ترتبط جنوب إفريقيا في ذهن كثيرين بأنها أحد أهم دول العالم في التعدين، لا سيما في ظل تصدرها لسنوات طوال قائمة إنتاج الذهب وحجم إنتاجها الضخم من الكثير من المعادن، مع اشتهارها أيضا باستخراج الماس النقي.
وتقوم جنوب إفريقيا بتصدير أكثر من ثلثي المعادن التي تستخرجها للخارج، وفي الآونة الأخيرة كان الفحم والحديد ومواد البناء هي المواد الوحيدة التي يتم استهلاكها محليًا بنسب كبيرة، بينما يتم تصدير بقية المعادن والخامات الأرضية إلى الخارج بصورة شبه كاملة.
احتياطات ضخمة
وبالفعل تمتلك جنوب إفريقيا أكبر احتياطيات من عدد من المعادن، أبرزها معادن المجموعة البلاتينية (88% من الاحتياطات العالمية)، والمنغنيز (80%)، والكروميت (72%).
أما الذهب فتمتلك الدولة الإفريقية 13% من الاحتياطيات العالمية (تصل في بعض الدراسات إلى 40% في ظل خلافات حول عروق الذهب المكتشفة في البلد الإفريقي وخارجه)، كما تحتل جنوب إفريقيا المركز الثاني من حيث احتياطات التيتانيوم بنسبة 10% من الاحتياطات العالمي، والزركونيوم بنسبة 25%، والفاناديوم بنسبة 32%، والفيرميكولايت بنسبة 40%، والفلورسبار والأنتيمون بنسبة 17% من الاحتياطيات العالمية لكل منهما.
ويجعل هذا من جنوب إفريقيا بمثابة ملجأ للكثير من رؤوس الأموال الراغبة في الاستثمار في قطاعات التعدين، خاصة في ظل أهمية هذا القطاع في الاقتصاد الجنوب إفريقي، حيث يمثل أكثر من 10% من الناتج الإجمالي المحلي بحوالي 37 مليار دولار (2018) وسط تقديرات بوصول القطاع إلى 32 مليار دولار العام الماضي، وهي بذلك الدولة الخامسة من حيث نسبة مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي عالميًا.
ويشكل إنتاج البلاتنيوم والمعادن الشبيهة به قرابة 38% من عائدات التعدين في جنوب إفريقيا، متقدمًا على الفحم الذي يأتي في المرتبة الثانية بـ17% من إجمالي عائدات التعدين، ثم خامات الحديد بـ15%، يليها الذهب في المرتبة الرابعة من حيث توليد العائدات في صناعة التعدين بحوالي 13%.
وفي المرتبة الخامسة يأتي المغنسيوم بـ5% والكروم في السادسة بـ3%، ثم خامات البناء على اختلاف أنواعها بـ2% فحسب، بينما تتوزع 7% الباقية على معادن كثيرة ومتنوعة.
قطاع حيوي للدولة
وتشير بيانات الحكومة الجنوب إفريقية إلى أن قطاع التعدين يوظف أكثر من نصف مليون شخص في البلاد، 39% منهم في صناعة التعدين على البلاتنيوم والمعادن الشبيهة، و20% في قطاع تعدين الذهب، و21% في قطاع تعدين الفحم، يبنما يتم توظيف 5% فحسب من العاملين في تعدين الحديد.
وتعكس الاختلافات بين نسب المساهمة في الإيرادات والعاملين أكثر من عامل، أولها اختلاف طبيعة وسعر كل معدن منها، ومدى كثافة استخدام العامل البشري في كل صناعة، بالإضافة إلى مدى تطور البلاد في الميكنة في كل قطاع من القطاعات التعدينية السابقة.
وفيما يلي استعراض لأبرز الخامات التي يتم استخراجها من أراضي جنوب إفريقيا:
فحم
يتركز الفحم في الشمال الشرقي من البلاد، وعلى الرغم من ثمنه المتدني مقارنة بغيره من العناصر الأرضية، فإنه مهم في جنوب إفريقيا حيث إن له تأثيراً كبيراً على معدلات التوظيف.
ومعدلات الإنتاج الحالية كافية لتلبية متطلبات البلاد للقرن المقبل، ويتم استهلاك 70 في المئة من الإنتاج محليًا، مع توليد أكثر من 70 في المئة من الطلب على الكهرباء في البلاد بواسطة طاقة الفحم.
البلاتين
تشكل معادن مجموعة البلاتين، والمعروفة أيضًا باسم (PGM)، ستة معادن بيضاء فضية مستقلة. ويغطي مجمع "بوشفيلد" (Bushveld) 80 بالمئة من تعدين مجموعة البلاتين في البلاد، وتدخل مجموعة المعادن تلك في تطبيقات صناعية مختلفة، مثل تصنيع الهواتف المحمولة والأقراص الصلبة للكمبيوتر.
ذهب
تقدم جنوب إفريقيا 4.2% من إنتاج الذهب العالمي، مع احتياطيات تقدر بنحو 6000 طن وتعد منطقة "ويتواترسراند" في جنوب إفريقيا أكبر موقع لموارد الذهب في العالم، مع إنتاج يقدر بنحو ملياري أوقية من الذهب عبر التاريخ، غير أن إنتاج المعدن النفيس تراجع كثيرًا عبر السنوات.
الماس
تعد جنوب إفريقيا رابع أكبر منتج للماس في جميع أنحاء العالم، بمتوسط إنتاج سنوي يبلغ 8.15 مليون قيراط. وفي عام 2019، بلغ إجمالي مبيعات الماس 850 مليون دولار.
أزمة استثمارات
على الرغم من هذه الوفرة في الموارد المعدنية الطبيعية ، يواجه التعدين في جنوب إفريقيا أزمة حقيقية، حيث انهار إنتاج الذهب المحلي من 605 أطنان في عام 1994 إلى 100 طن عام 2021، أي أن الإنتاج تراجع بنسبة أكثر من 83% خلال 27 عامًا.
وكان لهذا الأمر تداعيات سلبية بخسارة أكثر من ربع مليون وظيفة في قطاع التعدين عن الذهب، فضلا عن تراجع عدد المناجم التي يستخرج منها الذهب، هذا على الرغم من الارتفاع الكبير الذي شهده سعر الذهب خلال هذه الفترة الطويلة.
وتشير التقارير إلى وجود العديد من الأسباب التي أدت للأزمات التي يواجهها التعدين عن الذهب، ومنها بلوغ الكثير من المناجم الكبيرة لإنتاج المعدن النفيس لمرحلة النضج (أي تراجع الإنتاج بعدها) فضلا عن وجود استثمارات كافية في مجال التعدين لا سيما عن الذهب بما يبقي الكثير من الاحتياطات تحت الأرض دون محاولة لاستخراجها.
فحصة جنوب إفريقيا من الإنفاق العالمي على التنقيب عن التعدين تراجعت بنسبة كبيرة بلغت 20.5 في المئة في عام 2020 وحدها لتحتل المرتبة السادسة في إفريقيا وتمثل أقل من 1 في المائة من الإنفاق العالمي على الاستكشاف - وهو أدنى مكان له منذ عقود وبمثابة مؤشر على الاحتياج لزيادة الاستثمارات في التعدين بصورة كبيرة.
وعلى الرغم من أن مساهمة جنوب إفريقيا في إنتاج معادن ذات اهمية متزايدة مثل البلاديوم الذي يستخدم في إنتاج البطاريات ساهم في معادلة آثار انخفاض الإنتاج من معادن أخرى، إلا أن البلاد تراجعت إلى المرتبة الثامنة عالميًا من حيث عائدات صناعة التعدين بعد الصين وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وإندونيسيا وروسيا والبرازيل وتشيلي.
ووفقًا لتقرير للحكومة الجنوب إفريقية تحتاج البلاد إلى جعل صناعة تعدين أكثر تنافسية، لن يكون هذا ممكنًا إلا إذا لعب العلم والتكنولوجيا الدور الأساسي في تغيير آفاق التكلفة والاستغلال في القطاع.، معتبرة أن الأمر يتطلب جهدًا وطنيًا يتكون من شراكات عميقة وتعاون عبر المؤسسات والصناعات.
ويشير التناقض بين كمية الاحتياطات المبشرة من ناحية وتراجع الاستخراج الفعلي من ناحية أخرى إلى الحاجة لضخ استثمارات جديدة في قطاع التعدين في جنوب إفريقيا لكي تستطيع الصناعة الوصول لتوفير عائدات كبيرة "ممكنة" لها، ولعل هذا الأمر الحادث الآن وسط تقارير تشير إلى عودة قطاع التعدين في جنوب إفريقيا للنمو بنسبة 18.1% خلال 2021 ليتصدر قطاعات الاقتصاد الوطني هناك في نسب النمو السنوية.
المصادر: أرقام- ستاتيستا- بلومبرج- بوابة الحكومة الجنوب إفريقية- جولد دوت أورج
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}