عانت أسواق الأسهم الأمريكية في شهر سبتمبر أسوأ أداء يومي منذ يونيو 2020، وبات كل مؤشر رئيسي تقريبا في سوق هابطة. وفي آخر أيام الشهر الماضي فحسب، كان المؤشر "إس آند بي 500" منخفضا 25 بالمئة مقارنة عن بداية عام 2022.
لكن توقعات الأداء يشوبها الاضطراب في ظل تزايد عدم اليقين بشأن مسار الاقتصاد الأمريكي، واستمرار معركة مجلس الاحتياطي الاتحادي مع التضخم الذي يأبى الانخفاض حتى في ظل رفع أسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي مما ينذر بمواصلته دورة تشديد نقدي تاريخية في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد أداء محموما ينذر بالانزلاق في ركود تتراوح التقديرات بشأن شدته.
الأسوأ لم يأت بعد
يحذر بعض الخبراء في وول ستريت من أن القادم قد يكون أسوأ، نظرا لما لزيادة أسعار الفائدة من تأثير سلبي على سوق الأسهم بصفة عامة.
يعتقد خبراء لدى "بلاك روك" أن أسعار الأسهم لا تعكس بالكامل تداعيات الركود الناتج عن زيادات أسعار الفائدة. وكتب فريق من الخبراء بقيادة "جان بويفين" أن العديد من البنوك المركزية لا تعترف بمدى الركود اللازم لانخفاض التضخم بسرعة... الأسواق لم تضع ذلك في اعتبار التسعير، لذلك نتجنب معظم الأسهم".
وأبدى فريق من جولدمان ساكس رأيا مماثلا. وكتب الفريق الذي يرأسه "كريستيان مولر جليسمان" رئيس أبحاث مخصصات الأصول لدى جولدمان ساكس أن أسعار الأسهم قد لا تعكس بالكامل "المخاطر المصاحبة لاستمرار زيادة أسعار الفائدة والتحركات الناتجة عن ذلك في سوق السندات... وبسبب هذا، قد تضطر الأسهم إلى الانخفاض أكثر لكي تصل إلى قاع السوق".
وقام جولدمان ساكس بخفض توقعاته لأداء المؤشر "إس آند بي 500" بنهاية العام إلى 3600 نقطة، من مستهدف سابق عند 4300 نقطة، تحسبا لمزيد من زيادات الفائدة.
وبرر المحللون ذلك بأن المسار المتوقع لزيادات مجلس الاحتياطي لأسعار الفائدة أعلى من التقديرات السابقة.
وكتبوا "بناء على النقاشات مع العملاء، ترى أغلبية من مستثمري الأسهم أن سيناريو الهبوط الصعب حتمي وتركيزهم على التوقيت والمدى ومدة الركود المحتمل".
وبرر المحللون ذلك بأن التضخم أثبت أنه أكثر استدامة مما كان متوقعا وأنه من المستبعد ظهور مؤشرات على الانحسار في الأمد القريب، مما يؤدي إلى ارتفاع التقديرات لتشديد السياسة النقدية. وأضافوا أن معظم مديري المحافظ يعتقدون الآن أنه من أجل السيطرة على التضخم، سيتعين على البنك المركزي الأمريكي رفع الفائدة بمعدلات مرتفعة كافية لدفع الاقتصاد الأمريكي للركود في وقت ما خلال 2023".
وكان بنك "يو بي إس" خفض أيضا مستهدفه للمؤشر الأمريكي الرئيسي بحلول نهاية العام إلى 4000 نقطة.
تحذير آخر جاء من خبراء الاستثمار لدى ميريل لينش، الذين قالوا إن سوق الأسهم في مرحلة "إعادة ضبط" إذ تحاول أن تضع في الاعتبار "معدلات فائدة أعلى، ودولارا أقوى، ونموا اقتصاديا وأرباحا أقل، ومخاطر جيوسياسية متزايدة في أنحاء العالم في الوقت ذاته".
ويقول المحللون إن تلك عملية طويلة وإنهم يتوقعون "تقلبا في السوق" حتى نهاية العام.
بنك أوف أمريكا أيضا يقول إن الأسهم الأمريكية لم تمر بالأسوأ بعد في ظل التضخم الحاد وزيادات الفائدة. وقال المحلل الاستراتيجي لدى البنك "مايكل هارتنت" إن صدمة التضخم لم تنته وإن نتائج أعمال الشركات ستقود الأسهم إلى مستويات متدنية جديدة.
بالمثل، قال خبراء لدى "سوسيتيه جنرال"، و"سانفورد سي بيرنشتاين" إن الأسهم الأمريكية تواجه مستويات منخفضة جديدة قبل انتهاء السوق الهابطة التي محت بالفعل ما يزيد على 7.8 تريليون دولار من قيمة الشركات المدرجة في المؤشر "إس آند بي 500".
العوامل الجيوسياسية
العوامل الجيوسياسية التي بات من الواضح أنها تهمين على التطورات في سوق الأسهم هذا العام كان لها تأثير كبير حتى على رؤية بعض المحللين الأكثر تفاؤلا بشأن أداء السوق. إذ حذر أحد أبرز المحللين المروجين علنا لصعود السوق الأمريكية، وهو "ماركو كولانوفيتش" لدى "جيه بي مورجان"، من أن تشديد البنوك المركزية السياسة النقدية على نحو متزايد وتعرض خط أنابيب الغاز الحيوي "نورد ستريم" الرابط بين روسيا وأوروبا لأضرار سيسبب على الأرجح تأخرا في تعافي سوق الأسهم الأمريكية مما يعرض السعر المستهدف لمؤشر "إس آند بي 500" الذي يتوقعه البنك للخطر.
و"كولانوفيتش" من أشهر المدافعين علنا عن توقعات صعود السوق، وقال في منتصف سبتمبر إن الاقتصاد العالمي قد يتجنب ركودا حادا وإن التوقعات للأسهم إيجابية مع اقتراب نهاية العام. لكنه سرعان ما أبدل وجهة نظره قائلا إن توقعات البنك ربما لا تتحقق قبل 2023، أو لحين انحسار المخاطر.
وكتب في مذكرة للعملاء "ما زلنا نعتقد أن النمو الآسيوي يدعم الدورة العالمية وانخفاض مراكز المستثمرين سيوفر أرضية للسوق، لكن يزداد قلقنا بشأن ارتكاب البنوك المركزية خطأ بشأن السياسات بالنظر إلى التصاعد الحالي في الخطاب الذي يميل إلى التشديد النقدي، وأثر المخاطر الجيوسياسية الجديدة بعد تعرض خط نورد ستريم لأضرار".
ولم تتحقق التوقعات الإيجابية لـ "كولانوفيتش"، الذي تم اختياره كأهم خبير استراتيجي معني بالأسهم في مسح لمؤسسات الاستثمار العام الماضي، حتى الآن في العام الجاري. وفي الصيف، أبقى "كولانوفيتش" على وجهة نظره بأن الأسهم الأمريكية على وشك الانتعاش التدريجي في 2022، وتنبأ بأن المؤشر "إس آند بي 500" سينهي العام على الأرجح دون تغيير عن مستواه في العام الماضي، وحث المستثمرين مرارا وتكرارا على الشراء خلال دورة انخفاض السوق.
البعض يرى أيضا أن أسعار الفائدة ستظل تهيمن على أداء أسواق الأسهم وكذلك أداء السندات، معللين ذلك بتبادل تأثر الأسهم والسندات ببعضهما، والمعروف أن عوائد السندات عادة ما تعكس سريعا أي تحرك في أسعار الفائدة.
ويقول خبراء إن الأسهم والسندات الأمريكية سجلت أسوأ أداء بالفعل منذ 1938 وفقا لقسم الأبحاث العالمية لدى بنك أوف أمريكا. لكن الكثير من المستثمرين يقولون إن السندات تقود العملية، إذ يلحق ارتفاع العوائد الضرر بتقييمات الأسهم في الوقت الذي يعيد فيه المتعاملون في السوق موازنة محافظهم لكي تضع في الحسبان تشديدا نقديا أقوى من المتوقع من جانب المركزي الأمريكي.
لهذا السبب قال "تشارلي مكيلجوت" العضو المنتدب لاستراتيجية الأصول لدى "نومورا" إن أسعار الفائدة باتت محور كل الأصول في العالم، وإنه لن يضع إعادة تسعير إيجابي للأسهم حتى يتضح عدم اليقين بشأن الوضع النهائي لأسعار الفائدة.
تعتقد "وي لي" كبيرة استراتيجيي الاستثمار لدى "معهد بلاك روك للاستثمار" أن المزيد من الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة الأمريكية قد يضعف النمو، في حين أن تباطؤ وتيرة التشديد النقدي قد يضر بالسندات إذ إنه يجعل التضخم أكثر رسوخا.
وخفضت "لي" تصنيفها لأسواق الأسهم في الدول المتقدمة وكذلك أدوات الدخل الثابت، معتقدة أن البنوك المركزية تواجه "خيارات صعبة" وهو ما سيثير اضطرابات في السوق.
من جانبه قال "كيث ليرنر" كبير مسؤولي الاستراتيجية والاستثمار لدى "Truist Advisory Services" إن الأسهم قد تنخفض أكثر من السندات بالنظر لارتفاع احتمال حدوث ركود في 2023. وقال "نعتقد أن الاتجاه الصعودي للأسهم سيكون محدودا لأنه ستكون هناك نتائج أعمال سيئة والمزيد من التشديد النقدي من جانب البنك المركزي".
يعتقد العديد من المستثمرين أن التحركات الجامحة ستستمر حتى يكون هناك دليل على أن الاحتياطي الفيدرالي يربح معركته ضد التضخم مما سيسمح لصانعي السياسات بوقف دورة التشديد النقدي في نهاية المطاف. أما في الوقت الحالي، فإن المزيد من التشديد ما زال ضمن الخيارات.
وقال خبراء لدى شركة "مورنينيج ستار" إنهم يتوقعون أن تظل الأسواق تتعرض لضغوط وأن تستمر التقلبات مرتفعة. وإنه لكي نحدد قاعا، تحتاج السوق إلى وضوح بشأن الوقت الذي سيبدأ فيه النشاط الاقتصادي يشهد انتعاشا مستداما وواضحا ونجد دليلا على أن التضخم سيبدأ منحنى نزوليا ويعود إلى المستوى المستهدف من المركزي الأمريكي عند اثنين بالمئة.
وعلى مدى هذه الفترة يتوقع الخبراء أن يستمر الناتج المحلي الإجمالي في التباطؤ وألا يتسارع قبل النصف الثاني من 2023، وأن يواصل المركزي الأمريكي تشديد السياسة النقدية بزيادة أعلى قليلا عن المستويات الحالية على المدى القريب، وأن يبدأ التضخم في الاعتدال خلال الأشهر القليلة المقبلة ثم ينحسر في 2023.
الكل لا ينظر لنصف الكوب الفارغ
من الناحية التاريخية، فإن الربع الأخير من العام عادة ما يقدم أفضل عائد لمؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية، إذ يحقق فيه المؤشر "إس آند بي 500" في المتوسط مكاسب بنسبة 4.2 بالمئة منذ عام 1949، وفقا لتقديرات "Almanac" لتداول الأسهم.
صحيح أن الشراء خلال فترات الانخفاض اتسم بضعف الأداء هذا العام، إذ سجل المؤشر "إس آند بي 500" أربع دورات ارتفاع بنحو ستة بالمئة هذا العام، مع تلاشي كل انتعاش ليليه قاع جديد تسجله السوق الهابطة.
وفي مدونته، كتب "كريج فير" رئيس استراتيجية الاستثمار لدى "إدوارد جونز" أنه ما زالت هناك أسباب للتفاؤل.
وأشار "فير" إلى أن مجلس الاحتياطي الاتحادي يميل إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة أقل قوة مع ضعف الاقتصاد، ناهيك عن حقيقة أن الأسواق عادة ما تبلي بلاء حسنا بعد أن تصل أسعار الفائدة إلى الذروة.
وقال إن الأسواق "يجب أن تبدأ في التعافي في نهاية المطاف"، مع بدء البنوك المركزية في تخفيف دورة التشديد النقدي. وأضاف أنه يمكن للمستثمرين استغلال الوقت قبل حدوث ذلك لإعادة موازنة محافظهم والاستفادة من انخفاض أسعار الأصول.
من جانبه قال "آدم هيتس" الرئيس العالمي لبناء المحافظ والاستراتيجية لدى "هندرسون انفستورز" إن الانخفاضات الكبيرة في الأسهم والسندات تجعل منهما استثمارا جذابا بالنظر إلى احتمال تحقيق عوائد طويلة الأجل.
وأضاف "لقد كنا في عالم لم يكن يعمل فيه شيء. لقد انتهى معظم هذا الألم. نعتقد هذا".
في غضون ذلك أيضا، يرى محللون لدى "جيه بي مورجان" أن ارتفاع مخصصات النقد ربما يوفر دعامة لكل من الأسهم والسندات، وربما يحد على الأرجح من الانخفاض مستقبلا.
المصادر: أرقام- رويترز- موني دوت كوم- مورنينج ستار- بلومبرج
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}