نبض أرقام
02:05 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

النفور من الخسارة في سوق الأسهم .. كيف يصبح المستثمر ضحية خوفه؟

2019/09/17 أرقام - خاص

الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، هو تاريخ لا يزال يتذكره أغلب المتعاملين بسوق الأسهم الأمريكي. في ذلك اليوم، هبط مؤشر "داو جونز" الصناعي خلال التداولات بـ 460 نقطة قبل أن يقلص خسائره في نهاية الجلسة ليغلق عند 16142 نقطة، بانخفاض قدره 173 نقطة.
 

خلال هذه الجلسة الشهيرة، انقسم المستثمرون إلى فسطاطين: فبعضهم حاول جاهدًا الحفاظ على رباطة جأشه، متوقعًا أن السوق سيستقر ويعود سريعًا إلى طبيعته، أما الآخرون، فقد أصابهم الذعر وحاولوا التخلص من حيازاتهم بأي شكل، وذلك ربما لأنهم كانوا لا يزالون تحت تأثير ما حدث في أزمة 2008.
 

 

لكن، أي الفريقين كان على حق؟ أو أيهم كانت خسائره أكبر؟ بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات، تناول تحليل أجرته شركة التخطيط الاستثماري "سيج فيج" آثار سلوك المستثمرين في ذلك اليوم على أدائهم الاستثماري على المدى الطويل.
 

وجد التحليل أن حوالي 20% من المستثمرين قرروا تقليص حيازاتهم من الأسهم وفي صناديق الاستثمار المشتركة والمتداولة، وقام بعضهم ببيع 90% أو أكثر من كامل حيازاته، وكان هؤلاء هم الأسوأ أداءً من الناحية الاستثمارية على المدى الطويل.
 

بحسب الدراسة، أولئك الذين أصابهم الذعر في ذلك اليوم، وقام بعضهم بالتخلص من كامل حيازاته من الأسهم تقريبًا، انخفضت قيمة محافظهم المالية بنحو 19.3% خلال الأشهر الـ12 التالية، في حين أن المحافظ الخاصة بهؤلاء الذين لم يفعلوا شيئًا وجلسوا يراقبون السوق لم تتراجع قيمتها سوى بنسبة 3.7%.
 

 

سلوك المجموعة الأولى تقف وراءه واحدة من أشهر الظواهر في الاقتصاد السلوكي، وهي ظاهرة "النفور من الخسارة" (Loss aversion)، والتي تشير إلى حقيقة أننا كبشر نهتم بالخسائر أكثر من المكاسب عندما نتخذ قراراتنا. فبالنسبة لغالبيتنا، حلاوة مكسب ألف ريال لا تضاهي أبدًا مرارة خسارة ذات الألف.

 

نفس السؤال .. لماذا تختلف إجابتك؟
 

- لفهم "النفور من الخسارة" سنستعرض تجربة حول هذه الظاهرة قام بها اثنان من أشهر علماء النفس في التاريخ، هما "دانيال كانمان" و"عاموس تفيرسكي". والتجربة التي تفترض أكثر شكل لنفس السيناريو كالتالي:

 

- تستعد الولايات المتحدة لاحتمال انتشار مرض آسيوي غير عادي من المتوقع أن يتسبب في مقتل 600 شخص. وهناك برنامجان بديلان لمكافحة هذا المرض. لنفترض أن التقديرات العلمية تشير إلى أنه في حال تم اعتماد البرنامج "أ" سيتم إنقاذ أرواح 200 شخص. وإذا تم اعتماد "ب" فهناك احتمال قدره 33.3% أن الـ600 جميعًا سيتم إنقاذهم، مقابل احتمال نسبته 66.6% أن لا أحد منهم سيعيش. أي البرنامجين سوف تفضل؟

 

- عندما طرح هذا السيناريو على عينة كبيرة من الأطباء، اختار 72% منهم البرنامج "أ"، أي الإستراتيجية الآمنة والمؤكدة. بينما فضل 28% فقط البرنامج "ب" وهي الإستراتيجية المحفوفة بالمخاطر. بعبارة الأخرى، فضل الأطباء البرنامج الذي يضمن حفظ أرواح عدد معين من الناس، بدلًا من المخاطرة باعتماد برنامج يوجد به احتمال أن يموت الجميع.

 

- لكن ماذا لو عرضنا عليهم نفس السيناريو ولكن بطريقة مختلفة؟
 


- تستعد الولايات المتحدة لاحتمال انتشار مرض آسيوي غير عادي من المتوقع أن يتسبب في مقتل 600 شخص. وهناك برنامجان بديلان لمكافحة هذا المرض. لنفترض أن التقديرات العلمية الدقيقة لعواقب هذا المرض تشير إلى أنه في حال تم اعتماد البرنامج "ج" سوف يموت 400 شخص، أما إذا تم اعتماد البرنامج "د" فهناك احتمال نسبته 33.33% ألا يموت أحد، واحتمال قدره 66.66% أن يموت الـ600 شخص. أي البرنامجين سوف تفضل؟

 

- عندما وصف هذا السيناريو من حيث عدد الوفيات بدلاً من عدد الناجين، عكس الأطباء قرارهم السابق! لم يصوت سوى 22% منهم لصالح البرنامج "ج" (الذي هو ذاته البرنامج "أ")، في حين اختار 78% منهم البرنامج "د"، أي الإستراتيجية المحفوفة بالمخاطر. معظم الأطباء رفضوا الآن مكسبًا مضمونًا من أجل المشاركة في مقامرة مشكوك فيها.

 

- في الحقيقة هذا التحول مثير للسخرية. فالسيناريوهان المختلفان هما لنفس المعضلة. ببساطة، إنقاذ ثلث المرضى هو ذاته فقدان الثلثين. ورغم ذلك كان رد فعل الأطباء مختلفا جدًا اعتمادًا على كيفية تأطير السؤال.

 

- عندما تم ذكر النتائج المحتملة للبرامج المقترحة من حيث الوفيات أي في "إطار الخسارة" أصبح الأطباء فجأة حريصين على تجريب حظوظهم والدخول في مقامرة نتيجتها غير معروفة. بعبارة أخرى، أصبحوا مصممين على تجنب أي بديل يرتبط بالخسارة، وفي سعيهم لذلك، هم على استعداد للمخاطرة بفقدان كل شيء.
 

كن ثقيلًا .. وشاهد كرة القدم
 

- أستاذ الاقتصاد السلوكي الشهير "ريتشارد ثالر" الفائز مؤخرًا بنوبل في الاقتصاد، قال ذات مرة للمستثمرين في أسواق الأسهم العالمية أثناء فترات الاضطرابات: "خذ نفساً عميقاً، شهيق من الأنف ، ثم زفير من الفم، وكرر العملية بينما تشاهد شبكة التلفزيون الرياضية ".إي إس بي إن". وللأسف هذه الكلمات الحكيمة يتجاهلها أغلب المستثمرين.

 

- نصيحة "ثالر" تعتمد على معرفته بأن الناس بشكل عام والمستثمرين بشكل خاص لديهم نفور من الخسارة. فكما أشارت أبحاث "دانييل كانيمان"، التأثير النفسي لخسارة مبلغ معين يعادل ضعف التأثير النفسي لكسب نفس المبلغ.

 

- ما لا يدركه المستثمر، وبالتحديد قليل الخبرة، هو أنه إذا قيم استثماراته على أساس الأداء اليومي للسوق، فسوف يواجه الكثير من الخسائر ويشعر بالكثير من الألم. وعبقرية نصيحة "ثالر" تكمن في أنك إذا كنت مشغولًا في الرياضة بدلًا من مراقبة أداء محفظتك على مدار الساعة فستتجنب هذا الألم، وستحسن فرصك في اتخاذ قرارات مالية أفضل.

 

- لنبسط الأمر كالتالي: إذا نظرت إلى رسم بياني يوضح أداء سوق الأسهم خلال فترات طويلة، فستلاحظ ارتفاعه بشكل كبير، ولكن إذا دققت النظر في الصعود والهبوط اليومي، فلن تستطيع الاستفادة من المكاسب طويلة الأجل. لا تندفع محاولًا الاستفادة من الصعود اليومي أو تجنب الهبوط اليومي، لأنك إذا نجحت في ذلك مرة ستخسر في المرات العشر القادمة.

 

- على سبيل المثال، خلال الفترة الممتدة من تاريخ تأسيس مؤشر "إس آند بي 500" في مارس/آذار عام 1957 إلى أغسطس/آب 2015، أغلق المؤشر على انخفاض في 46.7% من جميع أيام التداول. فعلى المستوى اليومي، يبدو سوق الأسهم مثل السفينة الدوارة، ورغم ذلك تشير الحسابات المالية البحتة إلى أن المكاسب التي حققها المؤشر على المدى الطويل فاقت بكثير هذه الخسائر.

 

- هل هناك طريقة لتجنب هذه الظاهرة؟ نعم، من خلال تقليص وتيرة تعديل لمحفظتك المالية. فعندما تنظر إليها على المدى الطويل ستختفي التقلبات اليومية من أمام عينيك ويظهر أمامك بوضوح الاتجاه التصاعدي على المدى الطويل.

 

- دراسة أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت إلى أن تحقق المستثمر من أداء محفظته بشكل أسبوعي لا يومي يقلل عدد المرات التي يواجه فيها خسارة من 46.7% إلى 43.7%. أما إذا كان أكثر انضباطًا وتحقق منها نهاية كل شهر، انخفض احتمال خسارته إلى 40.4%، بينما إذا تحقق منها نهاية كل عام، فإن احتمال مواجهته لخسائر يقترب من حوالي 27.6% فقط.

 

- باختصار، الأسهم عبارة عن رهان طويل الأجل. وبالنظر إلى السوق الأمريكي مثلًا نجد أنها منذ عام 1900 ارتفعت في نهاية كل عقد مقارنة مع بدايته، عدا في العقد الرابع من القرن الماضي بسبب الكساد الكبير، والعقد الأول من القرن الحالي بسبب أزمة 2008. وفي الحالتين، كانت الخسائر صغيرة نسبيًا، وتم تعويضها بالكامل قبل انتهاء العقد التالي.

 

- الفكرة هي أن الأسهم ليست بالخطورة التي يتخيلها البعض، على الأقل إذا كنت على استعداد لتجاهل الضوضاء، ولست في حاجة إلى سحب أموالك في المدى القصير. ومرة أخرى "خذ نفساً عميقاً، شهيق من الأنف ، ثم زفير من الفم، وكرر العملية بينما تشاهد قناة رياضية". وفي المرة القادمة حين يسألك أحدهم حول أداء محفظتك الاستثمارية، اجعله ينبهر بمعلوماتك الرياضية.
 

الشكل الآخر للظاهرة.. لا تدفن رأسك في الرمال
 

- دعنا نتصور أنك جئت قبل سنوات وكونت محفظة مالية بها مجموعة من الأسهم، على أساس خططك وأهدافك المالية، وأصبح لديك محفظة متنوعة، ولكنك في نفس الوقت ما زلت تحتفظ بالأسهم التي نصحك بها صديق مقرب والتي انخفضت قيمتها مباشرة بعد شرائك لها.

 

- أنت تعلم جيدًا أن هذه الأسهم لم تعد تناسب خطتك. والعقل والمنطق والآلة الحاسبة يخبرونك بأنه قد حان الوقت للتخلص من هذه الأسهم، والاستفادة من قيمتها في الدخول في استثمارات أفضل، ولكنك لا تفعل ذلك. ولكن لماذا؟

 

- ببساطة، لأن قيامك ببيع هذه الأسهم يعني أن الخسارة غير الموجودة حتى الآن سوى على الورق أصبحت فعلية وملموسة، وأنت لا ترغب في أن تحس بشعور الخسارة وتصر على إنكاره، ولذلك تقرر الاحتفاظ بتلك الأسهم وتجميد أموالك بها بدلًا من المعاناة من شعور أنك كنت على خطأ وبالتالي الاعتراف بأنك خسرت.
 


- هذا سيقودك إلى الوقوع في أحد أكثر الأخطاء الاستثمارية شيوعًا، وهو القيام ببيع الأسهم ذات الأداء الأفضل التي ارتفع سعرها بهدف تحصيل المكاسب. ولكن لسوء الحظ، هذا يعني أن ما سيبقى في محفظتك الاستثمارية هي الأسهم الضعيفة التي انخفضت قيمتها على المدى الطويل.

 

- للأسف، بعض المستثمرين أصحاب الخبرة يقعون فريسة لهذا التحيز غير المنطقي، وعادة ما تكون رغبتهم في الاحتفاظ بالأسهم الخاسرة ضعف رغبتهم في الإبقاء على نظيرتها الفائزة. لماذا يفعلون ذلك؟ لأنهم لا يرغبون في أن تصبح خسارتهم ملموسة. ببساطة، ما يقومون به ليس أكثر من مجرد تأجيل ألم الخسارة لأطول فترة ممكنة، والنتيجة هي المزيد من الخسائر.

 

- لكي تتجاوز كمستثمر تأثير ظاهرة "النفور من الخسارة" على قراراتك الاستثمارية، ينصحك "كارل ريتشاردز" المخطط المالي المعتمد باستخدام طريقة ستساعدك على فصل مشاعرك عن عملية اتخاذك للقرار. لنعود إلى المثال السابق، وحاول أن تلعب اللعبة التالية مع نفسك.
 


- تخيل أنك ذهبت إلى سريرك لتخلد إلى النوم، وفي ظلام الليل جاء شخص ما وقام ببيع الأسهم الخاسرة التي نصحك بها صديقك والتي لا تزال تحتفظ بها، وحولها إلى نقدية. في الصباح التالي، لديك الخيار: يمكنك إعادة شراء هذه الأسهم مرة أخرى بذات السعر، أو أن تأخذ النقدية وتضخها في استثمارات أخرى مختارة بعناية. في وضع مثل هذا، ماذا ستفعل؟

 

- بالطبع، أي صاحب منطق لن يشتري هذه الأسهم مرة أخرى.

 

- فقط من خلال تغيير الطريقة التي تنظر بها إلى الأمر يمكنك التغلب على ألم الخسارة. كل ما تحتاجه فقط هو أن تكون منطقيًا.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.