كثيرًا ما يشكو "صغار المتعاملين" في أسواق الأسهم من عدم عدالة السوق، في ظل أن كبار المتعاملين لا سيما الشركات وعمالقة إدارة الأصول يتمتعون بقدرة أكبر بكثير على توجيه السوق في اتجاه معين قد لا يكون صغار المستثمرين على دراية به، فضلا عن الاستفادة من تقلبات السوق.
وتشير تقديرات متعددة إلى أن أكبر 20 شركة لإدارة الأصول تتخطى مجموع الأصول التي تديرها 63 تريليون دولار، بما يشمل في ذلك العقارات والمعادن النفسية والشركات والسندات وأخيرًا الأسهم وهي ما تعنينا هنا بالأساس.
استقرار ولكن
لا شك أن هذه الأصول الضخمة تعين الشركات الكبرى على التأثير بصورة أكبر في السوق، ولكن يبقى السؤال دائمًا حول كيفية هذا التأثير، وما إذا كان إيجابيًا أم سلبيًا.
وبما أن الكثير من تلك الشركات تميل إلى الاستثمار الأكثر استقرارًا فتشير الدراسات إلى أن استحواذ مشتر واحد على نسبة مؤثرة في حقوق التصويت في الجمعية العمومية (20-33% في تقدير غالبية الدراسات) له تأثير إيجابي على الكثير من الشركات بالسماح لها بوضع خطط طويلة المدى غير هادفة للربح الفوري، بحيث يحصل مجلس الإدارة على دعم حاملي الأسهم لتلك الخطط بسهولة أكبر.
وفي المقابل، تشير الدراسات إلى أن الشركات التي تعاني من تشتت كبير في حيازات الأسهم غالبا ما تعاني من تذبذب في الخطط المستقبلية، حيث قد يتغير حائزو الحصص الذين يمكنهم التصويت بشكل مستمر، وأن غالبيتها لا يستطيع رسم خطط جيدة للمدى الطويل وأن جُل ما يمكن العمل عليه هو خطط المدى المتوسط (3-5) سنوات.
ومن ناحية أخرى فإن بقاء نسبة من الأسهم خارج التداول لفترات طويلة يضفي استقرارًا أيضا، بسبب اعتماد الصناديق الاستثمارية على الاستثمار طويل المدى بالأساس، مثل "آبل" التي تستحوذ "بيركشاير هاثاوي" على أكثر من 5% من أسهمها وتشير تقديرات إلى أن صناديق إدارة الأصول الأمريكية تستحوذ على قرابة 30% من أسهمها أيضا، بما يضمن لأسهم الشركة قدرًا من الاستقرار قد لا يتوافر لبقية الأسهم التكنولوجية الأمريكية.
معايير أمان إضافية
شركة "كي.بي.إم.جي"، وهي إحدى أكبر 4 شركات محاسبية في العالم، تشير في تقرير لها إلى أن نظام مثل "علاء الدين"، وهو برنامج الذكاء الاصطناعي المملوك لعملاق إدارة الأصول "بلاك روك"، أضاف منذ 2020 حوالي 30 معيارًا جديدًا لفكرة استقرار الاستثمارات.
وتخوّف القائمون على الذكاء الاصطناعي من أن تتسبب هزة الأسواق مع فيروس كورونا في خلخلة عنيفة في الأسواق بما دفعهم لوضع هذه المعايير الإضافية ضمانًا لمزيد من الاستقرار.
وكيان مثل "علاء الدين"، يدير أصولًا تفوق 21 تريليون دولار حول العالم، وهو في ذلك يدير استثمارات تعادل حجم الناتج المحلي الأمريكي الإجمالي، ويتداخل "علاء الدين" في قرارات 17 ألف متداول في البورصة ويدير 50% من صندوق المؤشرات المتداولة (الاستثمار منخفض التكاليف) و17% من السندات و10% من إجمالي الأسهم عالميًا.
وعلى الرغم من الأصول الضخمة التي تديرها شركة مثل "بلاك روك"، وهي قرابة 10 تريليونات دولار" فإن هذه الشركة ومعها "فانجارد" و"ستيت ستريت" وغير ذلك من عمالقة إدارة الأصول حول العالم لا يميلون أبدًا للاستثمار في الأسهم عالية المخاطر، حتى أن 79.1% من أصول "بلاك روك" تتركز في أصول قليلة المخاطرة من عقارات وسندات وأسهم، بينما البقية في استثمارات متوسطة أو عالية المخاطرة.
مكافأة المجيدين ومخاوف كثيرة
ويدعم هذا المنطق في الاستثمار طويل المدى ما يعرف في علم الاقتصاد بـ"مكافأة" الأداء الجيد و"معاقبة" سوء الأداء، وهو خلاف المضاربة التي لا تهتم كثيرًا بمستقبل الشركات متوسط أو طويل المدى ولكن بسعر السهم على المدى القصير فحسب.
ولكن أبرز المخاوف التي تثيرها الحيازات الكبيرة من الأسهم في السوق هي القدرة على التلاعب بالسوق، بل إن خطأ واحدا في أوامر البيع مثلا في شركة عملاقة من شركات إدارة الأصول قد يعيد مسلسل أزمة مالية عالمية بسهولة، خاصة إذا كانت هناك تربة خصبة من ارتفاع مستويات الديون وشكوك في مستقبل الأسهم على سبيل المثال.
ويقول "جيم كرامر" المحلل في شبكة "سي.إن.بي.سي" إنه على الرغم من بعض الاستقرار الذي يفرضه وجود "الكيانات العملاقة" في السوق، فإن الأمر لا يخلو من مخاطر أبرزها الائتلاف بين عدد من القوى الكبيرة في السوق لتوجيهه بطريقة تخدم مصالحها وتضر بغيرها.
ويشير "كرامر" إلى أن الصعود القياسي للسوق الأميركي خلال عام 2021 لم يخل من شبهة "تآلف" بين عمالقة إدارة الأصول، وعلى الرغم من أن هذا لا يمكن إثباته تماما فإنه يصعب تخيل احتفاظ تلك الشركات ببعض الأسهم التي تأكد أنها مقومة بأكبر من قيمتها الحقيقية دون بيعها إلا حال وجود توافق على الاستفادة من رؤوس الأموال الفردية التي تم ضخها في هذه الفترة والاحتفاظ بالسوق في قمة عالية لفترة طويلة.
اتهامات بـ"التآمر"
ويرى البعض أيضًا أن سوق الأسهم الأمريكي الصاعدة حاليًا "غير مبررة"، فعلى الرغم من ثقة الأسواق في أن يكون رفع الفائدة بنسبة 0.25% في شهر يوليو الماضي هو الأخير، بما ينعكس إيجابًا على الأسواق، فإن هذه التوقعات انعكست بالفعل على مستويات السوق في الفترة الماضية بما يجعل هذا الارتفاع "غير مبرر" في رأي بعض المحللين.
كما أنه في حالة تلك الاستثمارات كبيرة الحجم فإنه غالبا ما تسعى الشركات إلى الحصول على معلومات إضافية عما هو متاح في السوق، وذلك من خلال لقاء المسؤولين عن شركات الاستثمار ومسؤولي الشركة التي يعتزمون الاستثمار فيها، حيث يقدر "كرامر" أن أكثر من 90% من صفقات الشراء الكبير للأسهم تتم بعد الحصول على معلومات -غير متاحة للجمهور العام- حول الخطط التوسع المستقبلية ومستقبل المنافسة.
ويتعدى الأمر مجرد الاتهامات بالتآلف إلى أن قرابة 60% من المتعاملين في سوق الأسهم الأمريكية رأوا أن الأزمة المالية العالمية كانت "مؤامرة" لتحقيق استفادة بعض الشركات الأمريكية الكبرى على حساب صغار المتعاملين، الذين باعوا حيازاتهم من الأسهم بأسعار زهيدة لتشتريها تلك الشركات وتحقق أرباحًا كبيرة.
ويدعم هذا الأمر حقيقة أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتلقى النصح من جانب عدد من الشركات العملاقة في أمريكا، وأبرزها "بلاك روك" وعملاقها "علاء الدين"، حيث كان لهما دور كبير في اختيار من يتم إنقاذه ومن يتم تركه ليغرق إبان الأزمة المالية العالمية.
وبالإضافة لفكرة التآلف تثار مخاوف أخرى من تأثير الهجمات السيبرانية المحتملة على مثل هذه الشركات على حدوث انهيارات قياسية في سوق الأسهم، لا سيما في حالة زرع فيروس يقوم ببيع الأسهم مرة واحدة مثلا، أو حتى حدوث خطأ تقني بشري يتسبب في أزمات مشابهة.
وبغض النظر عن كافة العيوب والمميزات السابقة لفكرة الحيازات الاستثمارية الكبيرة للأسهم، إلا أن المؤكد -وبعيدا عن أية مؤامرات- فإن الاقتصاد الرأسمالي يدعم دائما "الإنتاج الكبير" و"الاستهلاك الكبير" وأيضا "الاستثمار الكبير"، بما يجعل تلك الكيانات ذات ميزة نسبية تنافسية في السوق في مواجهة غيرها.
المصادر: أرقام- "كي.بي.إم.جي"- فوربس- سي.إن.بي.سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}