يملأ أغنى أغنياء العالم السمع والبصر باستمرار، ويترقب الجميع أخبارهم وقصص نجاحهم بوصفها مصدر إلهام لأنه إذا استطاع أحدهم التفوق في مجال الأعمال وتحقيق هذه المكاسب الكبيرة فإن البحث عن كيفية النجاح والوصول إلى القمة اقتصاديًا أمر يستحق الدراسة والبحث.
وفي المقابل فإنه أمام كل هؤلاء الذي ينجحون في عالم الاستثمار والأسهم، تبرز حالات أخرى لأثرياء أيضا فشلوا في المحافظة على ثرواتهم وحققوا الخسائر، فضلا عن ملايين "المجهولين" الذين عانوا الأمر نفسه، ويجب التوقف عندهم لأنه في الفشل كما في النجاح دروس وعبر.
الخاسر الأكبر
وعلى سبيل المثال، تبلغ ثروة الملياردير الياباني "ماسايوشي سون" حوالي 22.2 مليار دولار وفقًا لآخر تقييمات مجلة "فوربس"، وعلى الرغم من هذه الثروة الكبيرة فإن "سون" ليس شهيرًا بوصفه "ثريا ناجحا" ولكنه شهير بوصفه أكبر من خسر أموالًا في سوق الأسهم تاريخيا.
(بحساب التضخم لأنه دون حسابه فإن "جيف بيزوس" سيكون الأعلى خسارة بفقدان قرابة 70 مليار دولار من صافي ثروته خلال عام فحسب).
ففي ذروة فقاعة "دوت كوم" تمتع "ماسايوشي" بأعلى معدل لنمو الثروة في العالم أجمع، حتى أن ثروته نمت بمعدل 10 مليارات دولار في أسبوع واحد، أي بمعدل 1.4 مليار دولار يوميًا، ونمت ثروته بفضل استثماراته في أسهم التكنولوجيا، وخاصة شركة "سوفت بنك" التي يمتلك أغلب أسهمها حتى وصلت 78 مليار دولار.
ويمكن القول بأن عامي 1998 و1999 كانا عامين سعيدين على "ماسايوشي"، لكن ومع انفجار فقاعة الإنترنت في عام 2000، خسر أكثر من 59 مليار دولار عندما انخفضت أسهم التكنولوجيا، وخاصة (سوفت بنك) بشكل سريع للغاية حتى أن عمليات وقف البيع على بعض الأسهم مؤقتًا لم تفلح في منع حالات الهلع الشديدة التي أدت لخسارة في الأسهم بنسبة تجاوزت 80% في بعض الحالات.
والشاهد أن "ماسايوشي" يستذكر هذه الأيام بقدر من "المرارة" حيث يقول إنه كان مدفوعًا دائمًا بالاعتقاد بأن الناس "سيستعيدون عقولهم" في نهاية الأمر وسيتوقفون عن البيع المدفوع بالهلع، بما سيدفع الأسهم إلى الصعود مجددًا بدلاً من المنحنى الهابط المسيطر على الشاشات، وأنه ظل متمسكًا بأسهم "سوفت بنك" على وجه التحديد لأنه يشعر أنها مهمة بشكل شخصي له.
أخطاء متعددة
وفي هذا ارتكب "ماسايوشي" عددًا من الأخطاء أولها الرهان على العقل الجمعي، وعلى تصرف الجموع بما يوافق رغبته، وهو خطأ يرتكبه 70% من المتداولين، وكان غريبًا أن يرتكبه رجل بهذا الثراء والقدرات الإدارية، ولكنه ووفقًا لتعليق مجلة "فورتشن" فإن وجود كل هذه الخسائر على المحك من شأنه التلاعب بعقل حتى بعض أكثر الرجال رجاحة.
كما أن "ماسايوشي" لم يكن موفقًا بفكرة "الارتباط" بشركة بشكل كبير، حيث إن الإحصاءات تشير إلى أن 60% من المستثمرين يجدون صعوبة في "ترك" أسهم استثمروا فيها لفترات طويلة، لتكون "رابطاً" بينهم وبين هذه الأسهم، بينما الرابط الأساسي الذي يجب أن يكون هو الرغبة في تعظيم الربحية من خلال اختيارات أفضل في السوق.
ويتناقض ما فعله "ماسايوشي" مع ما فعلته شركة "بيركشاير هاثاواي" ببيع كامل حيازاتها من أسهم شركة "جنرال موتورز" الأمريكية، والمقدرة بـ850 مليون دولار، وذلك وفقًا لما أعلنته لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في الخامس عشر من نوفمبر 2023.
والشاهد أن الشركة الأمريكية العملاقة، التي يديرها المستثمر الشهير "وارين بافيت" لم تعلن أسباب تخليها عن أسهم عملاق تصنيع السيارات الأمريكي، لكن يمكن فهم هذا القرار من قراءة فقدان السهم 29% من قيمته بين نوفمبر 2020 ونوفمبر 2023، وأن سعر السهم انخفض قرابة 22% خلال السنوات الخمس الأخيرة.
اختلاف مع المحللين
والشاهد أن ما قامت به "بيركشاير هاثاواي" يناقض تنبؤات 12 من أصل 19 محللًا طلبت منهم "سي إن إن" تحليل أسهم "جنرال موتورز"، حيث رأوا أن الشركة تشكل حاليًا "فرصة للشراء" بينما طالب 6 ممن يحوزون سهم الشركة بالاحتفاظ به لكن دون النصح بمن هم خارج الشركة بشراء أسهم، وطالب محلل واحد فقط باعتبار السهم أولوية للبيع.
ويعود إلى اختلاف الرؤى بين المحللين فمنهم من يخاطب المستثمرين الذين يعملون على المدى القصير، ومنهم من يحلل الشركة فيجد أنها لم تستطع العودة إلى مستويات الربحية القياسية التي سجلتها منذ 2016 حتى الآن وعلى مدار 7 سنوات، وذلك على الرغم من عودة الشركة لتسجيل أرباح في الأرباع الأخيرة الأربعة بعد 4 أرباع من الخسائر، وبالتالي فإن التمسك بأسهمها أو شرائها ليس مفيدًا على المدى الطويل.
كما أن الشركة التي تتمتع بمضاعف ربحية 13.3 لا تعد جاذبة أيضا لكثير من المستثمرين نظرًا لأنها ليست من الشركات التكنولوجية مثلًا وليست من شركات الريادة في إنتاج السيارات الكهربائية بحال، بما يجعل الرهان على مستقبل مرتبط بالاختراعات والاختراقات التكنولوجية أيضًا محفوفًا بالمخاطر.
والشاهد هنا أن "بيركشاير هاثاواي" حاليًا لديها أكبر احتياطي نقدي سائل في تاريخها بحوالي 175 مليار دولار، بما يؤشر لأحد أمرين: أن الشركة تعد أن السوق غير ملائم بصيغته الحالية للاستثمار في شركات جديدة أو التوسع في شركات تمتلكها، أو أن الشركة تترقب انخفاض السوق قريبًا وترغب في سيولة تستخدمها لشراء الأسهم الجيدة التي ستتراجع.
"ليس بوسع الأمور أن تسوء أكثر من ذلك"
ومن بين أشهر من خسروا أموالًا طائلة في السوق كان " ألين ستانفورد" الذي خسر قرابة 7 مليارات دولار، غالبيتها من أموال بعض المستثمرين الذين اعتمدوا عليه حيث استخدم الأموال في استثمارات عالية المخاطرة وفي تمويل "حياة الرفاهية" التي اعتادها لينتهي الأمر بإدانته الجنائية في عام 2012 في أحكام وصل مجموعها إلى 110 أعوام.
وبغض النظر عن الجزء الخاص بالاحتيال على المستثمرين الذي قام به "ستانفورد" إلا أن اللافت تعبيره خلال محاكمته الذي يعكس عقلية كثير من المتداولين بأن قال: "لقد كنت أؤمن دومًا أن حظوظي ستنقلب، وفي لحظة ما قلت لنفسي إنني استنفدت كل الحظ العاثر وإنه ليس بإمكان الأمور أن تسوء أكثر من ذلك".
ويعد التفكير بأنه "ليس بإمكان الأمور أن تسوء أكثر من ذلك" أحد أهم أسباب احتفاظ بعض المتداولين بأسهم خاسرة وتنخفض منذ فترة، وتصل نسبة من يحتفظون بأسهم خاسرة لهذا السبب أكثر من 60%، وسط "خداع للذات" بأنه سيكون من الحمق أن تترك سهمًا وصل للقاع ولا تستفيد من صعوده الحتمي لاحقًا.
"الاعتداد" الزائد
ويأتي "شون كوين" أحد عمالقة الاستثمار في أسهم شركات العقارات في أوروبا، والذي امتلك ثروة تخطت 6 مليارات دولار في عام 2006، لكن وفي عام 2010 كان مدينًا بأكثر من 3 مليارات دولار وخسر ثروته بالكامل، بسبب قراره بالاستمرار في الحفاظ على أسهم امتلكها في القطاع العقاري رغم كافة الإشارات المنذرة بحدوث انهيار، بل وحتى بعد حدوثه.
وكان "كوين" الذي حاز لقب أغنى رجل في أيرلندا الشمالية حينها معروفًا بإمبراطور العقارات، ولكنه أيضًا استمر في الاحتفاظ بأصوله وأسهمه رغم تراجع قيمتها، بل وحصل على قروض ضارب بها، بما جعله يتحول من "ملياردير" إلى "مدين بالمليارات".
ويقول "كوين" إنه بالعودة إلى ما حدث فإن خطأه الرئيسي كان "الاعتداد الزائد"، حيث رفض الاعتراف ولو بينه وبين نفسه بأن الأصل الذي طالما أعطاه قيمة أعلى من غيره –العقارات- ينخفض بشدة، كما أن "الفخر" جعله يرفض تصديق أن عليه تغيير كافة استثماراته.
ويضيف "كانت العقارات هي الشيء الوحيد الذي أفهم فيه وأمتلكه بشكل مباشر أو أمتلك أسهم شركاته، ولذلك فإني شعرت بالهزيمة مع تراجع أسهمها، ويقع كثيرون في فخ "كوين" بالاستثمار في المجال الذي يعرفه فإن كان مهندسًا يستثمر بالبرمجيات مثلًا أو بشركات الاتصال وإن كان طبيبًا اشترى في شركات الأدوية.
ويغفل هؤلاء أن المعارف الرئيسية المطلوبة ليست المعرفة بمجال عمل الشركة وتفاصيله، وإن كانت قيمة مضافة لا بأس بها، ولكن المطلوب المعرفة الرئيسية بالمجال وليست التفصيلية، والمعرفة الأهم هي كيفية قراءة الأوضاع الاقتصادية والقوائم المالية والتصريحات الاقتصادية وأوضاع السوق والمنافسة وغيرها من أساليب تقييم السوق والشركات.
وإذا كنت كمستثمر تراهن على أن الناس سيغيرون اتجاهاتهم تجاه شركة ما، وفقًا لما يوافق مصالحك، أو ترى أن الأمور "لا يمكن أن تكون أسوأ" بغير دليل، أو حتى تعاني "اعتدادًا" زائدًا بالنفس يحول بينك وبين الاعتراف بالخطأ فإنه المؤكد أن سوق الأسهم ليست مكانك، أو أنه لديك ما ينبغي إصلاحه حتى تستطيع النجاح في هذا المجال.
المصادر: أرقام- فورتشن- سي.إن.إن- سي.إن.بي.سي- فوربس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}