أعلنت ألمانيا في الحادي والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول من عام 2018، إنهاء حقبة الإنتاج الصناعي للفحم القاري التي دامت طوال 200 عام، بعدما أغلقت السلطات منجم "بروسبر هانيل" الذي كان يعد آخر منجم لاستخراج هذا النوع من الوقود في البلاد، ويأتي ذلك بعد تقارير رجحت فشل البلاد في التخلي عن المورد الملوث للبيئة رغم توسعها في تشغيل محطات الطاقة المتجددة.
ولم تكن رحلة برلين عبر هذا الطريق هادئة أبدا، فالتخلي عن الوقود الذي ساهم بشكل كبير في ازدهار البلاد اقتصاديًا وتوفير مصدر موثوق للحصول على الكهرباء -عمل بالقطاع نحو نصف مليون شخص خلال ذروة نشاطه في خمسينيات القرن الماضي- شكل تحديًا على أصعدة مختلفة، فهل نجاح خطة ألمانيا بات مضمونًا؟
- القرار الألماني لم يعنِ تخلي البلاد عن توليد الكهرباء عبر حرق الفحم، الذي شكل جزءًا كبيرًا من مزيج الطاقة في البلاد خلال عام 2018، لكنه ينصب على إيقاف إنتاج الفحم القاري والتحول إلى استيراد احتياجات البلاد إليه من الخارج.
- يعد القرار الألماني خطوة في إطار استراتيجية أوسع تتبناها البلاد للتحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة لكن بشكل تدريجي، ويأتي تزامنًا مع توسع ألمانيا بالفعل في إنشاء مزارع الرياح والألواح الشمسية، وهي الآن أحد البلدان الرائدة في توليد الطاقة المتجددة.
- قد يبدو انتهاء عصر إنتاج الفحم وتراجع عدد المحطات العاملة به تزامنًا مع تزايد الاعتماد على الطاقة المتجددة مجديًا للاستراتيجية الألمانية، لكن بحسب تقرير لـ"سي إن بي سي" فإن برلين تواجه مشاكل في تدشين شبكات كهرباء ذكية ونظيفة تكفي لتغطية جميع أنحاء البلاد.
- انخفض إنتاج محطات الفحم في ألمانيا خلال النصف الأول من 2018، حيث تجاوزت المصادر المتجددة (طاقة الرياح، والشمس، والماء، والوقود الحيوي) الفحم، لتصبح أكبر مصدر لتوليد الطاقة في البلاد، ومع ذلك فإن برلين ما زالت متأخرة كثيرًا في مبادرتها الرامية للانتقال من الفحم والطاقة النووية إلى المصادر المتجددة والاقتصاد منخفض الكربون.
- من بين الأمور التي تثير قلق الحكومة والمراقبين؛ حاجة البلاد إلى الاستثمار في شبكة طاقة وطنية مصممة لجيل جديد من الطاقة، تمتد على نحو 7 آلاف كيلومتر، وهي مهمة يراها محللون بعيدة كل البعد عن السهولة، وبحسب بيانات الجمعية الأوروبية للفحم، فإن ما يزيد على 45 ألف ألماني كانوا يعملون بقطاع الفحم والصناعات المتعلقة به عام 2015، وتأمل الحكومة في نجاح نقل هؤلاء إلى مجالات بديلة مثل الطاقة المتجددة.
- في الوقت الذي يبدو فيه قرار إغلاق آخر منجم للفحم القاري خبرًا مرحبًا به في الأوساط البيئية، تجدر الإشارة إلى أن مشغلي محطات الطاقة في ألمانيا يتحولون نحو استيراد الفحم الأسود الأرخص من الولايات المتحدة وروسيا وكولومبيا، كما أن البلد ذاته يعزز عمليات استخراج الفحم البني.
- التحركات الألمانية لتقليل الاعتماد على الفحم في توليد الطاقة ووقف إنتاج الفحم القاري في البلاد تأتي استجابة لاتفاق باريس للمناخ، لكن التحول الكامل إلى توليد الكهرباء اعتمادًا على الموارد المتجددة مسألة يراها مراقبون غاية في الصعوبة، وحتى المسؤولون الألمان بدوا متخبطين أثناء الإعداد لها.
- في إطار هذه المساعي، أعلنت برلين تشكيل لجنة من أعضاء في الحكومة والمجتمع المدني وممثلي الشركات ونقابات العمال للاجتماع بشكل دوري من أجل مناقشة وتقديم المشورة حيال خطط التخلي عن استخراج واستهلاك الفحم، ويشمل ذلك العثور على بدائل للعمال والمناطق التي يعتمد اقتصادها على الفحم، لكن هذه اللجنة فشلت في الاجتماع أكثر من مرة.
- حتى بعد نجاح اجتماعها أخيرًا، ورغم تقديمها استعراضًا للآثار الاقتصادية للاستراتيجية، لم تحدد هذه اللجنة موعدًا نهائيًا للتخلي عن الفحم في ألمانيا، وفشلت في تقدم تقرير نهائي حول خططها ومقترحاتها، بحسب موقع "كلين إنيرجي واير".
- وفقًا لوزارة الشؤون الاقتصادية والطاقة في ألمانيا، فإن البلاد لن تفيَ بتعهدها بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 55% (مقارنة بمستويات عام 1990) بحلول عام 2030، مرجحة وصول نسبة الخفض إلى 45% فقط.
- يشار هنا إلى أن ألمانيا لا تزال تعتمد بشدة على الفحم في توليد حاجتها من الكهرباء، وشكل الفحم القاري والبني معًا نحو 37% من إنتاج الطاقة في البلاد خلال عام 2017، وكانا سببًا في أكثر من 80% من الانبعاثات التي ولدها قطاع الطاقة الألماني.
- يقول المدير الإداري لمبادرة "كربون تراكر" لمراقبة أسباب الانبعاثات الملوثة، "مارك لويس"، إن التحول بعيدًا عن الفحم لا يزال يشكل لغزًا بالنسبة إلى ألمانيا، مضيفًا: إنهم رواد على الصعيد العالمي في مجال الطاقة المتجددة، لكن بالنسبة إلى مسألة التخلي عن الفحم، فهذه مشكلة كبيرة بالنسبة إليهم من حيث مصداقيتهم تجاه قضية التغير المناخي، الأمر حقًا صعب.
نجاح أو فشل.. ماذا يعني للعالم؟
- نقل موقع "جريت تك ميديا" المختص بأخبار قطاع الطاقة المتجددة، عن أحد محللي أسواق الفحم لدى وكالة الطاقة الدولية "كارلوس فرنانديز ألفاريز" قوله، إن مُضي أكبر اقتصاد في أوروبا قدمًا للتوقف عن إنتاج نحو 46 جيجاواط من الطاقة اعتمادًا على الفحم، سيُخفض الاستهلاك العالمي بنسبة 2% فقط.
- يضيف "ألفاريز": سيكون التراجع محدوداً، في الواقع يشكل الاتحاد الأوروبي 6% فقط من الطلب العالمي على الفحم، وهذه النسبة تتناقص وستواصل التناقص.
- مع ذلك يرى تقرير لمجلة "ناشونال جيوغرافيك" أن ألمانيا رائدة في التحول بعيدًا عن الطاقة الملوثة للبيئة، وأنها تشكل مثالًا يجب أن يحتذى به من قبل بقية العالم إذا كان يريد تجنب كارثة مناخية، ويشير إلى أن توليد برلين للكهرباء النظيفة وتحديداً عبر الموارد المتجددة آخذ في التزايد.
- لكن التقرير يشير إلى ممارسة مشغلي مرافق الكهرباء في البلاد للضغط على حكومة "أنجيلا ميركل" لإبطاء خطواتها نحو هذا التحول، في ظل الاعتماد الكبير على الفحم في مزيج الطاقة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}