"سأقوم بإعادة بناء الجيش الأمريكي في ظل التحديات العالمية التي تواجهها واشنطن".. هكذا وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إبان حملته الانتخابية.
ويبدو أن الوقت قد حان لينفذ وعده، بعد أن كشفت صحيفة واشنطن بوست أن ترامب قدم ميزانية لمجلس النواب تتضمن زيادة 7% في نفقات وزارة الدفاع "البنتاجون".
هل الحرب مفيدة اقتصاديًا؟!
وبغض النظر عن الأسباب السياسية لمثل ذلك القرار، مثل الحرب (المحتملة) ضد كوريا الشمالية أو إيران أو حتى روسيا، غير أنه يفتح النقاش حول تأثيرات الحرب على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام.
ونظرية "النافذة المكسورة" كثيرًا ما يتم استخدامها في الجدال بين من يرون فائدة للحروب اقتصاديًا وبين من يرونها ضارة، وإن كانت إسقاطات تلك النظرية تشمل مناحي كثيرة لكنها خرجت من رحم تأمل النفس البشرية ورصد انفعالاتها وانضباطها.
ويقول مؤيدو تأثير الحروب الإيجابي على الاقتصاد إنه مع انكسار نافذة في بيت ما فإن صاحب البيت يكون مضطرا لشراء نافذة أخرى.
ويعني ذلك رواجًا لصناعة الزجاج وفي المقابل إذا لم تنكسر النافذة فإن صناعة الزجاج ستعاني الركود، وهو الأمر نفسه الذي يحدث مع الدمار الذي تحدثه الحروب.
وفي المقابل، يرى معارضو النظرية أنه إذا لم يشتر الشخص زجاجًا لأن نافذته ظلت سليمة فإنه قد يشتري أي منتج آخر.
وبهذا المنطق لا شك أن صناعة الزجاج قد تستفيد بانكسار النافذة ولكن صناعات أخرى ستتضرر لأنها لم تحصل على الأموال التي توجهت لاستبدال النافذة.
أمريكا استثناء
وعلى الرغم من أن الرأي الثاني يبدو أكثر وجاهة، إلا أنه لا ينطبق على حالة الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا خلافا لبقية دول العالم.
فالولايات المتحدة انخرطت في 70 حربًا بينها 10 صراعات كبيرة، منذ نشأتها قبل حوالي 240 عامًا، وعلى الرغم من ذلك حافظ اقتصادها على معدلات نمو جيدة.
كما أن وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) كانت تسمى "وزارة الحرب" حتى عام 1947، قبل أن يجري تغيير اسمها تماشيًا مع "تقاليد العصر الحديث".
وبالعودة إلى التاريخ الأمريكي، فلا يمكن إنكار مثلًا أن الحرب العالمية الثانية كانت بمثابة المنقذ للاقصاد الأمريكي من الركود الكبير.
وخلال الحرب التي لم تكن الولايات المتحدة طرفًا فيها لأول 3 سنوات انتعش الاقتصاد الأمريكي بشدة بسبب مبيعات السلاح إلى بريطانيا والاتحاد السوفيتي السابق.
كما أن زيادة النفقات العسكرية الكبيرة من 1.5% في ظل سياسة العزلة إلى 40% خلال الحرب ساهمت في تشغيل أغلب قطاعات الاقتصاد الأمريكي.
حرب العراق.. هل خسرت اقتصاديًا؟!
ويقول المفكر السياسي والاقتصادي "جاكوس باولز" إن الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 لم تكن بسبب هوس الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بالحرب لذاتها ولكن لأسباب اقتصادية.
فعلى الرغم من كلفتها إلا أن الولايات المتحدة أصبحت تتحكم في النفط العراقي، ليس لبيعه والاستفادة المباشرة منه ولكن لتساعدها في حربها الاقتصادية مع الصين.
فالولايات المتحدة ترغب في السيطرة على المواد الطبيعية ولا سيما النفط في مختلف أنحاء العالم لكي "تخنق" قدرة الاقتصاد الصيني على النمو.
ولعل هذا ما يبرر اتجاه الصين لاحقًا للنفط الإفريقي لتعويض تراجع قدرتها على الحصول على الوقود من مصادر أقرب جغرافيًا.
ويؤكد "باولز" أن واشنطن خاضت حروبًا عدة أثناء الحرب الباردة لهدف واحد وهو إنهاك الاتحاد السوفيتي اقتصاديًا، وهو ما تحقق بانهيار "الإمبراطورية السوفيتية" لاحقًا دون مواجهتها مباشرة.
أما حديثًا، فلعل الدراسة التي أعدتها جامعة أكسفورد حول تأثير الحرب الأمريكية المحتمل على كوريا الشمالية في أكتوبر الماضي توضح التأثير المختلف للحرب على الولايات المتحدة.
تأثيرات متفاوتة
فالدراسة تتوقع أن يتأثر الاقتصاد الكوري الجنوبي والياباني بشدة، وأن يتضرر الاقتصاد الصيني ضررًا متوسطًا بينما لا تضع الاقتصاد الأمريكي بين الخاسرين.
بل وترجح الدراسة أن تتأثر الأسواق المالية العالمية على المدى القصير أو المتوسط وفقًا لطول الحرب، ولكنها ترى أن الأسواق الأمريكية لن تتأثر سلباً سوى لفترة محدودة للغاية.
ويقول المراسل الاقتصادي الشهير لصحيفة جارديان "بول فاريل": "الاقتصاد الأمريكي اقتصاد حرب، ليس اقتصاد خدمات ولا هو اقتصاد زراعي".
ويضيف "فاريل": الفارق بين الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة وبين الحروب التي تخوضها غيرها أن واشنطن تخوض حروبًا لأسباب اقتصادية بالأساس وليست قومية.
ويؤكد "باولز" أن معدلات النمو والتضخم الأمريكية لم تتأثر سلبًا في الفترات التي خاضت فيها حروبًا عبر تاريخها، بما جعل أمريكا مقبلة أكثر من غيرها على خوض الصراعات.
بل إنه عادة ما مهدت الحروب لفترات رخاء اقتصادي استثنائية، ولعل ذلك ما حدث في عهد جورج بوش الأب وكلينتون من بعده.
وهناك حقيقة سياسية - جغرافية تدعم هذه النظرية السياسية وهي أن الولايات المتحدة تحتل قارة بأكملها تقريبًا وبالتالي لا تخوض النزاعات على أرضها.
نوافذ الآخرين فقط!!
ولهذا انعكاس اقتصادي لافت، ففي الوقت الذي تمتنع فيه الاستثمارات عن التوجه لبلد في حالة حرب، إلا أن الأمر ذاته لا ينطبق على واشنطن التي تبقى الاستثمارات فيها مؤمّنة إلى حد بعيد، وإن كانت تحارب.
وبالعودة إلى نظرية النافذة، فإنه يبدو أن الاقتصاد الأمريكي ينتعش بالحروب لأن واشنطن لا تحارب على أرضها أبدًا، لذا فإن نوافذ الآخرين هي التي تنكسر.
لذا ففي الوقت الذي ينفق فيه الآخرون أموالهم على إصلاح نوافذهم المكسورة، تستطيع واشنطن توجيه مواردها حيثما شاءت لتنمو وتزدهر وبالطبع تحصل على حصة "مؤكدة" للمشاركة في إصلاح نوافذ الآخرين التي كانت هي السبب في كسرها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}