عند الحديث عن أداة فعالة في التعامل مع التقلبات في تدفقات رؤوس الأموال عبر بلدان العالم، فإن الخلاصة المؤكدة هي أنه "لا يوجد استجابة واحدة تناسب الجميع".
وتأتي هذه النتيجة وسط محاولة مستمرة تهدف لمساعدة الدول على إدارة تقلب تدفقات رؤوس الأموال، حيث توصل صندوق النقد الدولي إلى إطار تحليلي جديد للاقتصاد الكلي يمكنه تحديد الاستجابات السياسية المناسبة.
وتوفر تدفقات رؤوس الأموال دولياً فوائد جمة للتنمية الاقتصادية، لكن في الوقت نفسه يمكنها كذلك أن تخلق أو تزيد من الصدمات، وهي المعضلة التي لطالما شكلت تحديات أمام واضعي السياسات في العديد من الاقتصادات المنفتحة.
وفي حين أن أسعار الصرف المرنة يمكنها أن تكون بمثابة أداة مفيدة لامتصاص الصدمات في مواجهة تقلب تدفقات رؤوس الأموال، لكن هذه الآلية لا توفر دائمًا الحماية الكافية وخاصةً عندما يصعب الوصول لأسواق رأس المال العالمية أو عندما يكون عمق السوق محدودًا.
وعند التعامل مع تدفقات رؤوس الأموال، توصل العديد من صانعي السياسات إلى مزيج من أدوات السياسة تكون مكملة لسياسة معدلات الفائدة.
وتشمل هذه الأدوات تدابير التحوط الكلي والتدخل في سعر الصرف الأجنبي وتدابير إدارة تدفق رأس المال.
وفي الواقع، فإن مثل هذه الأساليب المتنوعة تم استخدامها أثناء أزمة فيروس "كورونا"، مع وجود اختلافات كبيرة في الاستجابات بين الدول، لكن لا يوجد إطار واضح لتوجيه الاستخدام المتكامل لهذه الأدوات.
سياسة متكاملة
وفي أكتوبر الماضي، حاولت ورقة بحثية جديدة تحت عنوان "نحو إطار سياسة متكاملة" سد هذه الفجوة، حيث تعمل على تجميع الأفكار بشأن النماذج الجديدة، بالإضافة لدراسات ووضع إطار شامل لاستخدام أدوات متعددة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي.
وتوصل هذا التحليل إلى أنه فيما يتعلق بتقلب تدفقات رؤوس الأموال، لا توجد استجابة واحدة تناسب الجميع، ولا "كل شيء مباح" أو أن جميع السياسات فعالة بنفس القدر.
وتستند السياسات المثالية على طبيعة الصدمات وخصائص كل دولة.
وعلى سبيل المثال، ربما تختلف استجابة السياسة المناسبة في دولة لديها أسواق مالية أقل تطورًا وديون كبيرة بالعملة الأجنبية عن الاستجابة في دولة ليس لديها اختلالات بالعملة الأجنبية في موازنتها العامة أو تلك التي يمكنها الاعتماد على أسواق أكثر تطورًا.
نتائج تشاركية
بشكل عام، تكون أداة تعديل سعر الصرف مناسبة للصدمات في البلدان التي لديها أسعار الصرف المرنة والأسواق العميقة مع إمكانية الوصول المستمر للأسواق.
ومع ذلك، عندما يكون لدى دولة ما نقاط ضعف معينة مثل الأسواق غير العميقة (والتي تتسم بتذبذب أوامر البيع والشراء) والدولرة بينما تستمر أسعار الصرف المرنة في توفير فوائد كبيرة، يمكن أن تلعب أدوات السياسة الأخرى دورًا مفيدًا كذلك.
وعلى وجه الخصوص، يمكن لتدابير التحوط الكلي والتدخل في سوق الصرف الأجنبي وتدابير إدارة تدفق رأس المال أن تعزز استقلالية السياسة النقدية بحيث يمكن للسياسة النقدية أن تركز بشكل كافٍ على احتواء التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي المستقر.
ويمكن للأدوات نفسها أن تساعد أيضًا في تقليل مخاطر الاستقرار المالي، لكن النتائج التي تم التوصل إليها لا تبرر الاستخدام العشوائي للأدوات.
وبينما تساعد أدوات "نحو إطار سياسة متكاملة" في التعامل مع الصدمات، فإنها في أغلب الأحيان لا يمكنها تعويض نقاط الضعف الأساسية بشكل كامل.
وبالتالي، فهي ليست بديلاً عن الأسواق العميقة والميزانيات العمومية القوية والمؤسسات القوية.
وتظل الجهود المبذولة لتعزيز تنمية الأسواق والمؤسسات مهمة لاستكمال سياسات الاقتصاد الكلي السليمة.
خطوات إضافية
يمثل الإطار الجديد تقدمًا كبيرًا في التفكير في الوقت الذي ينبغي فيه استخدام الأدوات المختلفة وكيفية عدم استخدامها وكيف يمكن لهذه الأدوات أن تعمل معًا من أجل تحقيق نتائج أفضل.
مع ذلك، يركز خبراء صندوق النقد الدولي على عدة مجالات لاستكمال هذه الورقة البحثية، يأتي في مقدمتها، التأثيرات طويلة المدى حيث ينبغي الموازنة بين أدوات "نحو إطار سياسة متكاملة" مقابل التكاليف المحتملة مثل تباطؤ تطوير السوق وزيادة الإقبال على المخاطرة.
ومن المرجح أن يؤدي الاعتماد المطول على بعض الأدوات إلى استمرار نقاط الضعف نفسها.
وهناك مسألة أخرى تتمثل في الجوانب المالية، حيث يعتبر الموقف المالي ومستويات الدين العام من الأمور الهامة بالنسبة لتعرض البلدان للصدمات.
والإضافة الثالثة كانت الاعتبارات متعددة الأطراف، حيث يعتمد مزيج السياسات الأمثل لدولة ما كذلك على الإجراءات التي تتخذها البلدان الأخرى والمؤسسات العالمية.
والأمر الآخر هو الإجراءات الوقائية والمؤشرات، حيث يجب تطوير مقاييس مناسبة لتقييم استخدام أدوات "نحو إطار سياسة متكاملة" بشكل مناسب حال تم إساءة استخدام تلك الأدوات الرامية لتحقيق أهداف محددة جيدًا للاقتصاد الكلي والاستقرار المالي.
وينبغي أن يؤدي العمل في كل من هذه المجالات خلال الفترة المقبلة إلى تحسين توجيه السياسات للبلدان التي تواجه تقلب في تدفقات رؤوس الأموال.
المصادر: صندوق النقد الدولي
ورقة بحثية: Toward an Integrated Policy Framework
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}