه، بحسب تقرير لـ"ماركت ووتش".
معضلة السعر المناسب
- الأمر كله يتركز على التحكم في العلاوة السعرية التي ستعرض، فعندما تقوم شركة بشراء حصة من الأسهم فإنها غالبًا ما تدفع سعرا أعلى من المسجل بنهاية تداولات آخر جلسة في السوق.
- عندما تستحوذ شركة على أخرى، يتم التفاوض على سعر الشراء خلال اجتماعات مطولة أو ربما أثناء عشاء عمل في مطعم فاخر، للتوافق في النهاية على مقدار الزيادة السعرية التي ستدفع (علاوة على آخر سعر إغلاق).
- لكن كم ينبغي أن تكون هذه العلاوة؟ طبيعة عمليات الاستحواذ قد تجعلها أحيانًا مباراة من خاسر ورابح، فكلا المشتري والبائع، بحاجة للشعور بأنه اقتنص صفقة جيدة تخدم مصالحه.
- على البائع أن يقنع المديرين والمساهمين بأنهم يبيعون أصولهم مقابل سعر مرتفع للغاية، وفي الوقت نفسه على المشتري إقناع أصحاب المصلحة في شركته بأنهم حصلوا على عرض مميز جدًا، وفي النهاية يتحدث الطرفان عن نفس الأصول.
- عند هذه المرحلة يأتي دور مفهوم "التعاضد" أو "التكامل"، فالطريقة الوحيدة لموافقة أصحاب المصلحة لدى الطرفين، تكون بإقناعهم بأن عملية الاستحواذ والدمج ستخلق كيانا قادرا على توليد إيرادات إضافية أو تقليص التكاليف، وهنا يعتبر السعر المرتفع صفقة رابحة.
- على سبيل المثال، اعتُبرت "جنرال إلكتريك" استثمارًا ضعيفًا على مدى العقدين الماضيين، وخسرت الشركة الكثير من قيمتها بسبب عمليات استحواذ فاشلة، حيث اشترت الشركات بأسعار مرتفعة، وباعتها بأسعار منخفضة، لأنها لم تحقق التكامل المنشود.
اختلاف ثقافي
- نخلص من ذلك إلى سبب آخر لفشل عمليات الاستحواذ والدمج، وهو عدم القدرة على التكامل والتعاون بين الشركات، وقد يرجع ذلك إلى عدم توافق ثقافتي الشركتين.
- على سبيل المثال، قد يكون لشركة ثقافة قوية يقودها المؤسس، حيث يتم اتخاذ القرارات الرئيسية من خلال شخص واحد، فيما تعتمد الشركة الأخرى على توافق الآراء قبل الشروع في أمر ما.
- دمج هاتين الثقافتين يشبه محاولة خلط الزيت بالماء، وبقول آخر لن يمتزجا، وستكون التعارضات الثقافية أعمق إذا كان المشتري والبائع لا يركزان على نفس النشاط التجاري.
- من أمثلة ذلك، شركة "هيوليت باكارد" المعروفة حاليًا بـ"إتش بي" والتي عصفت بها عمليات الاستحواذ الضخمة، مثل شراء "كومباك" عام 2002، وحينها لم تمتزج ثقافتها الهندسية الفريدة مع الثقافة التصنيعية للشركة المشتراة.
- في عام 2008، استحوذت أيضًا على "إي دي إس" المعروفة بثقافتها الخدمية، ثم "أوتونومي" للبرمجيات في عام 2011، وانتهى الأمر إلى تشكيل محفظة سيئة للغاية، استخدمت نظاما محاسبيا مشكوكا فيه وبالغت في مبيعاتها.
- في النهاية، ألحقت هذه الاستحواذات غير المنسجمة الضرر البالغ بثقافة "إتش بي" نفسها، واضطرت الشركة للتخلي عنها في السنوات الأخيرة عبر سلسلة من الانفصالات.
مشكلات معنوية وذعر الموظفين
- قد تؤدي الاستحواذات أيضًا إلى خلق مشكلة في المعنويات، فحتى قبل الإعلان عن الصفقة، يأتي الموظفون إلى الشركة المبيعة كالمعتاد دون قلق بشأن مستقبلهم، لكن بعد ذلك يشعرون بخطر مفاجئ يهدد أمنهم الوظيفي.
- لعل هذا هو المقصود بمقولة "للتكامل تكلفته المحتملة"، وبدلًا من قضاء الوقت في تصفح "تويتر" و"سناب شات" خلال أوقات الفراغ ربما يصبح على الموظفين تحديث ملفاتهم الشخصية على شبكة التوظيف "لينكد إن".
- انشغال الموظفين بالتفكير في استدامة رواتبهم، أكثر مما يفكرون في كيفية مساعدة الكيان الجديد الذي ربما يكون على وشك تسريحهم من العمل، وهو احتمال قوي في هذه الحالة.
- أخيرًا، يعد دمج الأنشطة التجارية عملية صعبة للغاية، وإلى جانب المشكلات الثقافية، يتعين على الشركات إعادة تنظيم سلاسل الإمداد العالمية، ونقل المقر الرئيسي، ودمج الأنظمة البرمجية، وفي الشركات الكبيرة يبدو الأمر أشبه بدمج نظامين عصبيين معقدين.
- لذلك، فإن مسألة السعر وعدم القدرة على تحقيق التكامل التي تصحب صفقة الاستحواذ، تشكل مخاطر غير مدفوعة أو محسوبة، ومع أن عمليات الاستحواذ تبدو سبيلًا لخلق القيمة، لكن نمو الشركة بهذه الطريقة يستدعي اكتساب الإدارة مهارات متخصصة جديدة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}