رغم اختلاف الأمريكيين بشأن مرشحهم المفضل في انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر المقبل، فإنهم بمختلف أطيافهم السياسية يتفقون على أن "الإيجار باهظ الثمن، وشراء منزل قد يبدو مستحيلاً".
وترجع أزمة القدرة على تحمل تكاليف الإسكان في أمريكا إلى عدة أسباب، لكنها تنبع إلى حد كبير من عاملين رئيسيين وهما العرض والطلب.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والأخبار عن الانتخابات الأمريكية 2024
فالمعروض من المنازل في السوق منخفض بشكل كبير، حيث يتمسك البائعون بمنازلهم، وسط ترقب من أن تجعل أسعار الرهن العقاري المرتفعة تاريخياً مكانهم التالي للعيش باهظ الثمن.
يأتي هذا في وقت انفجر فيه الطلب أثناء الوباء ولم يتباطأ أبداً، بالرغم من تواصل ارتفاع الأسعار.
ولا تزال سوق الإسكان ضيقة، رغم وجود دلائل تشير إلى أن أسوأ كابوس متعلق بقدرة الأمريكان على تحمل تكاليف الإسكان قد تراجع بعض الشيء، ولهذا السبب فإن الإسكان قضية رئيسية للناخبين في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
حوافز هاريس لدعم سوق العقارات
يبدو أن نائبة الرئيس الأمريكي "كامالا هاريس" ومرشحة الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة تلعب على هذا الوتر، إذ أعلنت يوم الجمعة خطتها للمساعدة في تحسين وضع سوق العقارات.
وتتضمن الخطة، التي استندت إلى مقترحات أعلنها الرئيس "جو بايدن" بالفعل، عدة حوافز لدعم السوق من بينها دعم يصل إلى 25 ألف دولار للمشترين لأول مرة، وتوفير ائتمان ضريبي بقيمة 10 آلاف دولار لنفس الفئة أيضاً.
وشملت أيضاً حوافز ضريبية للشركات التي تبني منازل جديدة تباع للمشترين لأول مرة، وتوسيع الحافز الضريبي لبناء مساكن للإيجار بأسعار معقولة، وتأسيس صندوق جديد بقيمة 40 مليار دولار لتحفيز بناء ما يسمى بالمساكن المبتكرة.
ومن بين وسائل دعم القطاع، إعادة استخدام بعض الأراضي الفيدرالية للإسكان مقابل أسعار غير مبالغ فيها، وإزالة المزايا الضريبية للمستثمرين الذين يشترون أعداداً كبيرة من المساكن العائلية.
ورغم ترحيب المحللين ببعض خططها لمساعدة قطاع العقاري، إلا أن البعض خشي أن تؤدي أجزاء من خطة "هاريس" إلى تفاقم المشكلات في السوق.
واتفق العديد من خبراء الاقتصاد على أن إضافة مزيد من المنازل إلى السوق من خلال تلك الحوافز من شأنه أن يساعد بالتأكيد.
وأوضحوا أن زيادة أعداد المساكن المتاحة بالسوق من شأنها أن تزيد من المخزون وبالتالي المساعدة في خفض الأسعار، لكن الحد من الإيجار قوبل بالتشكك.
زيادة أعداد المنازل جوهر الخطة
ويصف "جو بروسويلاس"، كبير الاقتصاديين في "آر إس إم يو إس" الحوافز بأنها بمثابة "اقتراح جيد وقوي يتطلع إلى المستقبل ويمكن إنجازه بالفعل، ولكنها رمزية بعض الشيء فيما يتعلق بحدود الأسعار على الإيجارات" لصعوبة تطبيقها.
من جانبه قال "لانهاي تشين"، مدير دراسات السياسة المحلية في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، إن حدود الإيجار هي الجزء "القبيح" من خطة هاريس.
وأثار "تشين" أيضاً مخاوف بشأن دعم الدفعة الأولى، والذي قد يبدو جذاباً للمشترين، ولكنه قد يحفز الطلب ويدفع تكاليف الإسكان إلى الارتفاع.
ووافق "بروسويلاس" على أن الخطط لمساعدة مشتريي المنازل لأول مرة قد تضرب وتراً حساساً لدى الناخبين من الجيل زد، لكن تأثيرها الإجمالي على السوق لا يزال غير واضح.
لكن "جوهر" خطة "هاريس" هو إضافة 3 ملايين وحدة سكنية إلى قطاع العقارات وهو الأمر الأكثر أهمية، بحسب "بروسويلاس".
قبل وقت طويل، تسببت الجائحة ومشكلات سلاسل التوريد وتزايد نسب العمل عن بعد في إحداث فوضى في قطاع العقارات في البلاد.
وكان انخفاض المخزون المزمن بمثابة عنق زجاجة، وساعد في تغذية الأسعار المرتفعة، وتدهور قدرة الأمريكيين على تحمل التكاليف.
وقال "بروسويلاس" إن اقتراح حملة "هاريس" "هو الاقتراح الوحيد الذي رأيته يعالج بشكل مباشر المخاوف بشأن إمدادات الإسكان".
واتفق "تشين" على أن إضافة المعروض كانت أفضل جزء من خطة "هاريس".
دعم من قبل الحزبين
ربما كانت "هاريس" أكثر وضوحاً بشأن خطتها لدعم القطاع العقاري الأمريكي، لكن هذا لا يعني أن منافسها من الحزب الجمهوري أهمل هذا القطاع الرئيسي.
فقبل عدة أيام أشاد الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة "دونالد ترامب" باستخدام الأراضي الفيدرالية للمساعدة في تخفيف النقص في الإسكان.
وقال في مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي: "سنتيح مساحات من الأراضي الفيدرالية لبناء المساكن. نحن في حاجة ماسة إلى المساكن للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل ما يحدث الآن".
بالإضافة إلى ذلك، تقول منصة اللجنة الوطنية الجمهورية إن الحزب "سيعمل على تعزيز ملكية المساكن من خلال الحوافز الضريبية ودعم للمشترين لأول مرة وخفض اللوائح غير الضرورية التي ترفع تكاليف الإسكان"، فضلاً عن "خفض أسعار الرهن العقاري من خلال خفض التضخم".
مكانة القطاع العقاري في اقتصاد أمريكا
وقد يثير البعض تساؤلاً بشأن: هل يمكن أن يكون للقطاع العقاري الأمريكي علاقة بالاقتصاد العالمي، وكيف يمكن أن يكون لهذا القطاع تأثير عليه؟
ويمكن الإجابة على تلك التساؤلات إذا علمنا أن قطاع العقارات في أمريكا يسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم، ففي السنوات الأخيرة، ساهم بنحو 13% من إجمالي الناتج المحلي.
وتشمل هذه المساهمة العقارات السكنية والعقارات التجارية والخدمات المرتبطة بها مثل البناء وإدارة الممتلكات ومعاملات العقارات.
وفي الربع الأول من عام 2024، شكل قطاع العقارات نحو 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي مقابل 13.4% في الربع السابق و13.3% عن الربع نفسه من العام السابق، وفقاً لمكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة الأمريكية.
كما كان القطاع العقاري واحداً من أكبر 6 قطاعات ساهمت في دفع نمو الناتج المحلي الأمريكي خلال الربع الأول من العام الحالي، ونما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة بمعدل سنوي بلغ 1.4% خلال تلك الفترة.
تطور أعداد العاملين في قطاع العقارات الأمريكي خلال 5 سنوات: |
||||
الفترة الزمنية |
|
أعداد العاملين (بالمليون) |
|
نسبة النمو (على أساس سنوي) |
فبراير 2023 |
|
2.39 |
|
%4.1 |
فبراير 2022 |
|
2.3 |
|
%6.1 |
فبراير 2021 |
|
2.17 |
|
-%6.4 |
فبراير 2020 |
|
2.32 |
|
%2.5 |
فبراير 2019 |
|
2.26 |
|
%2.7 |
ومن حيث التأثير الاقتصادي المباشر، ساهم تطوير المباني التجارية الجديدة وعمليات المباني التجارية القائمة بحوالي 2.3 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2022.
وشمل ذلك نفقات مباشرة بلغت 826.9 مليار دولار، ما يسلط الضوء على البصمة الاقتصادية الكبيرة لقطاع العقارات، وفقاً لموقع جمعية تطوير العقارات التجارية.
ويؤكد الدور الكبير لهذا القطاع على أهميته ليس فقط من حيث معاملات العقارات والتأجير، ولكن أيضاً في التوظيف وتوليد الأجور والنشاط الاقتصادي العام في جميع أنحاء البلاد.
وتجاوز أهمية القطاع العقاري مجرد توفير المساكن أو المكاتب التجارية؛ فهو يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على مختلف الصناعات من خلال خلق فرص العمل وزيادة الطلب على الخدمات والمنتجات المتعلقة بالبناء والتشييد.
كما تحقق العقارات أيضاً استقراراً ماليّاً للدولة من خلال الضرائب والرسوم العقارية، وبالتالي فإن تزايد نشاط هذا القطاع بأكبر اقتصاد في العالم من شأنه دعم نموه وإبعاده عن شبح الركود.
وقبل نحو أسبوعين أدى إعلان مكتب إحصاءات العمل بأن الولايات المتحدة أضافت 114 ألف وظيفة فقط في يوليو، وهو ما جاء أقل بكثير من المتوقع إلى موجة هبوط قوي في أسواق الأسهم العالمية وسط مخاوف من وقوع الاقتصاد الأمريكي في براثن الركود.
كما أن الحراك بالقطاع العقاري يزيد من حركة التجارة البينية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، ففي عام 2023، استوردت أمريكا ما يقرب من 28 مليون طن صافي من الصلب، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 8.7% مقارنة بعام 2022.
وتشكل مواد البناء، التي تشمل مجموعة واسعة من المنتجات بما في ذلك الأسمنت والأخشاب وغيرها من أساسيات البناء، جزءاً كبيراً من واردات الولايات المتحدة، والتي تخطت قيمتها نحو 25 مليار دولار في 2022.
مستوى قياسي لقيمة سوق العقارات
ووفقاً لتقرير جديد صادر عن "ريدفين"، وهي شركة وساطة عقارية تعمل بالتكنولوجيا، ارتفعت القيمة الإجمالية للمنازل في الولايات المتحدة بمقدار 3.1 تريليون دولار على مدار الأشهر الاثني عشر الماضية لتصل إلى رقم قياسي بلغ 49.6 تريليون دولار.
ونمت القيمة الإجمالية لسوق الإسكان في الولايات المتحدة بنسبة 6.6% على أساس سنوي.
وتضاعفت القيمة الإجمالية للمنازل في الولايات المتحدة في العقد الماضي، حيث ارتفعت بنحو 120% مقارنة بـ22.7 تريليون دولار في يونيو 2014.
واعتمدت بيانات تحليل "ريدفين" على نحو 97.6 مليون منزل، مقارنة بـ 96.8 مليون منزل في العام السابق.
وبالتالي في حال فوز "هاريس" في الانتخابات المقبلة وتنفيذها خطتها التي تسعى لزيادة أعداد المنازل بنحو ثلاثة ملايين فإن هذا يعني زيادة بأكثر من 3% في حجم السوق العقاري الأمريكية.
المصادر: أرقام- سي إن إن- مكتب التحليل الاقتصادي- المعهد الأمريكي للحديد والصلب- شركة ريدفين
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}