وصلت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ 9 أشهر أمس الاثنين، لتغلق عند أدنى مستوياتها منذ بداية العام، فيما يثير تراجع أسعار بعض خامات النفط دون 80 دولارًا للبرميل -برنت دون 85 دولاراً-التساؤل عما إذا كان توقعات استمراره في مستويات مرتفعة (ومرتفعة للغاية) حتى نهاية العام كانت في محلها أم لا.
فقبل بضعة أشهر استقر النفط فوق مستوى 120 دولاراً لفترة، بينما بقي فوق مستوى 100 دولار باستثناء بعض الأيام منذ بدء الصراع الروسي- الأوكراني فيما كانت كافة التوقعات تشير إلى استقرار الأسعار فوق مستوى 100 دولار حتى نهاية العام.
واقع يختلف عن التوقعات
بل وصل الأمر ببنك "جي.بي.مورجان" إلى التحذير من وصول سعر برميل النفط إلى مستويات تتخطى 380 دولارًا للبرميل إذا قامت روسيا بما وصفتها بـ"الإجراءات الانتقامية" وأوقفت إنتاج النفط تماما، بما سيؤدي إلى صدمة حادة للطلب في الأسواق العالمية ويصل بالأسعار إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.
فما الذي حدث ودفع أسعار النفط إلى الانخفاض بهذا الشكل لتخالف كافة التوقعات السابقة؟!
يجب التأكيد أولا أنه حتى خبراء النفط يشيرون إلى أن توقع أسعار النفط لفترات طويلة أمر شبه مستحيل في ظل تعدد العوامل التي تؤثر على سعره، ولذلك فإن توقع الأسعار المرتفعة كان مقترنًا باستمرار الظروف الاقتصادية الحالية أو اشتدادها وهو ما لم يحدث.
ولعل العنصر الأول الذي أدى لتراجع أسعار النفط هو استمرار روسيا في ضخ النفط حتى الآن دون توقف، وعلى الرغم من توجيه موسكو لنفطها للصين والهند، وبتخفيض سعري يصل إلى 10-20 دولارا لثمن البرميل وفقًا لبعض التقارير.
وفي هذا الإطار اطمأنت الأسواق أيضًا إلى أن الاستفتاءات التي نظمتها روسيًا في بعض المقاطعات لإعلان استقلالها عن أوكرانيا مرت –حتى الآن- دون عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسي، بما يشكل طمأنينة للمشترين بأن النفط الروسي سيبقى متاحًا وأن السوق العالمية لن تفتقد قرابة 3 ملايين برميل روسي تصدرها موسكو يوميًا.
الصفقات الأوروبية ومخازن النفط الصيني
كما أن نجاح أوروبا في إبرام صفقات طاقة مع العديد من الدول، منها النرويج وأمريكا وقطر والإمارات ومصر وغيرهم كان عنصر طمأنة هام للأسواق بأن الشتاء المقبل قد يكون قاسيًا بطبيعة الحال على أوروبا ولكن تلك الصفقات فتحت نافذة باحتمال قدرة القارة العجوز على تخطي الشتاء المقبل في ظل إغلاق موسكو خطوط الغاز التي تغذي غالبية دولها.
وبدأت تقارير كثيرة تتحدث عن أن الصين ملأت بالفعل خزاناتها من النفط بفعل مشترياتها من النفط الروسي خلال الفترة الماضية، وأن هذا أدى لتراجع الطلب الصيني على النفط، وتؤثر الصين بشدة على سعر النفط في ظل استهلاكها قرابة 16% من إنتاجه عالميًا.
كما أن مخاوف الركود أصبحت أكثر جدية في الولايات المتحدة، مع وصول سعر الفائدة الأمريكية إلى مستوى 3.25% مع تعهد "الفيدرالي الأمريكي" بالاستمرار في رفع الفائدة لحين السيطرة على التضخم والوصول بنسبته إلى الرقم المستهدف وهو 2%، بما يعني تغذية المزيد من المخاوف المتعلقة بالركود.
وما فاقم من تلك المخاوف حقيقة دخول بنوك مركزية أخرى مثل البنك المركزي السويدي والبريطاني والعديد من البنوك المركزية في الدول النامية سباق الرفع بما أثار مخاوف ركود عالمي بفعل ارتفاع أسعار الفائدة من جهة، وبفعل حروب البنوك المركزية التي بدأت رحاها والتي تشجع الأموال الساخنة وحركتها على حساب الاستثمار المستقر وبالتالي تهدد بتقويض انتعاش الاقتصاد العالمي.
إلى متى؟
ومن ضمن العناصر الهامة جدًا في تراجع سعر النفط هو بلوغ الدولار أعلى مستوياته منذ 20 عامًا (كما يشير مؤشره الذي يقيس قيمة العملة الأمريكية أمام سلة من 6 عملات)، وعادة ما تؤثر قوة الدولار بالسلب على أسعار النفط، بما يجعل ارتفاع الدولار ارتفاعا لسعر النفط عالميًا بشكل غير مباشر (نظرًا لارتفاع سعره بالعملات المحلية لمختلف الدول مع تراجعها في مواجهة الدولار).
والشاهد أن كافة العوامل المذكورة تدفع للانخفاض، وكان من شأنها الوصول بأسعار الذهب الأسود لمستويات سعرية منخفضة للغاية، ربما دون 60 دولارا، ولكن وجود العوامل الأخرى الأساسية المتعلقة باستمرار بعض آثار اختلالات هيكل العرض بسبب العقوبات على روسيا وتغيير هيكل الطاقة عالميا وأوروبياً هو ما أسهم في إبقاء النفط في مستويات فوق 80 دولارا للبرميل إجمالًا.
وغالبا ما ستعاود أسعار النفط ارتفاعها خلال أشهر الشتاء المقبل، مع تيقن الجميع من أن تحركات أوروبا لم تكن كافية لمنع الشتاء الذي وصفه المستشار الألماني بأنه سيكون "الأقسى منذ عقود"، بما سيؤدي لارتفاع أسعار النفط، لا سيما مع صعوبات لوجستية عدة في نقل الغاز ستؤدي لزيادة الضغط على بديله أي النفط في الكثير من الاستخدامات.
ويبدو أن سوق النفط سيخضع في المرحلة المقبلة للعديد من الاختبارات، لعل أولها الشتاء الأوروبي الذي سيرفع الأسعار، وثانيها تطورات الحرب الأوكرانية ليبقى الاختبار الأهم هو آثار الرفع المستمر من قبل البنوك المركزية لأسعار الفائدة، الأمر الذي يهدد على الجانب الآخر الاقتصاد العالمي بركود من شأنه أن يهوي بأسعار النفط، لتبقى كافة الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها فيما يتعلق بأسعاره الفترة المقبلة.
المصادر: أرقام- بلومبرج- أويل برايس- رويترز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}