بطول يبلغ 400 متر وعرض 60 مترًا تقريبًا، وقدرة استيعابية تصل إلى 20 ألف حاوية أو ما يزيد على 220 ألف طن، كانت السفينة "إيفر جيفن" ضخمة بما يكفي لتعطيل حركة الملاحة العالمية جزئيًا، بسبب جنوحها في قناة السويس الشهر الماضي.
هذا الحجم الضخم تطلب أيامًا من العمل ليل نهار وأسطولًا من القاطرات الصغيرة إلى جانب عمليات الحفر والتكريك كي يتسنى تحرير هذه المدينة العائمة مرة أخرى لتتمكن خطوط الملاحة العالقة من التنفس مجددًا.
أخيرًا وبعد 6 أيام من الانتظار والقلق العالمي، نجحت الجهود المصرية بمساعدة المد المرتفع، في إزالة هذه الكتلة الصلبة التي تفوق برج إيفل طولًا، لكن الحادث في ذاته أثار تساؤلًا عن أهمية هذه الناقلات العملاقة مقارنة بما يمكن أن تتسبب فيه من أضرار خاصة في مثل تلك الممرات الضيقة.
السفينة "إيفر جيفن" واحدة من أكبر سفن الشحن في العالم، لكنها ليست الأكبر، ويصادف أن قناة السويس شهدت في العام الماضي، عبور سفينتي شحن أكبر منها بسلام، ومنها ما عبر خلال ظروف مناخية أكثر تعقيدًا، حتى إن "إيفر جيفن" نفسها عبرت من قبل دون مشاكل.
لكن القلق يتركز منذ سنوات حول التداعيات الناجمة عن الحوادث العارضة لمثل هذه السفن الضخمة ذات الحمولات الهائلة، فبطبيعة الحال لن يكون تدارك المشاكل الناجمة عنها مشابهًا لتلك التي تتسبب فيها السفن الأصغر حجمًا، ناهيك عن تساؤلات حول درجة أمان البضائع المكدسة مثل مكعبات الليغو.
رغم انفراج أزمة قناة السويس وبدء تدفق السفن بحرية، فإن تداعيات الحادث ستستمر لأسابيع وربما لشهور، ويشمل ذلك السفن العالقة، وعمليات الشحن المكدسة في الموانئ، وعمليات التفريغ التي ستضع موانئ أخرى تحت الضغط مع تدفق السفن.
سر صخامة الحجم
- على مدى عقود، كانت خطوط الشحن تصنع سفنًا أكبر وأكبر، مدفوعة بتزايد الشهية العالمية للإلكترونيات والملابس ولعب الأطفال وغيرها من السلع، وكان هذا التوسع منطقيًا من الناحية الاقتصادية، حيث إن السفن الأكبر حجمًا أرخص بشكل عام في البناء والتشغيل.
اضطرت قناة السويس إلى التعامل مع سفن الحاويات الأكبر حجمًا في السنوات الأخيرة، ووفقًا لـ"S&P Global Panjiva"، بلغ متوسط قدرة السفن العابرة للقناة 119 ألف طن متري في 12 شهرًا حتى فبراير 2020، مقارنة بـ93.5 ألف في عام 2015.
- رغم المخاطر التي تشكلها، فإن السفن الضخمة لا تزال تهيمن على الشحن العالمي، ووفقًا لشركة البيانات "Alphaliner"، يشتمل الأسطول العالمي لسفن الحاويات على 133 من أكبر أنواع السفن، وتحديدًا تلك التي تحمل 18000 إلى 24000 حاوية، وهناك 53 أخرى تحت الطلب.
- تمت أول رحلة في العالم لنقل الحاويات التجارية بنجاح في عام 1956 على متن باخرة (حُولت إلى ناقلة)، من نيوجيرسي إلى تكساس، ثم نمت الصناعة بشكل مطرد، وتسارع هذا النمو بقوة في الثمانينيات مع تعاظم حجم التجارة العالمية.
- في ذلك العقد، نما متوسط سعة سفينة الحاويات بنسبة 28%، وفقًا لمنتدى النقل الدولي، ثم بنسبة 36% إضافية في التسعينيات، وفي عام 2006، قدمت شركة "ميرسك" السفينة "إيما ميرسك" التي يمكنها استيعاب 15000 حاوية، أكثر 70% من أي سفينة أخرى.
ثمن الحماس الزائد
- اليوم، تستطيع أكبر السفن استيعاب ما يصل إلى 24000 حاوية. يمكن لهذا الصندوق المعدني القياسي (الحاوية) الذي يبلغ طوله نحو 6 أمتار، أن يحمل زوجًا من المركبات الرياضية متعددة الأغراض متوسطة الحجم.
- لعب نمو صناعة الشحن وحجم السفن دورًا رئيسيًا في خلق الاقتصاد الحديث، ما ساعد على جعل الصين قوة تصنيعية رئيسية وسهل صعود التجارة الإلكترونية وتجار التجزئة مثل "إيكيا".
- النمو في حجم السفن جاء بتكلفة، حيث تنافست الموانئ والقنوات المائية ضد بعضها البعض، لإفساح المجال لسفن أكبر، وعلى سبيل المثال، توسعت قناة بنما في عام 2016 بتكلفة تزيد على 5 مليارات دولار.
- أدى ذلك إلى بدء سباق بين الموانئ على طول الساحل الشرقي لأمريكا لجذب السفن الأكبر القادمة عبر القناة، وجرى تجريف مشاريع لتعميق الموانئ، وقادت هيئة الموانئ في نيويورك ونيوجيرسي مشروعًا بقيمة 1.7 مليار دولار لرفع جسر بايون لاستيعاب السفن العملاقة.
- الأمثلة على هذا السباق كثيرة، لكن في حين تكبدت الموانئ تكاليف لاستيعاب السفن الأكبر حجمًا، إلا أنها لم تجن كل الفوائد، وفقًا لما ذكره جان تيدمان، كبير المحللين في "ألفا لاينر"، والذي يقول إن شركات النقل هي من حقق وفورات واستفاد من الطاقة الاستيعابية الأوسع.
الخطورة مقابل الكفاءة
- أكبر السفن يمكن أن تأتي مع مجموعة المشاكل الخاصة بها، ليس فقط للقنوات والموانئ التي يتعين عليها التعامل معها ولكن للشركات التي تبنيها. يقول مارك ليفينسون الخبير الاقتصادي ومؤلف كتاب "Outside the Box": "لقد فعلوا ما اعتقدوا أنه أكثر كفاءة لأنفسهم. لكن اتضح أن هذه السفن الكبيرة حقًا ليست فعالة كما تخيلت خطوط الشحن".
- قال "أندرو كينزي" كبير الاستشاريين البحريين في وحدة "أليانز العالمية للشركات والتخصصات" إن تكديس الحاويات أعلى على هذه السفن الضخمة يجعلها أكثر عرضة للرياح القوية، والتي ربما كانت عاملاً في الحوادث الأخيرة عندما فقدت البضائع أثناء سوء الأحوال الجوية.
- تصديقا لهذا الرأي، قال محللون في "إس آند بي جلوبال بانجيفا" في مذكرة بحثية إن ما لا يقل عن 5 سفن حاويات كبيرة جدًا، فقدت حاويات خلال موسم العاصفة الشتوية الأخير في المحيط الهادئ.
- كانت أكبر خسارة من نصيب شركة "Ocean Network Express Apus" خلال عاصفة عنيفة في أواخر نوفمبر، عندما سقطت أكثر من 1800 حاوية في البحر، فيما فقدت "إيسن" و"إيندهوفن" التابعتين لـ"ميرسك" 750 و325 حاوية (ضاعت تمامًا أو تضررت) على التوالي في البحار الهائجة هذا العام.
- مع ذلك، ترى خطوط الشحن أن سفن الحاويات الضخمة أكثر كفاءة وصديقة للبيئة عندما يتعلق الأمر بنقل كميات كبيرة، وتستشهد بعبور نحو 19 ألف سفينة لقناة السويس سنويًا دون مشاكل تذكر، رغم الإقرار بصعوبة عبور بعض سفن الحاويات الكبيرة للغاية من القناة.
- ربما ما كان ليتحمل أحد الخسائر والتكاليف الباهظة لحادث قناة السويس لولا الحجم الهائل للسفينة، إذ تشير التقديرات إلى أن الخسائر المتراكمة بسبب جنوح "إيفير جيفن" ستصل إلى مليارات الدولارات، وتعتقد القناة أن تعويضها وحدها (دون أصحاب البضائع والسفن المعطلة) قد يصل إلى مليار دولار.
المصادر: أرقام- نيويورك تايمز- سي إن إن- شبكة "9 نيوز" الأسترالية
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}