الصحة العقلية للموظفين ليست مكافأة، فمنذ وقت طويل أصبحت موضع حديث شائك ومحل اهتمام كبير ليس فقط من المؤسسات الطبية وإنما حتى من قبل الاقتصاديين وقادة الأعمال، ذلك لأن آثارها تتجاوز منظور "الحفاظ على راحة العمال".
فعلى سبيل المثال، قال تقرير "لانست كومشن" في عام 2018، إن اضطرابات الصحة العقلية المتزايدة في كل مكان، سوف تكلف الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 16 تريليون دولار خلال العقدين الثاني والثالث من القرن الجاري، بسبب الفشل الاجتماعي في التعامل مع الأزمة.
التقرير الذي أعده 28 متخصصا عالميا في الطب النفسي والصحة العامة وعلم الأعصاب إضافة للمدافعين عن قضايا الأمراض العقلية، قال إن الأزمة تتزايد وقد تسبب أضرارا دائما للأشخاص والمجتمعات والاقتصادات حول العالم.
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصادات الرئيسية تتحمل مئات المليارات من الدولارات سنويا بسبب ضغوط الصحة العقلية – ناهيك عن التطورات التي تقود العاملين للانتحار أو الموت المفاجئ على غرار ظاهرة "كاروشي". ثم جاءت الجائحة لتعمق هذه الضغوط وتفاقم المخاوف المتعلقة بها.
الصحة النفسية من منظور اقتصادي
- مشاعر مثل الإحباط والتوتر أو الخوف، يمكن أن تتطور إلى مشكلة صحية مثل القلق والاكتئاب، وأحيانا تصبح مشكلة معقدة تحتاج إلى دعم وعلاج مدى الحياة. عوامل مثل الفقر والوراثة والصدمات والتمييز قد تزيد احتمالية التعرض لمشاكل الصحة العقلية، لكنها قد تحدث لأي شخص.
- مشاكل الصحة العقلية طويلة الأجل، يمكن أن تؤدي إلى خفض متوسط العمر المتوقع بنحو 21 عاما بسبب تداعيات الصحة البدنية المرتبطة بها، كما أنها تؤدي إلى الانتحار، وتشير التقديرات إلى أكثر من 6 آلاف حالة انتحار سنويا في المملكة المتحدة.
- تؤثر الرفاهية في مكان العمل على الصحة والإنتاجية، وقد تؤدي بيئة العمل السلبية أو الإجهاد المفرط في العمل (نتيجة التفاعل بين متطلبات العمل العالية والموارد الوظيفية غير الكافية) إلى مشاكل صحية بدنية وعقلية وزيادة تعاطي المخدرات.
- لا تؤدي الحالات النفسية الشائعة مثل اضطرابات القلق والاكتئاب لدى السكان العاملين إلى معاناة الأفراد فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى خسائر في الإنتاجية وأعباء اقتصادية وضغوط على أنظمة الرعاية الصحية.
- يتكبد الاقتصاد العالمي سنويا نحو تريليون دولار بسبب الاكتئاب والتوتر، وتخسر الشركات الأمريكية ما بين 80- 100 مليار دولار، فيما تبلغ تكاليف الإنتاجية المفقودة بسبب اعتلال الصحة النفسية في أوروبا 140 مليار دولار أمريكي سنويا.
- تخسر الولايات المتحدة وحدها ما يعادل 400 مليون يوم عمل سنويا بسبب مرض الاكتئاب، إذ يعاني المصابون بالتوتر والاكتئاب من عدم القدرة على الاضطلاع بأكثر من مهمة في نفس الوقت، ويستغرقون وقتا أطول في تنفيذ المهام، علاوة على صعوبة التركيز.
أزمة ما بعد الجائحة
- في دراسة استقصائية عالمية أجرتها "فاينانشيال تايمز" حول العمل والصحة العقلية، تحدث المشاركون من جميع أنحاء العالم (أغلبهم من الوظائف الكتابية والإدارية في قطاعات التعليم والخدمات المالية والإعلام)، عن آثار طرق العمل الجديدة والطلب على صحتهم العقلية.
- تقول واحدة من المشاركين، تدير شركة صغيرة، إن كثافة العمل دفعتها إلى "حافة الانهيار"، وإنها لم تكن تستطيع النوم أو تناول الطعام، نتيجة لتواصل ضغوط العمل العمل، حتى أنها لم تستطع أخذ إجازة بسبب الطلب المتزايد من مئات العملاء.
- وفقا لبحث أجرته "يوجوف"، فإن البريطانيين هم الأكثر عرضة للأمراض العقلية الناجمة عن جائحة "كوفيد 19" بنسبة 65%، يليهم سكان هونغ كونغ بنسبة 63%، ثم إيطاليا بنسبة 62%، وكان الألمان هم الأقل بنسبة 44% فقط. (جاءت الإمارات في المركز العاشر من بين 16 دولة بنسبة 55%).
- أظهرت دراسة لمؤسسة "ويستفيلد هيلث" أن العمال الذين أجبروا على أخذ إجازة مرضية بسبب أزمة الصحة العقلية أثناء الإغلاق المتعلق بالوباء والقيود، كلفوا الشركات البريطانية 14 مليار جنيه إسترليني (19.4 مليار دولار) العام الماضي.
- وجدت الدراسة أن هناك زيادة بنسبة 10% في حالات الغياب بسبب الصحة العقلية، وكلف ذلك أصحاب العمل 1.3 مليار جنيه إسترليني أكثر من عام 2019. قال رؤساء الشركات إنهم رفعوا الدعم والمخصصات للحفاظ على الصحة النفسية للموظفين، وأكد 81% أن هناك تركيزًا متجددًا على هذه القضية.
- أُجبر الموظفون على أخذ 3.19 يوم إجازة مرضية في المتوسط، بسبب مشاكل الصحة العقلية في عام 2020، ارتفاعًا من 2.9 يوم في عام 2019، وقال 76% إنهم يشعرون أن إنتاجيتهم راكدة أو انخفضت منذ العام الماضي، مما أدى إلى زيادة التكاليف على الشركات.
الضغوط طالت الجميع
- كان الشعور السائد هو أن جميع الرسائل والتطبيقات الداعمة لا معنى لها في النهاية إذا لم تعالج أعباء العمل، وأبلغ الكثيرون عن زيادة ساعات العمل بسبب فقدان الوظائف والإجازة والأمراض، بينما يكافحون أيضًا للحفاظ على الأعمال قائمة.
- وجدت الأبحاث التي أجرتها جامعة ستانفورد أن أكثر من ثلث الأمريكيين الذين كانوا يعملون من المنزل، في أغسطس الماضي، أمضوا الوقت الذي كانوا يقضونه في تنقلاتهم سابقا وهم يعملون عملا إضافيا.
- اشتكى العاملون أيضا من ضغوط التسريح المحتمل التي تعرضوا لها، وقال أحد المشاركين في استطلاع "فاينانشيال تايمز" إنه "طُلب منه العمل بجدية أكبر وأكثر ذكاءً وإذا لم يفعل فيمكن استبداله"، آخر قال إن القلق الشديد دفعه لعدم أخذ سوى يومين من رصيده البالغ 40 يومًا.
- على جانب آخر، كان الإشراف على الموظفين عن بُعد أثناء التغييرات غير المسبوقة يمثل تحديًا للمديرين، وشعر البعض بأنهم غير مستعدين للتعامل مع متطلبات العمل عن بعد والتعامل مع الصحة العقلية لفرقهم.
- أدى العمل عن بعد، لا سيما مع التباعد الاجتماعي وعمليات الإغلاق، إلى خلق مشاكل إضافية، وكان الوجه الآخر للاستقلالية في الحياة العملية هو الافتقار إلى ردود الفعل، حيث شعر المدراء بعدم قدرتهم على تقييم جودة أدائهم.
-هذا يعني أن على الشركات وكذلك الحكومات التعامل مع الأمر بجدية، ويجب أن تتواكب التشريعات وسياسات الحوكمة مع التطورات الحاصلة، فلا يمكن أن يكون الهدف هو "العمل" فقط دون النظر للضغوط المصاحبة له، ومن ثم انعكاساتها على صحة الإنسان وسلامته.
المصادر: أرقام- فاينانشيال تايمز- منظمة الصحة العالمية- مؤسسة الصحة العقلية (بريطانيا)- ويلز أونلاين- يو جوف
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}