"مصائب قوم عند قوم فوائد" قول مأثور ينطبق وبشدة على جائحة فيروس كورونا، والتي بينما راح ضحيتها ملايين البشر وقوضت مضاجع المجتمعات وتسببت في اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق على مستوى العالم، فإنها في الوقت ذاته عادت بأرباح بمليارات الدولارات على شركات الأدوية من مبيعات اللقاحات والأدوية المضادة للفيروس.
فقط لكي نقرب إليك الصورة، أشارت تقارير إلى أن الجائحة أدت إلى صعود تسعة أشخاص إلى قائمة المليارديرات بثروة إجمالية صافية قدرها 19.3 مليار دولار وذلك حتى مايو 2021، وهو ما يكفي لتلقيح جميع السكان في الدول منخفضة الدخل 1.3 مرة. ذلك في الوقت الذي شهد فيه ثمانية مليارديرات بالفعل، لديهم محافظ كبيرة في شركات الأدوية المصنعة للقاحات، زيادة في ثرواتهم بقيمة 32.2 مليار دولار.
وقتها، كشفت إحصائيات عن أن شركات مثل "فايزر" وشريكتها "بيونتيك" و"موديرنا"، وهي أبرز الشركات التي كان لها السبق في صنع اللقاحات، كانت تحقق أرباحا قدرها ألف دولار كل ثانية تقريبا، مما مكنها من جمع سيولة كبيرة وعزز أرباحها بشكل غير مسبوق خلال الجائحة، وهو ما زاد بدوره من جاذبيتها أيضا كقطاع دفاعي صالح للتحصن من أي تراجع اقتصادي.
أرباح قياسية
كان للقاح تأثير السحر على ميزانيات تلك الشركات، شركة "موديرنا" حققت صافي ربح 12.2 مليار دولار في 2021 بعد أن تكبدت خسائر بقيمة 747 مليون دولار في 2020 بينما كان لقاحها قيد التطوير. هذا بينما حققت فايزر ربحا بقيمة 21.9 مليار دولار بزيادة 140 بالمئة تقريبا عن عام 2020.
وكانت فايزر قد حققت إيرادات عند 81.3 مليار دولار في 2021 وهو ما يزيد بواقع مثلي ما حققته في العام السابق، وبإضافة علاجها المضاد لفيروس كوفيد-19 المعروف باسم "باكسلوفيد"، من المتوقع أن تحقق فايزر إيرادات بنحو 100 مليار دولار في 2022.
هذا ليس كل شيء، فشركتا فايزر وموديرنا تتوقعان مبيعات للقاح بقيمة إجمالية 51 مليار دولار في العام القادم على الرغم من انحسار المتحور أوميكرون بشكل كبير في أجزاء كثيرة من العالم وحديث الشركتين عن أن الوباء ينتقل إلى مرحلة التوطن حيث يصبح أقل إزعاجا للمجتمع.
وتتوقع فايزر 32 مليار دولار كمبيعات للقاحات كورونا هذا العام بينما تتوقع موديرنا ما لا يقل عن 19 مليار دولار. وكانت فايزر قد باعت لقاحات للعالم بقيمة 36.7 مليار دولار في 2021 ما مثل 45 بالمئة من إجمالي إيراداتها البالغة 81.2 مليار دولار. بينما كانت لقاحات موديرنا هي المنتج التجاري الوحيد المتاح للشركة وباعت منه ما قيمته 17.7 مليار دولار وهو ما مثل تقريبا غالبية إيراداتها التي وصلت إلى 18.5 مليار دولار سنويا.
تهيمن الشركتان تقريبا على سوقي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فنحو 58 بالمئة من كل جرعات اللقاح التي وزعت في الولايات المتحدة كانت من فايزر بينما هيمنت موديرنا على 37 بالمئة بينما في الاتحاد الأوروبي، بلغت حصة فايزر 71 بالمئة بينما بلغت حصة موديرنا 17 بالمئة.
ولكي نتصور حجم السيولة لدى الشركة ففي أوائل 2020، كانت الشركة الأمريكية فايزر تمضي في الطريق لتحقيق تدفقات نقدية حرة بقيمة 8.5 مليار دولار، والتدفقات الحرة هي السيولة القادمة من العمليات مخصوم منها الإنفاق الرأسمالي. أما الآن فمن المتوقع أن تحقق الشركة التي يقودها "ألبرت بورلا" ما يصل إلى 125 مليار دولار في الفترة من 2020 إلى 2024، اعتمادا على تقديرات لرفينيتيف. والرقم يزيد بمقدار 80 مليار دولار تقريبا عما كان متوقعا قبل الجائحة.
استحواذات محمومة
حوّل كل هذا "فايزر" إلى شركة عملاقة بكل ما في الكلمة من معان، ففي 2021، عينت الشركة قرابة 2400 شخص، بل وانطلقت في فورة عمليات استحواذ لا نهاية لها لتعزيز مركزها مستغلة مليارات الدولارات التي ربحتها من بيع اللقاحات والأدوية المضادة لفيروس كورونا في شراء شركات قد تجلب مبيعات سنوية بالمليارات بحلول نهاية العقد الحالي.
وكانت أحدث صفقة للشركة هي الاستحواذ على "Global Blood Therapeutics" مقابل 5.4 مليار دولار مما يرفع حصيلة عمليات الدمج والاستحواذ التي نفذتها الشركة إلى 24 مليار دولار منذ ديسمبر الماضي، ويعزز قطاع علاج الأمراض النادرة لدى فايزر.
وفي مايو، أبرمت "فايزر" صفقة قيمتها 11.6 مليار دولار مع شركة "Biohaven Pharmaceutical Holding" لصناعة الأدوية التي تعالج الصداع النصفي، كما أنها استكملت في منتصف العام صفقة بقيمة 6.7 مليار دولار لشراء شركة أرينا للأدوية.
ليس هذا فحسب، بل إن فايزر تعقد الآمال أيضا على "باكسلوفيد" كمصدر رئيسي للإيرادات مستقبلا، فمع تراجع مبيعات اللقاح في حالة التوطن فإن العقار سيمثل الأداة الرئيسية التي ستساعد الشركة على التحكم في الفيروس جيدا.
وتتوقع فايزر مبيعات بقيمة 22 مليار دولار في العام الجاري من باكسلوفيد خاصة أن هامش ربحه أعلى من اللقاح الخاص بالشركة.
أما شركة موديرنا فهي تراهن على التطوير وهدفها النهائي هو تطوير جرعات معززة تستهدف المتحور أوميكرون وبقية المتحورات في نهاية النطاق وهو ما يراه بعض المحللين أمرا مهما إذ أراد الناس الحماية من أوميكرون وكذلك المحور السابق دلتا. وتسعى موديرنا إلى ابتكار لقاح معزز يغطي ثلاثة فيروسات تنفسية رئيسية هي الإنفلونزا والفيروس التنفسي المخلوي (RSV) وبالطبع كوفيد كمسار رئيسي لعملها في السنوات المقبلة وتقول إن لديها مذكرات تفاهم مع كندا وأستراليا لإمدادهم بهذه اللقاحات وإنها تتطلع إلى تجهيز إمدادات لمدة عشر سنوات.
أسهم القطاع الصحي تزداد جاذبية
كل هذا عزز أهمية القطاع ككل وأدى إلى أن تصبح أسهم شركات الرعاية الصحية ملجأ مفضلا للمستثمرين خلال الأوقات الصعبة للسوق وباتت مقومة بشكل أفضل مقارنة مع بقية القطاعات الدفاعية.
يدعم ذلك حقيقة أن القطاع ستصل قيمته إلى 1.7 تريليون دولار بحلول 2025، فيما تشكل الولايات المتحدة والصين ما يزيد على نصف الحصة السوقية فيه.
هذا دفع الخبراء لدى جولدمان ساكس ومورجان ستانلي وبنك أوف أمريكا لتفضيل القطاع، بالنظر إلى أنه من المتوقع أن تبدي أنشطة الشركات متانة مقارنة بغيرها إذا ما واجه الاقتصاد تراجعا.
وقال والتر تورد كبير مسؤولي الاستثمار لدى "جرين وود كابيتال" إنه يشعر أن القطاع واحد من الفرص الأخيرة التي ستلعب دورا دفاعيا بسعر معقول.
وتمنح جرين وود أسهم شركات الرعاية الصحية وزنا أكبر في محفظتها من الشركات الكبرى التي تضم "جونسون آند جونسون" و"ثيرمو فيشر ساينتيفيك" و"فايزر".
وكانت أرباح شركات الرعاية الصحية التي تشمل شركات صناعة الأدوية الكبيرة، وشركات الأدوات الطبية، وشركات التأمين الصحي وشركات التكنولوجيا الحيوية، قد أبلت بلاء حسنا في فترات الركود الأخيرة مما يجعلها هدفا مغريا للمستثمرين الباحثين عن أصل بمقدوره احتمال التراجع، في الوقت الذي تنمو فيه المخاوف بشأن الركود في ظل تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، بينما انخفضت أرباح شركات المؤشر "إس آند بي 500" لمدة تسعة أرباع متوالية خلال الكساد الكبير في الفترة من 2007 - 2009، حقق قطاع الرعاية الصحية نموا في الأرباح في تلك الفترات وفقا لبيانات من رفينييتف آي بي إي إس.
وعلى مدى الخمسة والعشرين عاما الماضية، زادت ربحية السهم للقطاع نحو 10 بالمئة على أساس سنوي مقارنة مع نمو سنوي بنسبة 6.6 بالمئة للمؤشر "إس آند بي 500"، بينما حققت نموا سنويا أكثر اتساقا مقارنة بالسوق الأوسع وفقا لما يراه "إيريك بوتوكور" خبير أسهم الرعاية الصحية لدى "يو بي إس جلوبال لإدارة الأصول".
بالطبع ثمة تحذيرات من أن شركات الأدوية باتت تواجه تحديا بعد إعلان الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أن الجائحة انتهت مما يعصف إلى حد كبير بمبيعات ضخمة للقاحات والأدوية في الولايات المتحدة على وجه الخصوص.
المصادر: أرقام- رويترز- ياهو فاينانس- أوكسفام- سي إن بي سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}