نبض أرقام
01:38 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

تأثير سترايسند .. لا تضغط على الزر الأحمر!

2021/01/15 أرقام - خاص

في السادس من أبريل/نيسان 2013، نشرت مؤسسة "ويكيميديا –التي تستضيف موسوعة ويكيبيديا العالمية – بياناً صحفياً بدا غريباً بعض الشيء؛ حيث زعمت خلاله أنه تم الاتصال بها من قِبل المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية الفرنسية (DCRI)، والتي اعترضت على مقال نشره الموقع يتحدث عن "بيير سور أوت" وهي قاعدة إذاعية عسكرية يديرها سلاح الجو الفرنسي.

 

طلبت المديرية من الموقع تعديل المقال المنشور وحذف بعض المعلومات الواردة به بحجة أنها معلومات سرية، ولكن عندما رفض الموقع حذف هذه المعلومات قام الجهاز الاستخباراتي باستدعاء رئيس الموقع "ريميماتيس" إلى أحد مكاتبه وأجبره على حذف المقال بالكامل وليس تعديله، بعد تهديده بالاعتقال إن لم يفعل.

 

 

بعد صدور هذا البيان، اندلعت ضجة واسعة على الإنترنت، تسببت في تزايد عدد زيارات صفحة المقالة – التي تم استرجاعها بعد حذفها بساعات من قبل أحد إداريي ويكيبيديا –إلى آلاف الزيارات يومياً، وذلك بعد أن كانت لا تحظى إلا بنحو عشر مشاهدات في اليوم خلال السنوات السابقة، لتصبح من أكثر مقالات ويكيبيديا الفرنسية مشاهدة.

 

وهكذا بدلاً من إخفاء المعلومات التي ربما لم ينتبه إليها أحد حين نشرت لأول مرة، تسبب هذا النهج في أن تصبح هذه المعلومات منتشرة حول العالم، هذه الحادثة كانت مثالاً لظاهرة مشهورة تسمى "تأثير سترايسند".

 

طلقة مرتدة  

 

تأثير سترايسند (Streisand effect) هي ظاهرة تحدث عند فشل محاولة إخفاء بعض المعلومات أو منع انتشارها، مما يتسبب في حدوث نتيجة معاكسة لهدف المنع، وهو ما يزيد من اهتمام الناس بالقصة، ويساهم في انتشارها بشكل أكبر بكثير مما لو لم يحاول الطرف المانع إزالتها أو الاحتجاج على نشرها أصلاً.

 

سبب تسمية هذه الظاهرة بهذا الاسم يعود إلى حادثة شهيرة وقعت قبل نحو 17 عاماً.

 

ففي عام 2003، قامت الممثلة الأمريكية "باربراسترايسند" برفع دعوى قضائية ضد موقع الصور الفوتغرافية "بيكتوبيا" والمصور "كينيث أدلمان" بزعم انتهاكهما لخصوصيتها، على خلفية نشر الموقع لصورة جوية لشاطئ كاليفورنيا يظهر فيها قصرها، مطالبة بحذف الصورة من أرشيف الموقع الذي يضم 12 ألف صورة للشاطئ بالإضافة إلى تعويض قدره 50 مليون دولار.

 

 

رفضت المحكمة الدعوى القضائية بحجة عدم انتهاكها لقانون ولاية كاليفورنيا، ولم تحصل "سترايسند" على الـ50 مليون دولار التي طلبتها، بل على العكس تم إلزامها بسداد المصاريف القانونية للطرف المدعى عليه إلى جانب مصاريفها القانونية، وهي المبالغ التي اقترب مجموعها من 150 ألف دولار.

 

أما اللحظة الأكثر إيلاماً للممثلة الأمريكية فكانت حين عرفت أنه قبل قيامها برفع تلك الدعوى، لم يكن قد تم تحميل الصورة المقصودة من على الموقع سوى 6 مرات فقط؛ اثنتان منها من قبل محاميها الخاص، ولكن خلال الشهر التالي لرفع الدعوى وبعد وصول القضية للصحافة تم تحميل الصورة من قبل أكثر من 420 ألف شخص من زوار الموقع.

 

على نفسها جنت..

 

بعيداً عن الإنترنت، يوجد لهذه الظاهرة أمثلة في عالم الأعمال، ففي يونيو/تموز من عام 2014، حدث نفس الشيء مع الآلاف من سائقي سيارات الأجرة الذين تظاهروا ضد شركة خدمات مشاركة الركوب "أوبر" في عدة مدن أوروبية.

 

في تلك الفترة كانت "أوبر" كشركة ناشئة محط اهتمام الصحافة الاقتصادية والتقنية، غير أنها كانت لا تزال غير معروفة بالنسبة لعموم السكان في أوروبا، ولكن احتجاج السائقين على الشركة التي لم يكن يعرفها معظم الناس في ذلك الوقت أدى إلى لفت انتباه الكثيرين إليها.

 

تسببت هذه الاحتجاجات في معاناة الركاب في جميع العواصم الأوروبية الرئيسية من فوضى مرورية؛ حيث قام سائقو سيارات الأجرة في لندن وباريس وبرلين ومدريد بإغلاق الشوارع كنوع من الاحتجاج ضد "أوبر" وبغرض الضغط على السلطات لاتخاذ إجراءات ضد الشركة الأمريكية الناشئة.

 

في باريس واجه الركاب صعوبات مرورية بسبب تعمد المئات من سيارات الأجرة المشي ببطء على الطرق الرئيسية المؤدية للمدينة، بينما خطط أكثر من 10 آلاف من سائقي سيارات الأجرة التجمع في الشوارع المحيطة بميدان ترافلجار الواقع في قلب العاصمة البريطانية لندن في احتجاج وصفته الشرطة بأنه غير قانوني.

 

 

احتج سائقو الأجرة كما أرادوا، وأسمعوا العالم صوتهم، غير أن النتيجة النهائية لتلك الاحتجاجات لم تسعدهم كثيراً.

 

ففي خلال نفس اليوم الذي كان فيه سائقو سيارات الأجرة مشغولين بتظاهراتهم، كان هناك نحو 10 آلاف سيارة تجوب وسط لندن تنقل الركاب إلى وجهاتهم، هذه السيارات كانت تابعة لـ"أوبر"، الشركة التي قامت هذه المظاهرات لمنعها والتضييق عليها.

 

فجأة، أصبحت "أوبر" ملء السمع والبصر بعد أن تصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار، وتشير بعض التقديرات إلى أن سائقي سيارات الأجرة خسروا أثناء انشغالهم بالاحتجاجات نحو 125 مليون جنيه إسترليني من الإيرادات، والتي ذهب معظمها إلى "أوبر".

 

بفضل هذه التظاهرات، تم تحميل تطبيق الجوال الخاص بـ"أوبر" بمعدلات قياسية، فبحسب مدير عام الشركة في المملكة المتحدة وأيرلندا "جوبيرترام"، شهد اليوم الأول من هذه الاحتجاجات أكبر عدد من الاشتراكات في يوم واحد منذ دخول الشركة إلى لندن قبل عامين؛ حيث شهدت زيادة قدرها 850% على أساس أسبوعي.

 

الفضول يقتلهم

 

الناس فضوليون بفطرتهم، لذلك عندما يشعرون بأن هناك شيئاً مخفياً عنهم أو أن شخصاً أو جهة ما تحاول حجب إو إخفاء شيء ما عنهم، لا يردعهم ذلك بقدر ما يحفزهم للاقتراب أكثر واكتشاف ما يُرغب في إخفائه، حتى لو أن ذلك الشيء لا يمثل أهمية بالنسبة لهم، ولكنه أصبح فجأة هدفاً لهم.

 

لكن في نفس الوقت، يمكن القول بأن الموضوع أعمق بكثير من مجرد شعور بالفضول؛ فالفكرة هي أننا كبشر متمردون بطبيعتنا ونكره فرض الرقابة، وحين يحاول أحد إخفاء شيء عنا نقع تحت تأثير ما يسمى "التمرد النفسي"، وهو عبارة عن سلوك انتقامي يلجأ إليه الناس رداً على أي محاولة من شأنها تهديد حريتهم السلوكية.

 

 

لو افترضنا مثلاً أن لديك شيئاً ثميناً تريد إخفاءه وإبقاءه بعيداً عن أعين الجميع، تدخل إلى غرفتك وتفتح أحد أدراج مكتبك وتضع ذلك الشيء، ثم من باب زيادة الاحتياط، تخبر زوجتك بألا تفتح الدرج الثالث من مكتبك لوجود شيء خاص به لا تريد لأحد الاطلاع عليه، ما سيحدث هو أن زوجتك لن تقر لها عين ولن يهدأ لها بال إلا بعد فتح ذلك الدرج وتطلع على ما فيه، هذه غريزة نفسية.

 

أما لو أنك آثرت الصمت، ولم تحذرها وتلفت انتباهها إلى أن هناك ما تريد إخفاءه عنها، لما عرفت به، وتحقق لك ما تريد، هكذا يعمل "تأثيرسترايسند".

 

كم مرة شاهدت أشخاصاً يضغطون على زر مكتوب عليه عبارة "لا تضغط على هذا الزر"؟. لو حذرتك من نشر هذا التقرير ستنشره، لو طلبت منك عدم زيارة موقع معين ستقوم بزيارته، وهذا ليس فضولاً بقدر ما هو انتقام من فكرة فرض الرقابة على سلوكك.

 

كل ما سبق يقود إلى النقطة الأساسية التالية: إذا كنت لا ترغب في أن يعرف معظم الناس معلومة ما، فليس من الحكمة أن تحاول حجبها أو إخفاءها، لأن هذا سيؤدي غالباً لتساؤل الناس عن سبب حجبها وعن السر وراء محاولة إخفائها عنهم، وسيقتلون أنفسهم بحثاً عنها.

 


​المصادر: الإيكونوميست - الجارديان - سيكولوجي توداي - نيويورك تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.