في إحدى الروايات حول سبب وفاة الأديب العربي، الجاحظ، أنه وقع عليه صف من الكتب أثناء مطالعته لها وكان كبيراً في السن فقتله، فيما سمي بهذا الاسم بسبب بروز عينيه من محجريهما لطول مطالعته.
وعلى الرغم من مرور قرون على تلك الحادثة إلا أنه يبدو وكأن المعلومات رغم تغير طبيعة وأشكال الحصول عليها، إلا أن ظاهرة جديدة تشير إلى "الأذى" التي تسببه المعلومات الكثيرة لمتلقيها في بعض الأحيان فيما يعرف بـ"الحمل الزائد للمعلومات".
وفقا لدراسة لجامعة "يل" هناك العديد من الأسباب لتصاعد هذه الظاهرة خلال الأعوام الأخيرة ولعل أبرزها:
التغيير: لا شك أن معدلات التغيير في مختلف المجتمعات أصبحت أسرع كثيراً من ذي قبل، ويكفي الإشارة إلى أن معدلات ظهور مصطلح جديد أو اسم شركة أو مشروع كبير "يتعين على المرء معرفتهم" ثلاثة أضعاف نفس المعدل قبل عشرة أعوام فحسب و40 ضعفاً قبل 20 عاماً.
ومن ضمن هذا أنه في الدقيقة الواحدة، خلال عام 2017، يتم رفع 3.3 مليون منشور (بوست) على "فيسبوك" و500 ساعة فيديو على "يوتيوب" ويتم إرسال أكثر من 150 ألف إيميل، فضلًا عن زيادة مساحة "التعرض" لمختلف المؤثرات من أصوات وأضواء وغيرها.
وتقدر الدراسة أن الشخص يتعرض لكمية معلومات كافية لملء 175 صحيفة بالكامل، وهذا يصيب العقل البشري بالإنهاك والأعصاب بالتوتر، خاصة مع عدم أهمية الكثير من تلك المعلومات بالنسبة لمتلقيها، بما يجعله يحصد كماً كبيراً من المعلومات "غير المهمة" في الوقت الذي يسعى لتحصيل ما يهمه.
السلع والخدمات: ربما يكون نظام التغذية العكسية حول المنتجات من المستهلكين إحدى مزايا العصر الحديث، ولكن في بعض الأحيان يمكن إيجاد مئات التعليقات التفصيلية حول مدى تمتع حذاء بالجودة على سبيل المثال، على الرغم من سهولة ذلك قديمًا بالشراء المباشر أو سؤال أحد الأصدقاء ممن اشتروا السلعة بالفعل.
الشروط والفواتير: قبل قرنين من الزمان كان المرء يوقع في المتوسط 12 وثيقة قانونية، بما فيها وصيته وعقد عمله وزواجه ولشراء مسكن .. إلخ، أما في عصرنا هذا فقد يوقع عشرات الوثائق الإلكترونية في غضون بضعة أيام، لإنشاء حساب إلكتروني أو لتحميل تطبيق على الجوال أو لإنشاء حساب على "فيسبوك" أو "تويتر" أو غيرهم من المواقع.
الاتصال: في مايو 2018 أعلن تطبيق "واتس آب" أن مستخدميه أرسلوا 65 مليار رسالة في المتوسط يوميًا، مما يعكس الكم الكبير للغاية من الرسائل التي يتلقاها كل مستخدم، وتزداد تأثير تلك الرسائل مع ازدياد التطبيقات المختلفة المماثلة لـ"واتس آب" مثل "فايبر" وغيرهما كثير.
تغير طبيعة الوظائف: حيث ظهرت وظائف كثيرة جديدة مثل مصممي البرامج، وصناع المحتوى وغيرها التي تتطلب الانتباه للكثير من التفاصيل، بما يفرض على هؤلاء ضغوطًا إضافية بالحاجة لمتابعة التطورات المتسارعة في مجالاتهم باستمرار.
المعلومات المضللة: بسبب طبيعة وسائل الاتصال الحديثة ووسائل المعلومات عبر شبكة الإنترنت، فإن هناك كماً كبيراً للغاية من المعلومات الخاطئة التي نتعرض لها باستمرار، بل وقد تظهر معلومات متضاربة في الكثير من الأحيان بما يفرض المزيد من البحث عن المعلومات ويفاقم ظاهرة "حمل المعلومات الزائد".
ويتسبب كل هذا فيما يعرف بظاهرة "فومو" أو الخوف من فوات الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ميل البعض للعزلة هرباً من كم التطورات الكبيرة التي عليهم متابعتها من أجل البقاء "متصلين" بما حولهم.
وبناء على ذلك يحتاج الكثير من الناس إلى ما يعرف بـ"حمية المعلومات"، وذلك بتقليص تعرضهم للمعلومات "غير الضرورية" سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو من خلال تطبيقات المحادثة أولًا، ثم بتقليص "الانتباه" لكافة التفاصيل من حولهم كالتعبيرات المستجدة لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لقدر أكبر من راحة البال.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}