نظمت وزارة الطاقة السعودية بالأمس حفل إطلاق المرحلة الأولى من تطوير حقل "الجافورة" للموارد غير التقليدية، وهو الحقل الذي سوف يساهم مستقبلاً في الاستغناء عن حرق ما يقارب نصف مليون برميل يوميًا من النفط وكذلك سيشكل نقطة جوهرية في توليد 50% من الطاقة الكهربائية للمملكة من الغاز، فضلاً عن إسهامه في الناتج المحلي بشكل كبير في السنوات القادمة "20 مليار دولار حسب توقعات وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان".
من المعلوم أن الغاز يساهم بنسبة معتبرة في مزيج توليد الكهرباء العالمية، حيث يحتل المركز الثاني ويأتي تالياً للفحم وسابقاً للطاقة الكهرومائية، وتزيد مؤخراً اعتمادية العديد من حكومات العالم على الغاز الطبيعي والمُسال والتحول ناحيته لما يُمثله من مقدار تلوث وانبعاثات أقل مقارنة بباقي الموارد الهيدروكربونية لذا فهو يُعد مورد طاقة مثاليا للانتقال إلى عصر الطاقة النظيفة.
ورغم المساهمة الكبيرة للغاز في سوق الطاقة العالمية، إلا أنه تعرض لانتكاسة في 2020 مثله مثل باقي موارد الطاقة مع تدهور الطلب بدرجة كبيرة وضعف الاحتياجات له بدافع من قيود الحركة والتنقل ووقف النشاط الاقتصادي، حيث تقلصت عقود الغاز المسال بمقدار 30% في 2020 مقارنة بـ 2019 بينما مقارنة بـ 2018 فقد كان الانخفاض بمقدار 45%، لكنه استطاع في 2021 أن يمحو كل خسائره ويحقق مكاسب تاريخية غير مسبوقة.
دراسة لوكالة الطاقة الدولية iea، أصدرتها منتصف 2019، قالت فيها إن الغاز الطبيعي بمقدوره أن يكون عنصراً انتقالياً يساهم كثيراً في خفض الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء عبر إحلاله محل عناصر أخرى أكثر تلويثاً وبخاصة الفحم، هذه الدراسة ركزت على ثلاثة أسواق رئيسية في استهلاك الفحم وماذا لو نفذت هذه الأسواق تحولها ناحية الغاز الطبيعي، كيف سيكون الأثر على الانبعاثات؟
في الصين -أكبر مستهلكي الفحم في العالم- ارتفع بشكل ملحوظ الطلب على الغاز في السنوات الأخيرة بدافع من التحول في السياسات الحكومية ناحية تصفير الانبعاثات وخفض التلوث الصناعي، وبدأت أجهزة الدولة الصينية في إحلال وتبديل خطوط الإنتاج الصناعية وأنظمة التدفئة المنزلية للتحول صوب الغاز بدلاً من الفحم في عدة مناطق من الحضر والأرياف، ورغم أن الغاز لا يزال يمثل حصلة أقلية في توليد الكهرباء الصينية لكن تضاعفت هذه الحصة حوالي 7 مرات بين 1990 و2018.
أكبر الدول المصدرة للغاز المُسال حتى 2021 |
||
الترتيب |
الدولة |
الكمية (مليون طن متري) |
1 |
أستراليا |
87.5 |
2 |
قطر |
77.4 |
3 |
الولايات المتحدة |
71.6 |
4 |
ماليزيا |
30.0 |
5 |
الجزائر |
29.3 |
6 |
روسيا |
28.9 |
7 |
نيجيريا |
22.2 |
8 |
إندونيسيا |
19.5 |
9 |
ترينداد وتوباغو |
15.3 |
أما في أوروبا، فالوضع كان غريباً بعض الشيء لأن حصة الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء بالشبكة الأوروبية قد تراجعت بين 2010 و2018 وفي الولايات المتحدة ارتفعت حصة الغاز الأزرق بشكل طفيف على مدى فترات المقارنة في دراسة الوكالة، لكن على الناحية الأخرى كانت السوق الأمريكية هي الأكثر تخفيضاً لحصة الفحم في مزيج طاقتها الكهربائية مقارنة بباقي أسواق الدراسة، أما الهند فكانت السوق الأكثر تدهوراً بتصدرها لأكبر نسبة ارتفاع للفحم في مزيج الكهرباء مع تباطؤ شديد في نسبة إحلال الغاز محل الفحم لديها بسبب ضعف البنية التحتية اللازمة لتنفيذ هذا التحول وهشاشة السياسات الحكومية اللازمة.
الإحلال دون بناء بنية تحتية جديدة
من أكثر العوامل التي تساعد في نجاح التحول من الفحم إلى الغاز الطبيعي، هي أن البنية التحتية الخاصة بالغاز والقائمة حالياً هي كفيلة وحدها بدون تغييرها أو بناء أخرى جديدة في تقليل الانبعاثات الكربونية وتمهيد الطريق للتحول من الفحم للغاز، ذلك فقط في حال كانت السياسات الحكومية مشجعة والمحفزات السوقية والتجارية مواتية ومغرية، مع العلم بأن معظم هذه العوامل المساعدة موجودة بالسوقين الأمريكي والأوروبي، وفي حال نفذت حكومات "واشنطن" و"بروكسل" هذه السياسات والمحفزات المطلوبة فإن ذلك سيسهم في تخفيض الانبعاثات بمقدار 10% في انبعاثات الطاقة فقط و4% انخفاضا في انبعاثات جميع المصادر.
أسعار الغاز
على الرغم من أن الثورة الصخرية في الولايات المتحدة قد خفضت من أسعار الغاز الطبيعي على مدار العقد الماضي لكن النمو في الغاز المسال آخذ في الازدياد والتوسعات المستمرة لشركات الطاقة في قطاع الغاز المُسال والمدفوعة باستثمارات ضخمة في السوق الأمريكي والأسواق المختلفة حول العالم، تعني أن هناك طلباً كبيراً وتوقعات قوية بأن المستقبل سيكون للغاز المُسال سواء كان ذلك الطلب من داخل الأمريكتين أو في الخارج نحو آسيا وبالأخص اليابان وكوريا الجنوبية، أو قارة أوروبا التي تتوق نحو بديل رخيص وموردين جدد يخففون من ضغوط ارتهان اليورو بالغاز الروسي الذي تستخدمه "موسكو" كسلاح اقتصادي وجيوسياسي.
المعيار الثاني والأهم لزيادة الطلب على الغاز مستقبلاً هو أن التطوير المستمر في تكنولوجيا الإسالة مكنت الشركات من عرض شحناتها بأسعار أرخص على مدار العقد الماضي للدرجة التي جعلت توليد الطاقة الكهربائية من الغاز أكثر وفرة من الناحية المالية مقارنة بالفحم الذي اعتاد السوق أن يتعامل معه على أنه المورد الطاقوي الأرخص.
*كيف تقرأ الرسم البياني؟: في 2013 كانت الميجاواط المنتجة من الغاز تتكلف 11 يورو أغلى من نظيرتها المنتجة من الفحم، لكن في 2017 أصبحت 21 يورو أرخص من نظيرتها المنتجة بالفحم.
الاستثمار في المستقبل
هناك مشروعات تحت التنفيذ سوف تضيف 70 مليون طن إضافية على قدرة الإسالة لكل الدول المنتجة للغاز المُسال، تتركز هذه المشروعات في الولايات المتحدة وإندونيسيا وماليزيا وروسيا، وقبل الجائحة مباشرة في 2019 دخل الخدمة 4 مصانع إسالة جديدة رفعت قدرات التسييل العالمية إلى 430 مليون طن.
إذن خلاصة القول، الغاز مورد مثالي للعقود الثلاثة أو الأربعة القادمة حسبما ترجح أغلب الدراسات لأنه يمثل مرحلة انتقالية ضرورية بين مصادر الطاقة الهيدروكربونية ومصادر الطاقة النظيفة، بين عصر التلوث القديم والعصر الكهربائي الجديد، بين محرك الاحتراق الداخلي والبطارية الكهربائية.
وما حدث الشهور القليلة الماضية ولا يزال يحدث حتى الآن من نقص في الطاقة وعجز في تلبية الطلب على موارد الطاقة في آسيا وأوروبا بمواسم الشتاء هو خير دليل على فشل خيار الانتقال الفوري ناحية الطاقة المتجددة دون وجود جسر يؤمن هذا الانتقال.
الغاز يستطيع لعب هذا الدور في السنوات القادمة، أن يلعب دور "الجسر" من أجل تأمين تحول هادئ ومتدرج وحكيم ناحية العصر الجديد بدلاً من التخلي المتهور عن مصادر الطاقة الهيدروكربونية في وقت مبكر عن الوقت المناسب، تحت ضغط الجماعات البيئية وإرضاءً لوسائل الإعلام الموالية لهذا الاتجاه، وفي النهاية الذي دفع ثمن هذا التهور هو المستهلك.
المصادر: أرقام – وكالة الطاقة الدولية – بورصة عقود الغاز الأوروبية – ماكينزي اند كو – bp – الاتحاد الدولي للغاز igu.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}