عندما يتفق الكاتب الصحفي الأمريكي "توماس فريدمان" مع أصدقائه على تناول الإفطار معًا، ويعلقون بسياراتهم في زحمة الطريق، يقوم بشكرهم لحضورهم متأخرين!
وفي الحقيقة، هذا الانتظار غير المخطط له، الذي كان بالنسبة لـ"فريدمان" وقتًا مثاليًا للتفكير، أعطاه فكرة عنوان أحدث كتبه، والذي تصدر قائمة صحيفة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً "شكرًا لأنك متأخر – دليل المتفائل للنجاح في عصر التسارعات".
تفاوت السرعات
- في هذا الكتاب، يقول الكاتب الذي يحرص على قراءة عموده في نيويورك تايمز أغلب أعضاء الكونجرس الأمريكي، متفكرًا في حال العالم، إننا نمر حاليًا بواحد من أعظم المنعطفات في التاريخ، ويهيمن على هذه اللحظة الحرجة ما سماها القوى الثلاث الكبرى على الكوكب، وهي، التكنولوجيا والعولمة والتغير المناخي، وجميعها تتسارع في آن واحد.
- الجزء الأول من الكتاب يلقي الضوء على هذه التسارعات الثلاثة، بدءًا من التكنولوجيا، ويستكشف خلاله قانون مور والازدهار السريع الذي شهدته قدرة أجهزة الحاسوب على معالجة البيانات، وهو ما أفسح الطريق أمام ظهور مجالات، مثل إنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية.
- يشير "فريدمان" إلى أن المشكلة الرئيسية تتمثل في شهود هذه الاتجاهات الثلاثة تطورات متسارعة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث تغيرات تتجاوز قدرة الإنسان العادي والتكوينات المجتمعية على التكيف والاستيعاب، وهو ما سيؤدي إلى وقوع اضطرابات ثقافية وقلاقل سياسية وفشل مؤسساتي واندلاع نزاعات.
- إذا كنا نعتقد أنه بإمكاننا كبح جماح وتيرة التطور، فنحن نخدع أنفسنا، ولذلك يؤكد فريدمان على أنه في ظل عدم استطاعتنا إبطاء عجلة التقدم التكنولوجي ولا العولمة وحتى التغير المناخي، فنحن بحاجة ماسة إلى إيجاد سبل للتكيف مع الوضع بشكل أسرع.
- كأفراد، لا شيء سيساعدنا على التكيف أكثر من الالتزام بالتعلم مدى الحياة، وكدول، نحتاج إلى حكومات ومساحات عمل أكثر استجابة ومرونة في التعامل مع المتغيرات.
- يقول فريدمان إنه مقتنع بأن عام 2007، الذي شهد ظهور "آيفون" و"آندرويد" و"كيندل" هو العام الذي بدأت خلاله البرمجيات في "أكل العالم"، وذلك على حد تعبير مؤسس "نيكستب".
قرن يعادل 20 ألف سنة من التقدم
- في العام 1965، تم اعتماد قانون مور، الذي يشير إلى أن عدد الترانزستورات على شريحة المعالج يتضاعف تقريبا كل عامين في حين يبقى سعر الشريحة على حاله. وظل هذا القانون يحكم صناعة التكنولوجيا لما يقرب من 50 عاماً.
- يقدم فريدمان مثالًا ممتازًا يوضح خلاله كيف تطور قانون مور منذ ذلك الحين، عبر سرد هذه القصة: تشير إحدى الأساطير إلى أنه كان هناك ملك يرغب في مكافأة الرجل الذي اخترع الشطرنج، وقال له مخترع اللعبة إن كل ما يريده هو ما يكفي من الأرز لإطعام عائلته. فقال له الملك، بالطبع، ما هو القدر الذي تريده؟
- طلب منه الرجل ببساطة وضع حبة واحدة من الأرز على المربع الأول من رقعة الشطرنج، ثم اثنتين على الذي يليه ثم أربع حبات على الذي يليه، وهكذا، يتم مضاعفة عدد الحبوب مع كل مربع جديد. وافق الملك دون أن يدرك أن مضاعفة الرقم 63 مرة ستنتج رقمًا خياليًا: 18 كوينتيليون حبة أرز تقريبًا أو (18446744073709551615).
- هذه هي قوة التغيير الأسي.. وهذا ما تشهده التكنولوجيا اليوم، وقانون مور دخل لتوه النصف الثاني من رقعة الشطرنج!
- كبشر، نحن نتصور أن التغيير في العالم يتطور في منحنى خطي، ولكن في الواقع، ما يحدث هو أن وتيرة التغيير تفوق سرعة وقدرة الإنسان والمؤسسات على الإدراك، وهذا ما يحدث في قانون مور. وبالمناسبة الأمر لا يقتصر على المعالجات الحاسوبية، بل يمتد ليشمل الدوائر المتكاملة ووحدات الذاكرة ونظم الشبكات وتطبيقات البرمجيات وأجهزة الاستشعار.
- يقول "راي كورزويل" مدير قسم الهندسة لدى جوجل "نحن ندخل عصر التسارع. وسيتعين علينا إعادة تشكيل النماذج التي يقوم على أساسها المجتمع في كافة مستوياته، والتي لا نزال نحاول قياسها بالنماذج الخطية.
- يتابع "كورزيل" قائلاً "بسبب الوتيرة المتسارعة للتطور التكنولوجي، سيعادل القرن الحادي والعشرين 20 ألف سنة من التقدم بمعايير التقدم الحالية، لذلك يجب على المنظمات والأفراد أن يصبحوا قادرين على إعادة تعريف أنفسهم بوتيرة أكثر سرعة".
هل يوجد ما نستطيع فعله؟
- بما أن كل ما سبق، قد يكون غير مريح ويثير القلق، فيجب علينا أن نتكيف، ويمكننا تحقيق ذلك عبر عدة طرق، من بينها استخدام القدرات التكنولوجية الحالية في توليد وتطبيق المعرفة من أجل اتخاذ قرارات أفضل وأسرع.
- ثانيًا: إعادة هيكلة الأدوات التنظيمية والمؤسسات لمواكبة هذه التسارعات، لأن التكيف معها ولو قليلًا بإمكانه إحداث فارق كبير. ثالثًا: الابتكار ثم الابتكار ثم الابتكار! إعادة تشكيل وإعادة تصميم وإعادة تعريف مساحات العمل ومؤسساتنا وحياتنا بشكل عام.
- تحت أعين الجميع، وخلال السنوات العشر الماضية (2007 تعتبر نقطة تحول)، انتقل العالم من اقتصاد الخدمات إلى اقتصاد "المعرفة البشرية" التي تركز بشكل رئيسي على رأس المال البشري – الأفراد – مواهبهم ومهاراتهم التقنية وقدرتهم على الإبداع ومهاراتهم الاجتماعية مثل التعاون والتعاطف والمرونة.
- نحن بحاجة إلى استخدام هذه المهارات والقدرات من أجل التواصل والتعاون في كافة جوانب الحياة. وكما قالت "ماري كوري" المرأة الوحيدة التي فازت بجائزة نوبل في مجالين مختلفين: "لا يوجد في العالم ما قد يُخشى منه، هناك فقط ما قد لا يُفهم جيداً".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}