أصبحت الأسواق "غير منطقية" في كثير من تصرفاتها، مؤخرًا، وحتى ردود فعل المستثمرين باتت أكثر حدة مما كانت عليه في السابق، فتخلف نتائج أعمال شركة ما عن التوقعات بأقل من نقطة أساس واحدة ربما يشعل موجة بيعية على السهم.
هذا يدفع على نحو متزايد إلى خلق حالة من الشك (وأحيانًا نظريات المؤامرة) بين المستثمرين حول الطريقة التي تسعر بها الأسواق الأسهم، وأين تذهب أموال المستثمرين عندما تنخفض قيمة الأصول.
يكون السؤال الأخير أكثر إلحاحًا في الحالات التي يستمر فيها انخفاض السعر بشكل حاد رغم ضعف تنفيذ صفقات البيع والشراء، فهل تذهب القيمة المفقودة إلى شخص آخر؟ أم فقط تتبخر كقطرة ماء سقطت في فوهة بركان ثائر؟
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
فكر مثلًا في انخفاض عقود النفط قبل 4 سنوات إلى النطاق السالب (وصل خام نايمكس إلى - 38 دولارًا للبرميل)، حيث خشي المتداولون تكدس البراميل عند تسليمها لهم في خضم الإغلاق المصاحب للوباء، وكانت هذه من أكثر اللحظات غير المنطقية والمثيرة للجدل.
ما معيار التسعير؟
- بعيدًا عن نظريات المؤامرة التي تثيرها بعض المعاملات (مثل الصفقات التي جرت على سهم "بيركشاير هاثاواي" بعد انخفاضه بنسبة 100% تقريبًا)، يخضع تسعير الأسهم لمبدأ العرض والطلب بشكل أساسي، والذي قاد أيضًا انهيار النفط عام 2020 (من الناحية النظرية على الأقل).
- تخيل أن هناك ألف شخص يريدون شراء السهم "ج" مقابل 10 دولارات، لكن 500 مالك فقط يرغبون في البيع، سيضطر الـ 500 مشتر الآخرين لرفع السعر المطلوب (إلى 11 دولارًا مثلًا).
- هذا العرض المعزز سيدفع المستثمرين الذين لم يرغبوا في البداية في بيع أسهمهم إلى العدول عن قرارهم، لكنهم سيبيعون حيازاتهم الآن وفقًا للسعر الجديد، وهذا يعني أن السعر الحالي أصبح 11 دولارًا رسميًا، بحسب أحدث معاملة.
- في ظروف معينة (مثل الاضطراب الأخير للأسواق العالمية)، عندما يشعر المستثمرون بالخوف يسارعون لبيع الأسهم قبل انخفاض أسعارها، أو حتى يقبلون بخسائر بسيطة لتجنب المزيد من الانخفاض في المستقبل.
- لكن عندما تتوسع الموجة البيعية، ويصبح المعروض من الأسهم أكثر من المطلوب، هنا تتفاقم الضغوط ويبدأ المستثمرون في عرض أسعار أقل ثم أقل للتخلص من حيازاتهم.
- العكس يحدث في حالات الاتجاه الصعودي، عندما يصبح المعروض أقل بكثير من المطلوب، ربما بعد أنباء إيجابية للأسواق، يبدأ المستثمرون في عرض المزيد لشراء الأسهم.
- العوامل الأخرى مثل أساسيات الاقتصاد الكلي والتحليل الفني للسهم والأداء المالي للشركات وغيرها، تؤثر أيضًا على حركة السهم، وذلك من خلال تحفيز العرض والطلب أيضًا، فإذا كانت الأخبار جيدة بما يكفي يكون التأثير إيجابيًا على جانب الطلب، والعكس بالعكس.
- إن فهم العرض والطلب أمر سهل، ولكن ما يصعب فهمه هو ما يجعل الناس يفضلون سهمًا معينًا ويتجاهلون آخر، ويتلخص هذا في معرفة الأخبار الإيجابية والسلبية، وبالطبع تصنع استراتيجيات المستثمرين المختلفة فارقًا في تحديد أهمية كل سهم.
أين تذهب فروق التسعير عند الانخفاض؟
- بداية، تقول مجموعة "ديجاردان- Desjardins" الكندية للخدمات المالية والتي تعد أكبر تجمع للاتحادات الائتمانية في أمريكا الشمالية، إنه لا يمكن معرفة سبب تغير أسعار الأسهم على وجه اليقين، لكن الشيء المؤكد هو أن الأسهم متقلبة ويمكن أن تتغير أسعارها بسرعة كبيرة.
- عندما يهبط السهم ويخسر المستثمر المال، فإن الفارق لا يعاد توزيعه على أشخاص آخرين، ولكن تعكس الانخفاضات في قيمة الأسهم تراجع اهتمام المستثمرين وتغير تصورهم لقيمة الأصل.
- قد تبدو فكرة أن الأموال لا تذهب لشخص آخر وتتبخر من قيمة الأصول حين تنخفض الأسعار، أشبه بفكرة آلة غسل الملابس التي تبتلع الجوارب دون أن تدري الأم أين ذهبت، لكن يرجع هذا إلى حقيقة أن القيمة السوقية تتشكل من مكونين (ضمني وصريح) يؤثر أحدهما على الآخر.
الفرق بين القيمة الضمنية والقيمة الصريحة |
||
القيمة الضمنية |
|
القيمة الصريحة |
- تغيرها (ربما بسبب تبدل المعنويات) يؤثر على سعر السهم، صعودًا وهبوطًا. - يمكن أن يؤدي انخفاضها إلى تراجع القيمة السوقية إلى ما دون القيمة الحقيقية للأصول، مثل عندما يتوقع المستثمرون آفاقًا ضعيفة، والعكس بالعكس. |
|
- يقصد بها أيضًا القيمة الملموسة للأصول، وتعرف محاسبيًا بـ "القيمة الدفترية"، وتشكل إجمالي أصول الشركة مطروحًا منها الالتزامات. - بدون القيمة الصريحة، لن توجد قيمة ضمنية للشركة، حيث يعتمد تفسير المستثمرين للصحة المالية وأداء الشركة على قيمتها الصريحة، والتي تعد القوة وراء القيمة الضمنية للسهم.
|
- المعلومة الأكثر أهمية، أن ارتفاع أو هبوط الأسهم لا يشكل مكسبًا أو خسارة حقيقة ما دام المستثمر لم يبع سهمه، وإنما تغير في قيمة الأصل الذي يمتلكه، وبالتالي فهناك فرصة لتعويض القيمة المفقودة أو خسارة تلك المضافة.
- ببساطة، إذا كان المستثمر يمتلك 100 من السهم "ج" بسعر 10 دولارات (ألف دولار إجمالًا)، ثم انخفض السعر إلى 9 دولارات، فذلك يعني أنه خسر 100 دولار، لكنها تسمى "خسائر غير محققة" ما دام المستثمر ينظر إلى شاشته غاضبًا ثم يغادر لاحتساء القهوة ولا يبالي.
- تصبح الخسائر محققة عندما يقرر المستثمر بيع الأسهم وفق السعر الجديد، حيث سيسترد قيمة استثماره مطروحًا منها الخسائر (900 دولار)، لكن إذا أبقى على السهم لبعض الوقت ربما يرتفع مجددًا ويعوض خسائره.
- إن النقطة السعرية التي يختار المستثمر أن يدخل من خلالها إلى السوق لبناء حيازته الخاصة من سهم ما، وكذلك النقطة التي يختار الخروج منها، تحددان المكاسب أو الخسائر الفعلية بغض النظر عن مقدار الارتفاع والهبوط أثناء اقتناء السهم.
لماذا تتغير أسعار الأسهم في ثوان
- تتحرك أسعار الأسهم صعودًا وهبوطًا وفقًا لمبدأ العرض والطلب، والذي يتأثر بمعنويات السوق، لكن المستثمرين لا يغيرون آراءهم كل ثانية، فلماذا إذن تتغير أسعار الأسهم بهذه السرعة؟
- السعر الحالي لسهم ما ليس أكثر من السعر الذي جرت به آخر معاملة كما ذكرنا سابقًا، وبالنسبة للعديد من الأسهم، تحدث المعاملات كل ثانية من بداية جلسة التداول، نظرًا لحجم التعاملات الهائل على أسهمها.
- على سبيل المثال، يتداول المستثمرون في المتوسط 90 مليون سهم من أسهم "آبل" كل يوم، وفي كل معاملة يتغير سعر السهم ليعكس أحدث مستوى، كما تعكس كل معاملة أي تغير مفاجئ في المعنويات بسبب الأخبار والمؤثرات المختلفة.
الأسواق قد تكون مربكة أحيانًا
- بعض المستثمرين يمكنهم تحقيق الأرباح من انخفاض الأسهم عبر اقتراضها وبيعها بسعرها الحالي، عندما يتوقعون انخفاضها في المستقبل، ومن ثم شراءها بسعر أقل وإعادتها للوسيط المقرض، في ممارسة تُعرف بـ "البيع على المكشوف".
- عندما ترتفع طلبات اقتراض سهم ما لبيعه على المكشوف، قد يدفع ذلك ملاك السهم إلى الذعر وبيعه لتتحقق توقعات مستثمري البيع على المكشوف، والذين سيضطرون في نهاية المطاف لشراء السهم من أجل سداد دينهم، وهو ما يخلق طلبًا جديدًا على السهم.
- هذه ليست دعوة للقلق، فسوق الأسهم يؤتي ثماره بالنسبة للمستثمرين طويلي الأجل مثل "وارن بافت" الذي كثيرًا ما أثنى على استراتيجيته لشراء الأسهم والاحتفاظ بها لفترة طويلة (رغم أنه كان نشطًا في التخلص من الأصول رديئة الجودة في محفظته).
- يقول المحلل المالي "روبرت جونسون"، وهو رئيس شركة "إيكونوميك إندكس أسوشيتس" لاستراتيجيات الاستثمار: "من المؤكد أن الاستثمار في سوق الأسهم على المدى الطويل هو مباراة نتيجتها الفوز".
- هذا يعني أن الأسهم ترتفع عموماً على المدى الطويل، ووفقًا للبيانات التي جمعتها شركة "داف آند فيلبس" الأمريكية لإدارة الأصول، من عام 1926 إلى عام 2022، حيث حققت أسهم الشركات ذات القيمة السوقية الكبيرة عائدًا سنويًا بنسبة 10.1% في المتوسط.
- للتغلب على الانهيارات المحتملة في المستقبل، فمن الجيد الاستثمار في أسهم قوية لديها القدرة على تحمل اضطرابات السوق، والتي قد تشهد ارتفاعات وانخفاضات قصيرة الأجل، لكن ما دامت الشركات تتمتع بصحة جيدة، فستشهد الأسهم ارتفاعًا عندما يتعافى السوق حتمًا.
المصادر: أرقام- الجارديان- ذا موتلي فول- إنفستوبيديا- "ديجاردان جروب- Desjardins Group"- موقع "جو بانكينج ريتس"- بي بي إس نيوز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}