في منتصف مارس الجاري تقريبا، توقعت رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستينا جورجيفا، أن الْعُقُوبَات المفروضة على روسيا سيكون لها آثار "مُدَمِّرَة للغاية" على اقتصادها، وأن الاقتصاد الروسي سيشهد انكماشًا "بنسبة 7% على الأقل".
بَيْدَ أنّ هذا البيان لم يكن واقعياً؛ لا سيّما وأن صندوق النقد الدولي أعاد تقييم توقعاته للناتج المحلي الْإِجْمَالِيّ الروسي لعام 2023 في يناير الماضي، متوقعًا أنه سينمو بنسبة 0.3% بدلاً من أن ينخفض بنسبة 2.3% أخرى.
بطبيعة الحال؛ فإن اعتبار نسبة 0.3% نموًا والتفاخر بمثل هذه الإحصائيات أمر مبالغ فيه.
ولكن قد يصبح الأمر مبررًا إذا وضعنا في الاعتبار أنها دولة تعاني من تسونامي عقوبات غير مسبوقة وتنفق ما يصل إلى 10% من ناتجها المحلي على مجهودها الحربي، وخاصة إذا تمَّ مقارنته بالناتج المحلي الإجمالي الألماني والذي من المتوقع أن يرتفع بنسبة 0.1% فقط خلال نفس الفترة.
وبطبيعة الحال؛ أثار هذا "التفاؤل" بشأن استقرار الاقتصاد الروسي ضَجَّة كبيرة؛ إذ لم يقدر عامة الناس محاولة صندوق النقد الدولي التصرف بطريقة غير منحازة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن المؤسسات الدولية الأخرى أبقت على توقعاتها كما هي: انخفاض بنسبة 3-4% في الناتج المحلي الْإِجْمَالِيّ الروسي في عام 2023.
- لهذا السبب كان يتعين على كريستينا هذه المرة إرسال إشارة أوضح إلى مجتمع الخبراء. بَيْدَ أنّ النقد القاسي الموجه إلى صندوق النقد الدولي – وبخاصة إلى كريستينا- له ما يبرره في الغالب.
- إلا أنه يكشف أيضًا حقيقة أن أولئك الذين يدلون بدلوهم حول فاعلية الْعُقُوبَات غالبًا ما يصدرون أحكامهم وفقًا لأهوائهم وتمنياتهم.
- ويمكن تقسيم المحللين الآن إلى معسكرين. المعسكر الأول الذي يؤمن أنه حتى لو لم يكن الاقتصاد الروسي قد أصبح الآن "ممزقًا إلى أشلاء"، فإنه لا يزال يمر بأزمة كبيرة.
- روسيا لم تنجح في الإفلات من سيناريو الاِنْهِيَار إلا بسبب الجهود التي بذلها التكنوقراط في الحكومة الروسية وبطء آلة الْعُقُوبَات الغربية، وهم موقنون بأن الخناق سيضيق عليهم لا محالة فقط مع بعض الوقت.
- أما المعسكر الآخر – وهم المتشككون – فلديهم قناعة أن "الْعُقُوبَات غير مُجْدِيَة". وأنه بعد مرور عام، لم يتم تدمير الاقتصاد الروسي بعد ولا يزال قادرًا بطريقة ما على تحمل النفقات المتزايدة للحرب.
- ولسان حالهم أن نظام فلاديمير بوتين يبدو قويا كما كان دائمًا، في حين تبين أن الْعُقُوبَات أضعف من وسطاء السوق والمستفيدين المحتملين من القيود، أي الهند والصين. وقد اكتسبت وجهة النظر هذه زخمًا في الأشهر القليلة الماضية.
- ولا شّك أنَّ الْعُقُوبَات تؤتي ثمارها بالطبع، حيث بلغ عجز الميزانية الروسية في الشهرين الأولَيْن من العام الحالي 88% من إجمالي العجز المخطّط للعام المقبل.
- قد تحسن الصيغة الجديدة لحساب ضرائب النفط والغاز الوضع قليلاً، ولكن حتى التَّقْديرَات الحذرة تشير إلى أن العجز سوف يتضخم إلى 5-6 تريليونات روبل (أي حوالي 74 مليار يورو) وهو تحول مؤسف للغاية لروسيا.
- على عكس عام 2022، الذي حقق مكاسب غير متوقعة قياسية من بيع النفط والغاز، سيكون عام 2023 عام انكماش الصادرات.
- ومن المتوقع أن تتراكم الخسائر على المدى المتوسط في الناتج المحلي الْإِجْمَالِيّ ومستوى المعيشة للمواطن الروسي.
- وتتبع الدولة الآن "إحلال تنازلي للواردات"؛ وهي سياسة تعمل على إعادة الإنتاج إلى مستوى التقنيات المستخدمة منذ 20 إلى 30 عامًا.
- ويُعرض على المستهلكين سلع عفا عليها الزمن مقابل أسعار أعلى لتحل محل الواردات المفقودة.
- لكن هل يعني ذلك أن توقعات صندوق النقد الدولي لن تتحقق بالتأكيد، بينما تبث كريستينا أساطير دعائية حول مناعة روسيا في مواجهة تسونامي الْعُقُوبَات؟ الإجابة؛ مطلقًا.
- أولاً، يمكن تحقيق نمو الناتج المحلي الْإِجْمَالِيّ بنسبة 0.3% من خلال الإنفاق العام وإنتاج الأسلحة حتى عندما يكون الاستهلاك متضررًا بشدة.
- ثانيًا، حتى لو انكمش الاقتصاد ببضع نقاط مئوية، فلن يؤدي ذلك إلى بلوغ الغرب هدفه؛ أي الهزيمة العسكرية لروسيا. هذا بالضبط ما يقوله أولئك الذين يتخذون موقفا أكثر حذرا من الطبيعة المُدَمِّرَة للعقوبات.
- هذه ضربة غير مسبوقة وجهت بشكل أساسي إلى الاستهلاك، لكن احتياطيات الكرملين للحفاظ على استمرار الحرب لا تزال كبيرة.
- لم ينتقل الاقتصاد الروسي حتى إلى مرحلة التعبئة ولا يزال يعمل إلى حد كبير وفقًا لقواعد السوق القديمة.
- هذا لا يعني أن الْعُقُوبَات لا طائل من ورائها. إن لها تأثيرا ملحوظا بالفعل. لكن لا يمكن أن نوجه اللوم لصندوق النقد الدولي على أن الاقتصاد الروسي لا يزال واقفاً على قدميه.
المصدر: موسكو تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}