نبض أرقام
12:53 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

"بي واي دي" تتطلّع للسيطرة على السوق العالمية بكونها تمثّل كل ما هو عكس "تسلا"

2022/08/20 اقتصاد الشرق

بعد انتقال بي كي ساكسينا من مدينة أديلايد في جنوب أستراليا إلى بلدة بوليرو سينتر الصغيرة في يناير، وجد مدرّس الثانوية ذو السادسة والثلاثين عاماً نفسه يسافر برحلة يومية تبلغ نحو 75 كيلومتراً من وإلى مدرسته الجديدة في ريف أولورو، فقرر التحوّل لقيادة سيارة كهربائية. يقول عن ذلك: "تزداد التكاليف التي تدفعها للبنزين بالفعل عندما تنتقل إلى الريف".
 

فكر ساكسينا لفترة وجيزة بأن يشتري طراز السيارة الكهربائية الأقل ثمناً من شركة "تسلا"، أي طراز 3، لكنه استقر في النهاية على سيارة "أتو 3" بلون رمادي معدني من شركة "بي واي دي" الصينية الحديثة العهد على السوق المحلية، والتي رغم عدم شهرتها في أستراليا، إلا أنها شركة عملاقة في وطنها، حيث تُصنّع السيارات منذ حوالي عقدين. كما يعدّ وارين بافيت من قدامى المستثمرين فيها.
 

ويتوقع ساكسونا أن يستلم سيارة "بي واي دي" خاصته قريباً التي اشتراها بسعر يبلغ حوالي 47 ألف دولار أسترالي (33 ألف دولار أمريكي)، أي ما يبلغ ثلثي تكلفة الطراز 3 من "تسلا".

ويقول: "إنها تضرب على الوتر الحساس، فهي ليست مكلفة مثل بعض السيارات ذات النطاق البعيد لكن فيها ما يكفي لإيصالك إلى الوجهة التي تريد".

 

استطاعت "تسلا" ورئيسها التنفيذي ذو الشهرة الواسعة إيلون ماسك الاستحواذ على اهتمام المستثمرين والسائقين في جميع أنحاء العالم برؤيتها لمستقبل التنقّل الكهربائي.

لكن مؤسس شركة "بي واي دي" ورئيسها التنفيذي الملياردير وانغ تشوان فو ينافس لتحويل شركته، التي تُعدّ بالفعل أكبر مُنتج للسيارات الكهربائية في سوق الصين شديد التنافسية، إلى لاعب عالمي رئيسي في النقل الكهربائي باتبّاعه لنهج مختلف تماماً.

وإن نجح في التوسع دولياً فقد يحقق مستوى من الاعتراف والحجم الذي استعصى على عدد لا يحصى من شركات صناعة السيارات الصينية الأخرى.

 

اللا "تسلا"
 

تعد "بي واي دي" من نواح عدة المُعاكسة لشركة "تسلا". ففي حين بدأ ماسك ببيع سيارات السيدان الفاخرة التي يمكن أن يتجاوز سعرها الستة أرقام، ركزّ وانغ منذ البداية على تطوير سيارات بأسعار معقولة في متناول السائقين من الطبقة المتوسطة في الصين.

كذلك على عكس "تسلا"، التي لم تطلق بعد حافلة كهربائية وواجهت صعوبات في التعامل مع الشاحنات، تمتلك "بي واي دي" خط إنتاج متنوع من المركبات التي تعمل بالكهرباء يضم شاحنات ورافعات شوكية وحافلات.

وفي الوقت الذي يعادي ماسك النقابات العمالية، نجد أن لدى وانغ قوة عاملة منظمّة نقابياً في مصنعه في لانكستر بولاية كاليفورنيا الذي يصنع الحافلات للسوق الأميركية بشكل رئيسي.

 

من جهة أخرى تختلف الشركان من حيث نهج التعامل مع الحكومات في بلدانهم الأصلية، حيث تبادل ماسك الانتقادات اللاذعة مع الرئيس جو بايدن، بينما استضاف وانغ يوم 17 أغسطس الحالي زيارة قام بها رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ مجرياً جولة في مقر "بي واي دي"، تعهد خلالها بمواصلة دعم سوق السيارات الكهربائية.

وقال لي إن "بي واي دي" يمكن أن تصبح "الورقة الرابحة" إن تمكنت من الجمع بين روح العلم والحرفيّة.

 

مع ذلك، فإن تبني "بي واي دي" لنهج التكامل العمودي في التصنيع قد يمثل أكبر اختلاف لها عن "تسلا"، وربما ميزة لصالحها عن "تسلا" وشركات صناعة السيارات سواء الأقدم، أو التي تدخل الآن مجال صناعة السيارات الكهربائية.

كان وانغ، وهو خريج كلية الكيمياء وينتمي إلى عائلة زراعية من أوائل المدافعين عن هذه الاستراتيجية، حيث لم يقتصر دور شركة "بي واي دي" على تصنيع المركبات فحسب، بل أنتجت أيضاً أشباه الموصلات والبطاريات الخاصة بها.

وتعد الآن ثالث أكبر منتج في العالم لـبطاريات السيارات الكهربائية، وتمتلك 14% من السوق العالمية في هذا القطاع، بعد منافستها الصينية "كونتيمبوراري أميبريكس تكنولوجيز" (Contemporary Amperex) و"إل جي إنيرجي سيلوشن" (LG) في كوريا الجنوبية.

وقال نائب الرئيس التنفيذي، ليان يو بو خلال يونيو الماضي إن الشركة تستعد لبيع البطاريات لشركة "تسلا".

 

السيطرة على البطاريات
 

قاد تزايد الطلب على المركبات الكهربائية إلى حدوث نقص في الليثيوم، وهو مادة أساسية في البطاريات.

ويعتمد وانغ الآن على المكاسب من بناء علاقات وثيقة مع منتجي المعدن الأساسيين. فنائبه في شركة "بي واي دي"، وهو نائب رئيس مجلس الإدارة ليف شانغ يانغ هو أيضاً رئيس شركة "يونغي" (Youngy) وهي شركة صينية لمعالجة الليثيوم.

وكانت الشركة قالت في يونيو إن إحدى الشركات التابعة لها فازت بطلبية كبيرة من "بي واي دي".

وفي مارس وافقت "بي واي دي" على استثمار حوالي 3 مليارات يوان (442 مليون دولار) في مجموعة "شانغشين ليثيوم" (Chengxin Lithium) وهي شركة توريد لها مشاريع في مقاطعة سيشوان الصينية والأرجنتين وإندونيسيا.

 

يقول تايلور أوغان، الرئيس التنفيذي لصندوق "سنو بول كابيتال" (Snow Bull Capital)، وهو صندوق تحوط يركز على التكنولوجيا الخضراء ويمتلك حصصاً في كل من "بي واي دي" و"تسلا": "تعدّ "بي واي دي" أكثر شركة متكاملة عمودياً رأيتها على الإطلاق، ليس فقط في مجال السيارات. فـ"بي واي دي" تفعل كل ما تحاول "تسلا" القيام به تقريباً، وأكثر من ذلك بكثير".
 

سيارات رخيصة
 

لا تعد فكرة إنتاج سيارات كهربائية مجهزة جيداً ورخيصة نسبياً للجماهير أمراً جديداً. إذ شغل ماسك عناوين الصحف عام 2018 عندما قال إن "تسلا" قد تطرح سيارة بقيمة 25 ألف دولار في غضون ثلاث سنوات.

لكنه لم ينجح في ذلك أبداً، وكرر ماسك تعهده في عام 2020. ونتج عن ذلك خطط الشركة لإطلاق سيارة "إيفري مان" الكهربائية من "تسلا" في وقت ما من عام 2023. لكن في يناير من هذا العام، قال ماسك للمستثمرين إن الشركة كانت مشغولة جداً بالمشاريع الأخرى بحيث لم يعد بإمكانها التركيز على إنتاج سيارة قليلة التكلفة للجماهير في الوقت الحالي.

وتبلغ تكلفة السيارات الأقل سعراً من "تسلا" حالياً 46 ألفاً و990 دولاراً في الولايات المتحدة و280 ألف يوان مع الإعانات الحكومية في الصين، وهما السوقان الأكبر للشركة.


على النقيض من ذلك، ومع الإعانات الحكومية يبدأ سعر السيارة الكهربائية الأقل ثمنّاً من شركة "بي واي دي" 96 ألف يوان فقط.
 

سوق عالمية
 

تبدو أستراليا واحدة من بين الدول التي يرى فيها وانغ فرصاً لتكرار استراتيجية شركته الناجحة للتسويق الشامل.

وتستحوذ "بي واي دي" التي يقع مقرها في مركز التكنولوجيا في مدينة شنجن، على نحو 26% من مبيعات السيارات الجديدة العاملة بالكهرباء في الصين، متقدّمة بكثير على "تسلا" التي تحتل المرتبة الثانية بنسبة 11%، وفقاً لـ"سيتي غروب".

 

كذلك بدأت "بي واي دي" بيع سيارتها الكهربائية ذات الدفع الرباعي "هان" في البرازيل، وأبرمت اتفاقيات مع شركاء لفتح وكالات في أستراليا ونيوزيلندا، وكشفت مؤخراً عن خطط لدخول العديد من الدول بما في ذلك ألمانيا وإسرائيل وتايلاند.
 

ويراهن وانغ على أن التوسع سيكون لصالح "بي واي دي" ويمنحها الأسبقية فيما ينتقل العالم إلى السيارات الكهربائية، وهو انتقال سيطرت عليه الصين.
 

وباستثناء "تسلا"، لا تزال معظم شركات صناعة السيارات الرئيسية في المراحل الأولى لطرح سياراتها الكهربائية. أما بالنسبة لـ"بي واي دي"، فهذا يعني "أن لديهم الفرصة لترسيخ أنفسهم والوصلو لمرحلة معينة من التوسع، فلا يوجد الكثير من العلامات التجارية التي تقدم منتجات تنافسية بأسعار تنافسية" كما يقول بن سيلوين، مدير شركة الاستشارات "إيه سي إيه ريسيرش" (ACA) الواقعة في شمال سيدني.
 

ويبدو أن استراتيجية وانغ قد نجحت بالفعل على صعيد عدة مقاييس. إذ إن "بي واي دي" الآن تعد ثالث أكبر شركات صناعة السيارات قيمة في العالم (بعد "تسلا" و"تويوتا") برأسمال سوقي يبلغ حوالي تريليون دولار هونغ كونغ (127.5 مليار دولار).

ورغم أن شركة "بي واي دي" ترتكز على أعمال قديمة في بيع السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، إلا أن الشركة قالت في أبريل إنها توقفت عن تصنيعها.

وباعت هذا العام 800 ألف سيارة ركاب جديدة تعمل بالكهرباء حتى شهر يوليو، أي أكثر من مبيعاتها خلال عام 2021 بالكامل.

وقالت متحدثة باسم الشركة في رد عبر البريد الإلكتروني: "تلتزم "بي واي دي" بتلبية احتياجات المزيد من قطاعات السوق من خلال تقنيات ومنتجات كهربائية جديدة أكثر أماناً وموثوقية لتسريع اعتماد المركبات الكهربائية الجديدة".

 

التغلّب على مشاكل التوريد
 

من جهة أخرى ساعد اعتماد "بي واي دي" على نفسها في تجنبها بعضاً من اختناقات سلاسل التوريد التي أعاقت شركات صناعة السيارات الصينية الأخرى، وفقاً لكيلفن لاو المحلل لدى "دايوا كابيتال ماركتس" (Daiwa) التي تقع في هونغ كونغ، ويقول المحلل إنه على مدى الاثني عشر شهراً الماضية "سجلت "بي واي دي" زيادات مستمرة في المبيعات، بينما كان الآخرون يتأرجحون بين الزيادة والنقصان وفقاً للمعروض في سلاسل توريد الرقائق".
 

يتطلع وانغ إلى بيع سياراته في اليابان، حيث لن تتمكن "تويوتا" واللاعبون الكبار الآخرون من توفير أعداد كبيرة من المركبات الكهربائية لعدة سنوات، وسيكونون أكثر عرضة لتقلبات سلاسل التوريد.

فيما يمثل فرصة لشركة "بي واي دي" التي يمكنها الاعتماد على بطارياتها عالية الأداء، كما يقول أتسوكي توفوكوجي، رئيس شركة "بي واي دي أوتو اليابان": "إنها أكبر ميزاتنا".

 

لكن هناك سؤالاً واحداً في غاية الأهمية يوجّه إلى وانغ، وهو إلى متى يمكن أن تستمر هذه الميزة بالنسبة لشركته؟ ففي حين لا تستطيع الشركات ذات الوزن الثقيل في الصناعة مثل "تويوتا" منافسة سيارات "بي واي دي" الكهربائية في الوقت الحالي، إلا أنه بالنظر لحجم الاقتصادات التي يتمتع بها صانعو السيارات اليابانيون، فمن المرجح أن يلحق اللاعبون الراسخون بالركب سريعاً عندما يصبحون مستعدين لنشر المركبات الكهربائية على مستوى العالم في غضون سنوات قليلة، كما يقول كوتا يوزاوا، رئيس أبحاث السيارات في آسيا في مجموعة "غولدمان ساكس": "لن تكون ميزة أصحاب الأسبقية بهذه الأهمية الكبيرة في صناعة السيارات الكهربائية".
 

صعوبات عالمية
 

يُعدّ السعي لتحقيق التكامل العمودي من خلال الاستثمار في إنتاج الليثيوم في الخارج محفوفاً بالمخاطر أيضاً، حيث قد لا يكون المسؤولون الحكوميون حول العالم بنفس الوديّة مع "بي واي دي" كنظرائهم الصينيين.

حيث تلقت "بي واي دي" تذكيراً بأنها غير مرحب بها في يونيو عندما ألغت المحكمة العليا في تشيلي عقداً حكومياً فازت به "بي واي دي" في يناير لإنتاج الليثيوم هناك.

وتقول كايتلين بوردي المؤلفة المشاركة في كتابة العديد من تقارير "معهد بروكينغز" (Brookings) مؤخراً حول عمليات التعدين كهذه: "سيكون من الصعب حقاً تشغيل المشاريع والحفاظ على استمرارية إنتاجها".

 

لكن يبقى السؤال الكبير الذي يواجه وانغ الآن يدور حول ما الذي سيفعله وارن بافيت المستثمر الأسطوري.

وكانت نمت أسهم "بي واي دي" التي تمتلكها شركة "بيركشاير هاثواي" العائدة لبافيت من 230 مليون دولار في عام 2008، لتساوي الآن حوالي 8 مليارات دولار.

وفي منتصف شهر يوليو، ظهر حجم من أسهم "بي واي دي" مطابقاً للحجم الذي يعود لشركة "بيركشاير" في نظام مقاصة سوق الأوراق المالية في هونغ كونغ.

وغالباً ما ينظر التجار إلى هذه التحركات كدليل على المبيعات، لأن الأسهم يجب أن تدخل النظام قبل تسوية المعاملات. لم تستجب شركة "بيركشاير هاثواي" لطلبات التعليق حول حقيقة خروجها من "بي واي دي".

 

فيما سلطت إمكانية خروج بافيت من الشركة الضوء على نقطة ضعف أخرى في "بي واي دي"، ألا وهي هوامش ربح الشركة الضئيلة، حيث شكلت الأرباح أقل من 2% من إيرادات عام 2021 مقابل حوالي 10% لشركة "تسلا". ويرجع ذلك جزئياً إلى تركيز "بي واي دي" على بيع أعداد كبيرة من السيارات في السوق.
 

تُباع أحدث طرازاتها، وهي سيارة دفع رباعي تسمى "يوان بلس" (Yuan Plus) تحت اسم "أتو 3" في الأسواق الخارجية، بأقل من 137 ألفاً و800 يوان مع الإعانات الحكومية. بينما أقرب طراز منافس لها من "تسلا"، الموديل واي، يكلف 316 ألفاً و900 يوان.
 

تركز "بي واي دي"على النمو الخارجي بدلاً من الربحية قصيرة الأجل كما يقول ستيف مان، كبير محللي السيارات في "بلومبرغ إنتليجنس" في هونغ كونغ، حيث يضيف إن "استراتيجية الشركة تتمثل بدخول السوق وزيادة التوسع . فهم يتطلعّون إلى ما بعد الصين".
 

بالعودة إلى بوليرو سينتر في أستراليا فإن المدرّس ساكسينا يتوق للجلوس خلف عجلة قيادة سيارته الخاصة من "بي واي دي" أخيراً، رغم اعترافه بالمخاطرة التي قام بها بشرائها ويقول: "لست قلقاً حول الجودة الهندسية، ولكن ما يقلقني هو مدى معرفتهم بالأسواق خارج الصين وما يريده المستهلكون فيها؟ إنها قفزة كبيرة تستند على الإيمان"، وكذلك الأمر بالنسبة خطة وانغ لدخول مسار "تسلا".

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.