في القرن الحادي والعشرين، فإن ما كان يعرف بـ"الجمع والالتقاط" من الحقول الزراعية لإطعام الفقراء، أصبح عادة من الماضي -على الأقل بشكلها القديم-، لكن هل يمكن لعادة مشابهة أن تشكل أملًا في توفير الغذاء للجوعى حول العالم في عصر آلات الحصد ذات التقنيات المتقدمة، بحسب تقرير لـ"الإيكونوميست".
حتى مع استخدام التقنيات الحديثة، ففي بعض الأوقات يتسبب الطقس في إنتاج محاصيل غير مرغوب فيها، تمامًا كما حدث مع محصول التفاح بعد صيف 2018، والذي رفضته العديد من المتاجر في الغرب لصغر حجمه.
ووفقًا لنشطاء، فإن ما بين 20% و40% من الفاكهة والخضراوات رُفضت من قبل المتاجر والمحال في بريطانيا والولايات المتحدة بناءً على عوامل جمالية بحتة، فعلى سبيل المثال تتطلب معايير هذه المنافذ أن تكون حبات الكوسة جميعها متطابقة، وهو أمر يؤدي إلى إهدار 2.7 مليون طن من المنتجات الزراعة سنويًا في أمريكا تحت بند "مزروعات قبيحة".
وتعاني بلدان غربية كثيرة خاصة بريطانيا ودول أوروبا الشرقية من نقص في المزارعين الذين يسمحون إلى الآن بجمع ما تبقى من المحصول، وفي الوقت نفسه فإن الآلات غير قادرة على حصد الإنتاج الزراعي بشكل كامل ودقيق، وتترك وراءها الكثير من الثمار العالقة في أغصانها.
ويشتكي أحد زارعي الكشمش الأسود في ساسكس الإنجليزية، والذي يعتمد الآن على جامعي الثمار المتطوعين لحصد بقايا إنتاجه، من عدم كفاءة الآلات الحديثة في استخلاص المحصول، قائلًا إنها تستطيع حصد ما بين 60% إلى 80% من إجمالي إنتاج مزارعه فقط.
ولذا بات يعتقد كثيرون أن اللجوء إلى العنصر البشري كما كان في السابق سيكون له عائد كبير، ويقول هؤلاء إنه عند الحديث عن جمع الأشياء، فإن أكثر الأدوات كفاءة هي عين الإنسان ويده، لامتيازهما بالدقة والحساسية المطلوبة.
أصل العادة
- على عكس عمليات البحث والالتقاط من النفايات، والتي تحدث في البلدان الفقيرة بشكل فردي وبغرض تجاري، فإن جهود جمع الثمار في الحقول غالبًا ما تتم بشكل مجتمعي أو عبر مؤسسات خيرية، حيث يحصد المتطوعون ما تبقى من المحصول عقب انتهاء مالك المزرعة من عملية الحصد التجاري.
- أقرت الكثير من بلدان أوروبا خلال العصور الوسطى الحق في الجمع والحصد من المزارع (عقب انتهاء المالك من عملية الحصد الرئيسية) لكنها عملية لم تكن متاحة للجميع، وظل هذا القانون ساريا في كثير من أنحاء القارة حتى القرن العشرين.
- كانت تتولى مجموعة من الحراس تأمين الحقول لحمايتها حتى نهاية أعمال الحصاد، وعقب دق جرس الانتهاء، يُسمح للراغبين بجمع بعض المزروعات بالدخول إلى الأراضي الزراعية لالتقاط ما يمكنهم التقاطه، قبل دق جرس آخر في المساء يعني انتهاء المُهلة المتاحة لهم.
- عمليات الجمع والالتقاط من الحقول، كانت جزءًا مهمًا من دخل الفلاحين والقرويين البسطاء، وربما شكلت نحو ثلث الدخل السنوي للأسر في وسط وجنوب إنجلترا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
- لكن قلق المزارعين تزايد بمرور الوقت خوفًا من إلحاق الضرر بالمحاصيل وممتلكاتهم الخاصة، لا سيما في ظل وجود رقعة كبيرة من الأراضي الزراعية المُسيجة، وفي بعض الحالات أدان القضاء جمع الأشخاص للثمار من الحقول، لعدم رضا الملاك، وعلّل ذلك بأن الجمع والالتقاط هو هبة من صاحب الأرض وليس أحد الحقوق.
إعادة إنتاج بشكل جديد
- في فرنسا لا يزال يسمح القانون بالجمع والالتقاط من الحقول منذ شروق الشمس حتى غروبها عقب انتهاء مرحلة الحصاد، لكن لا يبدو أن أحدًا يدري بهذه القواعد أو يهتم بها، وبأي حال من الأحوال لا تبدو هذه الممارسة شائعة بعد الآن.
- لكنها ما زالت قائمة بأشكال أخرى، في يونيو/ حزيران الماضي، دعا أحد المزارعين في شرق ساسكس الإنجليزية مجموعة "نتورك غلينينج" (تعمل على حفظ ما تبقى من الإنتاج الزراعي لاستخدامه في أغراض خيرية بدلًا من إهداره) لجمع ما تبقى من محصوله الذي نما سريعًا بفضل أحوال الطقس، ليسمح لأرضه بإنبات المزيد منه.
- على عكس أجراس الماضي، يتلقى المتطوع في القرن الحادي والعشرين إشعارًا عبر حسابه بموقع "فيسبوك" يفيد بموعد وموقع التحرك لبدء عمليات الجمع والالتقاط، وتضم شبكة "ساسكس" للجمع وحدها أكثر من 900 متطوع.
- بينما كانت أعمال الجمع والالتقاط في الماضي تقتصر على الأسر الفقيرة (خاصة النساء والأطفال)، فإنها الآن تعتمد كليًا على متطوعين مرفهين إلى حد ما، لا يبحثون عن عائد، يذهبون لتنفيذ خططهم باستخدام سياراتهم الخاصة وهم يرتدون ملابسهم التقليدية، فقط ينقصهم بعض التعليمات البسيطة حول استخدام السكاكين والتعامل مع الأغصان.
- أكثر ما يشغل بال هؤلاء المتطوعين هو خفض حجم الإنتاج الزراعي المُهدر، ومعالجة الفقر الذي يعاني منه آخرون، فبحسب التقديرات الحكومية، فإن 10 ملايين طن من الأغذية تُلقى في النفايات في بريطانيا كل عام، 70% منها يتم التخلص منه بواسطة الأسر العادية.
- في الوقت نفسه، يصنف نحو 20% من البالغين في بريطانيا و14.5% من الأسر الأمريكية على أنهم "فاقدون للأمن الغذائي"، أي أنهم بطريقة ما لا يستطيعون دائمًا الحصول على الطعام عندما يحتاجون إليه.
- قدر مزارعون شاركوا في مسح أجرته "فيرمونت فود لوس" المعنية بمتابعة الطعام المهدر، نسبة الخضراوات والتوت المُهدر سنويًا في بريطانيا بنسبة 16%، وبنسبة تتراوح بين 10% إلى 16% في جميع المحاصيل، فهل يوفر "الجمع والالتقاط" سبيلًا لمعالجة الفقر حول العالم؟
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}