في ظل استيائه من سياسات منظمة "أوبك" وطمعه في زيادتها لإمدادات الخام، ربما وجد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن غير قصد، طريقة لخفض أسعار البنزين، وهي توسيع نطاق الحرب التجارية لخفض استهلاك النفط، لكن المشكلة هي أن هذا الحل ربما لن يجدي نفعًا في الوقت المناسب قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
وبحسب تقرير لـ"بلومبرج" ساعد التهديد الأمريكي بفرض تعريفة جمركية نسبتها 10% على واردات صينية إضافية بقيمة 200 مليار دولار في دفع خام "برنت" يوم الأربعاء الحادي عشر من يوليو/ تموز إلى تسجيل أكبر خسائر يومية منذ عام 2011، حتى دون أن تدخل هذه الرسوم حيز التنفيذ.
ومن المتوقع بالتأكيد أن ترد الصين على هذا التهديد الأخير، وفي ظل غضب "ترامب" بسبب العجز التجاري المتفاقم، فإن الحرب التجارية –التي لن يفوز بها أحد- ستواصل التوسع على جبهات عدة.
هناك طريقتان تؤثر بهما الحروب التجارية في الطلب على النفط وأسعاره، الأولى مباشرة وفورية، والثانية غير مباشرة لكن أثرها قد يكون أكثر عمقًا على المدى الطويل.
إن فرض رسوم جمركية من قبل الولايات المتحدة سيزيد من تكلفة وارداتها، في حين أن التعريفات الانتقامية التي تفرضها الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي ستنال من الصادرات الرئيسية للبلاد، وبالفعل تدرس بكين فرض تعريفة نسبتها 25% على وارداتها من الخام الأمريكي.
وبطبيعة الحال سيؤدي ارتفاع التكاليف إلى الحد من تدفق حركة التجارة، ومع انخفاض عدد السلع المباعة حول العالم، ستكون هناك حاجة أقل للسفن والطائرات والشاحنات للنقل، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر وفوري في الطلب على النفط.
لكن تشييد المزيد من الحواجز أمام التجارة يهدد أيضًا بتقويض النمو الاقتصادي العالمي وسبل عيش أولئك المتضررين بشكل مباشر من الصراع، مثل المزارعين الأمريكيين والعاملين في صناعة السيارات.
ومن جهة أخرى، ومع ارتفاع تكاليف السلع نتيجة التعريفات المتزايدة، سيشكل ذلك ضربة موجعة للمستهلكين، حيث سيتبقى لهم أموال أقل للإنفاق وبالتالي سينعكس هذا على خطط القيادة وشراء السيارات.
يمكن أن يكون تأثير الحرب التجارية مزدوجًا، لكن يتوقف ذلك على مدة استمرارها، وسيراجع السائقون عاداتهم المتعلقة بالقيادة لتقليل المسافات التي يقطعونها، علمًا بأن العام الجاري شهد بالفعل انخفاضا سنويا في عدد الكيلومترات الشهرية التي تقطعها السيارات في الولايات المتحدة لأول مرة منذ عام 2014، وهو ما يعكس تأثير أسعار البنزين على عادات السائقين.
وإذا شعر السائقون باستمرار الأزمة لفترة طويلة، سيبدأون إعادة النظر في أنواع السيارات التي يستخدمونها وربما ينتقلون إلى نماذج اقتصادية أكثر، مع العلم أن الولايات المتحدة تمتلك أسطول السيارات الأقل كفاءة في دول مجموعة العشرين، ففي المتوسط يسير السائق الأمريكي لمسافة 44 كيلومترًا مقابل كل جالون من البنزين، بينما يمكن لنظيره الأوروبي القيادة لمسافة أطول بنحو 60% اعتمادًا على نفس القدر من الوقود.
بطبيعة الحال، لن يكون تأثير القيود التجارية ملموسًا إلا بمرور بعض الوقت، فسياسات الإنتاج هي المسيطرة على السوق والسبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار النفط.
ويشار هنا إلى الإعلان الليبي الأخير الذي كشف عن استعادة المؤسسة الوطنية للنفط كامل السيطرة على موانئ الشحن في البلاد واستئناف عمليات التصدير على الفور قبل ساعات فقط من تهديد "ترامب" بشأن التعريفات الإضافية، وهو ما ساهم في هبوط الأسعار في الحادي عشر من يوليو/ تموز.
وعلى جبهة أخرى، لا يُظهر الإنتاج الفنزويلي إلا القليل من علامات الاستقرار والتعافي، كما أن العقوبات الأمريكية على إيران لم تبدأ التأثير حتى الآن سوى في كميات قليلة من صادرات البلاد، ومع ذلك تسعى السعودية وحلفاؤها لتخفيف القيود عن الإمدادات.
لكن حتى لو أسفرت هذه الجهود عن زيادة الإنتاج إلى مستويات قياسية، فإن ذلك سيعني احتفاظ البلدان بقدرة إنتاجية احتياطية ضئيلة للغاية للتعامل مع أي اضطرابات أخرى في المستقبل، لذلك فرغم أن حروب "ترامب" التجارية ستحدث بعد التغيرات في سوق النفط، فإن المخاوف المتعلقة بالإمدادات ستجعلها بعيدة عن تحقيق مطامع الرئيس الأمريكي.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}