لم يمر الوقت طويلا منذ أن اجتمع الحاسب والكاميرا والجوال في تكنولوجيا واحدة يمكن وضعها في الجيب، فقد كان الأمر أشبه بخيال علمي، ولكن الجوالات الذكية حققت هذه المعادلة الصعبة، وتشهد المزيد والمزيد من التطور.
والآن يمكن تخيل تشخيص أمراض ومشكلات طبية باستخدام الجوال اعتمادا على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأمرالذي يوفر زيارة عيادات الأطباء، ومن المرجح تطوير تطبيقات تشخص المرض ويمكنها حتى أن تصف أدوية، وهذه التكنولوجيا ليست ببعيدة عن عالمنا.
تعد هذه الوسيلة ضمن ما وصف بالثورة الصناعية الرابعة، وهي فترة تحول سريعة مدعومة بالتقدم في العلوم والتكنولوجيا، ومع زيادة التركيز على الذكاء الاصطناعي، ثارت مخاوف بشأن استحواذ هذه التكنولوجيا على الوظائف وتشكيل خطورة على البشر، ولكن اليابان والمنتدى الاقتصادي العالمي لا يؤمنان بذلك، وتساءلت "فوربس": "هل اليابان على أعتاب ثورة صناعية رابعة تتمثل في الذكاء الاصطناعي؟"
تطور اليابان الكثير من التقنيات للاستخدام في القطاع الطبي والرعاية الصحية، وتقول طوكيو إنها في المرحلة الأولى من الثورة الصناعية الرابعة بدمج أنظمة بيولوجية وفيزيائية ورقمية سترفع مستوى المعيشة، ورغم أن الثورة الصناعية الأصلية كانت وليدة اكتشاف محرك البخار، فإن الثورة الصناعية الرابعة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات وإنترنت الأشياء.
وتيرة التغيير
- في الوقت الذي تعمل فيه العديد من الدول على حل مشكلات عديدة، ستلعب اليابان دورا رائدا في الإبداع العالمي من خلال مركز تابع للمنتدى الاقتصادي العالم يخصص لتعظيم الثمار المحتملة من الثورة الصناعية الرابعة، بحسب مدير المنتدى "كلاوس شواب".
- أوضح "شواب" أن اليابان ليست مشهورة بالشكل الكافي في تطوير قدرات إبداعية، فالعالم ينظر في الأغلب نحو "وادي السليكون" في أمريكا و"شنتشن" في الصين وغير مدرك لما وصلت إليه طوكيو من قدرات إبداعية هائلة.
- زار "شواب" طوكيو لتدشين المركز المشار إليه من أجل الثورة الصناعية الرابعة في اليابان وتم تسميته بـ"C4IR"، وسوف ينطلق هذا العام بالتعاون مع شركات محلية والحكومة اليابانية.
- يرى "شواب" أن اليابان يمكنها أن تلعب دورا فريدا في التحول التكنولوجي لعدة أسباب من بينها التحديات التي تواجهها مثل زيادة متوسط أعمار السكان والتغير الديمغرافي الذي يؤثر على العديد من الدول المتقدمة.
- أكد "شواب" على أن رؤية رئيس الوزراء "شينزو آبي" على المدى الطويل بشأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص وانخفاض معدل البطالة تجعل طوكيو في موقع متميز نحو المزيد من التقدم في الثورة الصناعية الرابعة.
- يستهدف المركز المنتظر تشكيل مبادئ عالمية تحدد ملامح التكنولوجيات الجديدة من بينها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتي يمكنها مواجهة مشكلات الأعمار السنية المرتفعة في اليابان على سبيل المثال وتحقيق فوائد تعود على المجتمعات.
فارق في عالم حقيقي
- أفاد أحد مسؤولي المنتدى الاقتصادي العالمي "مراد سونميز" الذي عمل في "وادي السليكون" ويقود حاليا مركز الثورة الصناعية الرابعة في اليابان أنه يعكف حاليا على جمع أكبر عدد من العقول اللامعة في اليابان من أجل المركز الذي سيتم افتتاحه في يوليو/تموز.
- أضاف "سونيميز" أن المركز يهدف لإحداث تأثير إيجابي سريع في تقنيات الثورة الصناعية الرابعة من أجل المواطنين والمجتمع الياباني ككل باستخدام أفكار وإبداعات بشرية غير مسبوقة مشيرا إلى أنه وفريقه يستكشفون المستقبل وينظرون للماضي أيضا لمعرفة ما يحتاجه البشر.
- استلهم "سونيمز" المثال الرواندي في إفريقيا حيث تواجه هذه الدولة تحديات في توزيع الأجهزة الطبية والأدوية والدم ومشتقاته إلى المناطق الريفية والبعيدة.
- على أثر ذلك، مول التحالف العالمي للمناعة واللقاح شركة ناشئة للطائرات الآلية "درون" تسمى "Zipline" لتوصيل هذه الأدوات ومشتقات الدم في أقل من 30 دقيقة إلى المحتاجين إليها في رواندا، وأسهم المشروع بالفعل في إنقاذ مئات الأوراح في عامه الأول.
- كانت هذه نتائج عظيمة، ولكن استخدام "الدرون" يزيد القلق من تحديات مثل القرصنة وحماية البيانات وضمان عدم تداخل الطائرات الآلية مع الطيران المدني.
- تعليقا على ذلك، قال "سونميز" إنه عندما ينهمك التفكير في إنقاذ أرواح البشر، ربما تقل الحاجة للتفكير بشأن المخاطر المحتملة، ويمكن هنا التدخل بإبداعات من المركز لحماية البيانات والحيلولة دون وقوع قرصنة إلكترونية أو تداخل.
- أشار "سونيمز" إلى ما يعرف بـ"فجوة الحوكمة" حيث إن هناك فجوة بين التكنولوجيا والقواعد التنظيمية اللازمة لصياغتها وتشكيل ملامحها فضلا عن التباطؤ في صياغة تلك القواعد.
ريادة يابانية في "الطب الدقيق"
- أثيرت تساؤلات حول كيفية قيادة اليابان للثورة الصناعية الرابعة لتحسين مستقبل البشرية، ورد المنتدى الاقتصادي العالمي بأن طوكيو تعكف على إحداث تحولات في صناعة الطب بواسطة التكنولوجيا وهذا مجال لم تظهر فيه اليابان على الساحة العالمية بالشكل الكافي.
- تنخرط اليابان حاليا فيما يعرف بـ"الطب الدقيق"، وظهر هذا المصطلح عام 2015 عندما أطلق الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"مبادرة تحت هذا الاسم.
- يعرف "الطب الدقيق" بأنه نهج ناشئ لعلاج الأمراض والوقاية منها ويأخذ في الاعتبار المخاطر الجينية والبيئية وطبيعة حياة كل إنسان.
- يركز "الطب الدقيق" على أدوات تعتمد على السجل الوراثي والجيني للمرضى والبيئة المحيطة بالإضافة إلى عوامل وأسلوب حياتهم ويتيح هذا الفرع الطبي التكهن بدقة باستراتيجيات الأمراض وكيفية علاجها.
- استخدم "الطب الدقيق" في أمراض من بينها السمنة المتفشية عالميا والتي يرى أطباء بأنها نتيجة تداخل جيني وبيئي، وكان على الباحثين دراسة "الطب الدقيق" لفهمها، وبناء على التحليلات والنتائج، يمكن تقدير مدى المخاطر التي يواجهها المريض.
- تشير التوقعات إلى أن اليابان ستسبق الدول الأخرى حول العالم في مجال "الطب الدقيق" حيث حققت تقدما ملموسا في مشروعات مثل استخدام البيانات في تحليل دراسات الأورام السرطانية والفشل الكلوي والسكتات الدماغية فضلا عن تطبيق "الطب الدقيق" على مشكلة زيادة متوسط أعمار السكان.
قوة التغيير من طوكيو
- يتوقع "سونميز" نتائج مبهرة من المركز الياباني للثورة الصناعية الرابعة نظرا لما تمتلكه من مقومات مثل كونها ثالث أكبر اقتصاد في العالم وبنية تحتية تكنولوجية قوية وسياسات بيانات ومنظومات تشغيل لا تعمل فقط على تحسين حياة المواطنين بل أيضا على خلق فرص للإبداع.
- يرى "سونميز" أيضا أن اليابان لديها المقومات لقيادة الإبداع عبر سياسة استخدام البيانات على عكس اقتصادات كبرى عالمية أخرى، فلم تسن طوكيو أي قوانين تقيد استغلال البيانات.
- من أجل ضمان تعاون مثمر بين اليابان والمنتدى الاقتصادي العالمي، تم تعيين أحد المخضرمين في القطاع التكنولوجي والمسؤولة السابقة لدى "إنتل" "ماكيو إيدا" التي ترى أن الثورة الصناعية الرابعة ستثمر مستقبلا أكثر أمانا وسلاما وأقل في المشكلات.
- ترى "إيدا" أن اليابان لديها تاريخ تكنولوجي واعد يمكن أن يقود الثورة الصناعية الرابعة نحو الاتجاه الصائب.
- أكدت "إيدا" على أن الثورة الصناعية الرابعة تحدث بالفعل وتؤثر على صناعات وحياة البشر وبإمكانها إيجاد الحلول التي تؤرق البشر في مجالات عدة لعل أبرزها القطاع الصحي.
- أفاد "سونميز" بأن اليابان يمكن أن تصبح الدولة الأولى التي تستغل إنترنت الأشياء وجمع البيانات وتحليلها والذكاء الاصطناعي لتدشين مراكز حوسبة خارقة تزيد من التطوير الهائل في الإبداع كما يمكن أن تصبح طوكيو نموذجا عالميا يحتذى به، وربما يعد هذا من بين أسباب اختيارها للتعاون في المركز المشترك.
- مما لا شك فيه، فإن اليابان والمنتدى الاقتصادي العالمي يشكلان شراكة تضع طوكيو على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة المتركزة على البشر ولصالح البشرية بينما ستكون الآلات أكثر ذكاء وتعود بنفع أكبر على الإنسان، بحسب "سونميز".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}