تدرس الجهات الرقابية في الصين فرض عقوبات جديدة، وربما غير مسبوقة على شركة "ديدي"، بعد طرحها العام الأولي في يونيو الماضي، وذلك فقاً لما ذكرته وكالة "بلومبرغ".
من جهتها، قالت الحكومة الصينية والهيئات المسؤولة عن تنظيم السوق، في بيان، إن مسؤولين من حوالي إحدي عشرة هيئة وسلطة تتقصي الأمر، منها: هيئة مكافحة الفساد ووزارات الأمن العام، وأمن الدولة، والموارد الطبيعية، إلى جانب هيئات الضرائب والنقل ومكافحة الاحتكار، التي بدأت تحقيقاً في مكاتب الشركة.
ما هى "ديدي"؟
هي أكبر شركة نقل تشاركي فى الصين وهى التى أخرجت "أوبر" من السوق الصيني قبل خمس سنوات، واستحوذت علي عمليات الشركة الأمريكية بعد حرب حرق أسعار باهظة الثمن وتكسير عظام.
الاكتتاب العام لـ"ديدي" في الثلاثين من يونيو الماضي يعتبر ثاني أكبر اكتتاب في الولايات المتحدة تجريه شركة صينية، بعد مجموعة علي بابا، مما منح "ديدي" قيمة سوقية تبلغ حوالي 68 مليار دولار، وجمعت الشركة مبلغاً يقدر بـ4.4 مليار دولار فى الاكتتاب بسعر 14 دولارا للسهم الواحد.
ماذا حدث؟
بعد يومين من الاكتتاب فى السوق الأمريكية، إدارة الأمن السيبراني الحكومية الصينية المعروفة بـ"CAC" أعلنت أنها ستقوم بإجراء تحقيق ومراجعة لـ"ديدي" لمنع ما أطلقت عليه "مخاطر اختراق البيانات"، وذلك حمايةً للأمن القومي والمصلحة العليا.
بعض المصادر أخبرت وكالة "بلومبرغ" أن إدارة الأمن السيبراني الحكومية كانت قد طلبت من "ديدي" أن تتمهل قبل الاكتتاب لمعالجة المسائل الأمنية، لكن الشركة تجاهلت هذا الطلب.
أبرز الملاك فى شركة "ديدي" |
|
سوفت بنك |
%21.5 |
أوبر |
%12.8 |
المؤسس تشنج ويي |
%7 |
تنسنت |
%6.8 |
بعد يومين من الإدراج فى الولايات المتحدة، الهيئات التنظيمية الحكومية الصينية أعلنت أنها رصدت انتهاكاً صارخاً لطريقة جمع ومعالجة واستخدام بيانات العملاء الشخصية وأمرت بسحب التطبيق من المتاجر الإلكترونية.
"ديدي" فى الخامس من يوليو، أنكرت معرفتها بالتحذير المسبق للإدراج الذي تحدثت عنه المصادر لـ"بلومبرغ"، صحيفة "جلوبال تايمز" المقربة من الحزب الحاكم فى الصين قالت فى إحدي إصداراتها مؤخراً: إن "ديدي" بلا شك لديها معلومات السفر الأكثر تفصيلا عن الأفراد مقارنة بباقي شركات الإنترنت الكبيرة، ويبدو أن لديها القدرة على إجراء "تحليل ضخم للبيانات" وعن طريقه تستطيع التنبؤ ومعرفة السلوكيات والعادات الشخصية.
"ولحماية الأمن القومي الصيني ومصلحة العملاء وبياناتهم الشخصية كان علي الحكومة أن تكون أكثر تشدداً حيال هذا الأمر" وفقا لـ"جلوبال تايمز"، وفى السادس من يوليو قررت الحكومة ومجلس الدولة الصينيان القيام بتحسينات وتعديل على التشريعات والقوانين المتعلقة بأمن البيانات وتدفق البيانات العابر للحدود وإدارة المعلومات الشخصية أو السرية.
الحكومة الصينية لا تستهدف "ديدي" فقط بهذه التعديلات التشريعية والمراجعات القانونية، بل أيضا تضع نصب أعينها شركتين أخريين هما: أليانس وخانزون، بعد الانتهاء من "ديدي".
صعوبة الإدراج في الخارج
تعتبر الرغبة فى إدراج أسهم أي شركة صينية خارج الصين أمراً بالغ التعقيد والتشابك ويتطلب موافقات عديدة من جهات عليا وعلى رأسها مجلس الدولة ومجلس الوزراء الصينيين، وهو ما يعقد الأمور أكثر وأكثر.
وللالتفاف حول هذه القواعد المعقدة، وفى ظل رغبة الشركات الصينية فى الانطلاق نحو العالمية والاتجاه نحو عاصمة المال العالمية فى نيويورك، وجدت الشركات الصينية الحل المرضي للطرفين، الحزب الشيوعي والمستثمرين فى وول ستريت.
وهو تأسيس كيان مخصص لهذا الغرض يمكن اعتباره وسيطًا بين الشركات وبين البورصات الأمريكية، وكان تأسيسه يعود لعام 2000 عبر شركة "سينا كورب" الصينية، هذا الكيان تستخدمه معظم شهادات الإيداع الأمريكية بما فيها شهادات "ديدي".
لكن كان هذا قبل الإدراج الأخير لـ"ديدي" الذي كان القشة التى قصمت ظهر الحزب الشيوعي، والذي تبين معه أن السلطات الصينية قد طفح بها الكيل من هذا الأسلوب المتلاعب والالتفاف المستمر طوال عقدين من الشركات الخاصة حول القانون والقواعد فى ظل حرب اقتصادية علنية ومباشرة بين واشنطن وبكين.
يقول "فريزر هوي" مؤلف كتاب الرأسمالية: الأسس المالية الهشة للصعود الاستثنائي الصيني: "موت شهادات الإيداع الأمريكية أضحي حتمياً".
بمناسبة الالتفاف والتلاعب بالقانون وبالحزب الشيوعي، يقول "توم ماسي" المدير المشارك بصندوق جي دبليو آند كيه: "من المهم أن تمتلك أسهمًا تتماشي مع توجهات الحزب والحكومة، وأنا لن أمول شركات ستلتف على ما تريده الحكومة الصينية".
عدد الشركات الصينية المدرجة فى السوق الأمريكي |
مقدار المبلغ الذي جمعته الشركات الصينية من السوق الأمريكي بين 1999 و2021 |
400 |
100 مليار دولار |
إحصائيات عن عمليات "ديدي" حتى 2020 |
|||||
عدد السائقين النشطين/سنوياً |
عدد السيارات داخل الصين |
المستخدمون النشطون/ الشهر |
التدفقات المالية/ اليوم |
الإيرادات فى 2020 |
|
13 مليونا |
600 ألف |
156 مليونا |
25 مليون دولار |
21.6 مليار دولار |
|
مشوار "ديدي" :2012 -2021 |
|||||
2012 – 2014 |
تشنج ويي الموظف السابق فى علي بابا يؤسس شركة ديدي للنقل التشاركي بدعم من شركة تنسنت.
|
||||
2015 |
اندماج "كوايدي" للنقل التشاركي التابعة لـ"علي بابا" مع "ديدي" ليصبح اسمها "ديدي كوايدي".
|
||||
"أوبر" تدخل المنافسة فى السوق الصيني عبر الشراكة مع "بايدو" الصينية لضرب تحالف "ديدي كوايدي".
|
|||||
تحالف "ديدي كوايدي" ينجح فى النمو ويسيطر علي 80% من السوق. وتغير اسمها إلي "ديدي شوشينج".
الشركة تستثمر فى منافسي "أوبر" مثل "ليفت" الأمريكية و"أولا" الهندية و"99" البرازيلية و"تاكسيفاي" الأوروبية.
|
|||||
2016 |
"ديدي شوشينج" تستحوذ علي عمليات"أوبر " في الصين مقابل أن تملك الأخيرة حصة 12.8% فى الأولى.
|
||||
2017 |
"سوفت بنك" الياباني يدخل كمستثمر فى الشركة ويضخ 6 مليارات دولار.
الشركة تنجح فى جمع نحو 9.5 مليار دولار من جولات تمويلية جديدة.
|
||||
2018 |
الشركة تتوسع لتشمل تأجير ومشاركة الدراجات العادية والدراجات الكهربائية.
الشركة تبدأ فى تغطية خدمات تمويل شراء السيارات، تأجير، صيانة، التزود بالوقود والشحن الكهربائي.
|
||||
2021 |
الإدراج فى الولايات المتحدة ثم بداية مسلسل التحقيقات الحكومية والمراجعات التنظيمية.
|
الصين فى هذه الفترة تخوض حملة علي شركات التكنولوجيا العملاقة لكبح نفوذها المتزايد على ثاني أكبر اقتصادات العالم، نوفمبر العام الماضي تدخلت السلطات فى اكتتاب شركة التكنولوجيا المالية "أنت جروب" وفى أبريل الماضي فرضت غرامة ضد مجموعة "علي بابا" قيمتها 2.8 مليار دولار لإساءة استغلالها قواعد الهيمنة عل السوق ومنع الإحتكار.
فرضت السلطات الصينية غرامات على شركات التكنولوجيا بما في ذلك "تينسنت هولدنغز"، ومجموعة "علي بابا" بسبب نشر محتوى مثير جنسياً يشمل الأطفال، وقالت الإدارة في بيان الحادي والعشرين من يوليو، إنها أصدرت توجيهات إلى كلٍ من: "كوايشو تكنولوجي"، و"كيو كيو" التابعة لـ"تينسنت"، و"تاوباو" التابعة لـ"علي بابا"، و"ويبو كورب"، "وليتل ريد بوك" بإزالة الحسابات المخالفة، ودفع غرامات في إطار حملة لمعالجة المحتوى على الإنترنت الذي يعدُّ "ضاراً بالصحة الجسدية والعقلية للقُصَّر".
الحرب الأمريكية الصينية فى الخلفية
من المعروف أن مصطلح "الحرب التجارية" بدأ ينتشر إعلامياً فى عهد الرئيس السابق "دونالد ترامب" وبالتحديد فى عام 2018، لكن الشرارة الأولي كانت فى عهد الرئيس "باراك أوباما" وبالتحديد عام 2011 حين وقع علي قانون يمنع استحواذ "هواوي" الصينية علي "ثري ليف" الأمريكية.
لكن فى الوقت الذي تتهم الصين القوى والدول الغربية الكبرى أنها تُسرف فى استخدام مفهوم "الأمن القومي" لمنع وصول البضائع الصينية إلي الأسواق، وفرض قيود علي حركة الاستثمار الصيني الخارجي فى الدول الغربية بنفس الحجة: الأمن القومي، نجد الصين نفسها هذه الأيام تستخدم نفس المبرر "الأمن القومي" لمنع شركاتها من التوسع خارجياً فى الأسواق الغربية والمتقدمة.
إذن يمكن التنبؤ بمسار "ديدي" وأخواتها من شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة وأزمتها مع الحزب الشيوعي والسلطة الصينية، عبر تتبع مسار أزمة الحرب الإقتصادية/الدبلوماسية الصينية – الغربية والتى لم تعد صينية– أمريكية بل الصين فى مواجهة كل الغرب الديمقراطي وذلك بفضل "بايدن" لقدرة الأخير على حشد الحلفاء فى مواجهة بكين بعكس سلفه "ترامب" الذي فشل في ذلك.
وبالنظر إلي مسار العلاقات الدولية بين القوى الكبري حالياً يمكن القول إن التهدئة والتصالح هو احتمال غير مرجح على الإطلاق على الأجل القصير والمتوسط، ويبدو أننا أمام خصوم يستعدون لمواجهة مفتوحة طويلة المدى.
المصادر: أرقام - بلومبرغ – رويترز – ماركت ووتش – وول ستريت جورنال – تيك كرنش
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}