نبض أرقام
05:33 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

سطوة التستوستيرون .. كيف يؤثر هذا الهرمون على قرارات المستثمر في سوق الأسهم؟

2020/12/12 أرقام - خاص

لماذا لا يحظى مشروب الـ"دايت كوك" بأي شعبية تذكر بين جموع الرجال؟ هذا هو السؤال الذي حيّر شركة المشروبات الغازية الأمريكية "كوكاكولا" لأكثر من 22 عامًا بعد أن قدمته للمستهلكين لأول مرة في عام 1982.

 

الشركة كانت تستهدف من خلال هذا المنتج مستهلكيها من الجنسين، ولكنها لاحظت حالة غريبة من النفور لدى الرجال تجاه هذا المشروب!

 

بعد دراسات وأبحاث استقصائية استمرت لسنوات اكتشفت الشركة أخيرًا أن السر وراء عزوف الرجال عن شراء الدايت كوك يكمن في شعورهم بأنه منتج نسائي، ولكن كيف توصل الرجال إلى تلك القناعة؟ ببساطة، في أذهان الغالبية العظمى منهم، ترتبط كلمة "الدايت" أو "الحمية الغذائية" بالنساء إلى حد كبير، وما عزز من ذلك الشعور لديهم هو أن العبوة كانت باللون الأبيض.

 

 

لكي تخرج من هذا المأزق وتستعيد جمهورها من الرجال المهتمين بالمشروبات الغازية قليلة السعرات الحرارية ولكنهم في نفس الوقت ينفرون من الدايت كوك، قدمت "كوكاكولا" في العام 2005 مشروب "كوك زيرو" الخالي من السعرات الحرارية في عبوة سوداء ضمن استراتيجية تسوقية تستهدف الرجال، وبالفعل، حقق المشروب الذي جاء في ثوب أكثر رجولية نجاحًا ساحقًا وانتشارًا سريعًا بين الرجال.

 

الشاهد من هذه الحادثة هو أن الفروقات الموجودة بين الرجل والمرأة ووعي كليهما بها هي نقطة مهمة جدًا ولا ينبغي لعاقل تجاهلها، فالبعد الجنساني والبيولوجي حاضر دائمًا وفي بعض الأحيان قد لا يمكن تجاوزه أو القفز فوقه، وهو ما يبرز بوضوح في ساحات كثيرة من بينها سوق الأسهم الذي يسيطر عليه الرجال إلى حد كبير.

 

فوضى الهرمونات!

 

قال الشاعر: "ألم تر أن العقل زين لأهله وأن كمال العقل طول التجارب" هذا البيت بيرز حقيقة يدركها الجميع وهي أن نعمة العقل التي ميزنا بها الله عز وجل عن سائر المخلوقات هي واحدة من أعظم النعم، ولكن امتلاك العقل شيء واستخدامه شيء آخر، فأغلبنا مهما بلغت درجة حكمته قد لا يفكر بعقلانية في بعض الأحيان، بينما يوجد هناك من لا يفكر أصلًا.

 

واحد من أبرز الأشياء التي تؤثر على قدرة البشر على التفكير بعقلانية هي الهرمونات الموجودة داخل أجسادهم، هذه الهرمونات مؤثرة لدرجة أن بعض العلماء يشير إلى أن الفروقات الداخلية الموجودة بين جموع الرجال قد تتجاوز في بعض الأحيان تلك الموجودة بين الرجال والنساء، نحن حرفيًا– رجالًا ونساءً– تحت سطوة هرموناتنا القادرة على أن تعمي منطقنا وتدفعنا لاتخاذ قرارات قد نندم عليها لاحقًا.

 

 

على سبيل المثال، توجد هناك علاقة إيجابية غريبة بين مستويات هرمون الذكورة "التستوستيرون" في الجسم وبين مستوى المخاطر التي يقبل عليها المستثمرون من الرجال في سوق الأسهم، أي أنه كلما ارتفع مستوى هرمون التستوستيرون في الجسم أصبح المستثمر أكثر إقدامًا على تحمل المزيد من المخاطر.

 

في دراسة نشرت في يناير من عام 2018، قام اثنان من الباحثين من جامعتي "سنترال فلوريدا" و"سنغافورة للإدارة" بتحليل البيانات الخاصة بعوائد عدد من صناديق التحوط على مدى فترة زمنية تمتد لـ20 عامًا، كما قاما بفحص وتحليل الآلاف من الصور الخاصة بمديري تلك الصناديق وذلك بغرض اختبار فرضية وجود علاقة بين مستوى هرمون التستوستيرون والأداء الاستثماري.

 

استدل الباحثون على مستويات التستوستيرون لدى مديري الصناديق من خلال تحليل شكل وجوههم، فالوجوه العريضة ترتبط بمستويات أعلى من هرمون التستوستيرون، بينما ترتبط الوجوه الطولية بمستويات أقل من ذلك الهرمون.

 

 

خلصت الدراسة إلى أن العوائد التي حققها المديرون ذوو الوجوه العريضة أو الذين يتمتعون بمستويات أعلى من التستوستيرون كانت أقل بنحو 5.8% سنويًا أداء نظرائهم أصحاب الوجوه الطولية أو الذين لديهم مستويات أقل من ذلك الهرمون، كما أكد الباحثون أنه لا يمكن عزو هذا الفارق في الأداء إلى الاختلافات المتعلقة بصناديق الجانبين مثل حجم الصندوق أو هياكل الحوافز أو أي صناديق أخرى.

 

ولكن ما تفسير ذلك؟

 

أشار الباحثون إلى أن المستثمرين الذين لديهم مستويات أعلى من التستوستيرون كان لديهم شكل من أشكال الإفراط في التداول، كما أنهم كانوا أكثر إقبالًا من غيرهم على الأسهم الأكثر خطورة والتي يمكن اعتبار الدخول فيها مقامرة كبيرة، بعبارة أخرى، أصحاب المستويات المرتفعة من التستوستيرون كانوا أكثر عدوانية من غيرهم تجاه المخاطر في سوق الأسهم.

 

في تعليقها على ما خلصت إليه هذه الدراسة، نصحت "الإيكونوميست" جمهور المستثمرين بالبحث عن مديري الصناديق ذوي الوجوه الطويلة النحيلة أو كبار السن الذين لديهم مستويات أقل من التستوستيرون في أجسادهم أو حتى النساء.

وذهبت الصحيفة الأمريكية إلى أبعد من ذلك واقترحت أن يتجاهل المستثمر الصناديق المدارة من قبل البشر بشكل عام، ويفكر في استثمار أمواله في صناديق المؤشرات أو الصناديق التي تتحكم فيها الخوارزميات عديمة الهرمونات والمشاعر.

 

 

ما ذهبت إليه الدراسة السابقة أكدته دراسة أخرى نشرت في عام 2008 تحت عنوان "التستوستيرون وتفضيلات المخاطر المالية"، حيث أشارت تلك الدراسة إلى أن المستثمرين ذوي ملامح الوجه الأكثر ذكورية كانوا أكثر إقبالًا على المخاطرة من نظرائهم من أصحاب الوجوه الأكثر نعومة.

 

ما الذي يحدث داخل الدماغ بالضبط؟

 

الفكرة هي أن هرمون التستوستيرون بمجرد إفرازه يمتلك القدرة على عبور الحاجز الدموي الدماغي والوصول إلى الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والحبل الشوكي) ومن ثم التأثير بشكل كبير على كيمياء مناطق مختلفة في الدماغ من بينها النواة المتئكة المسؤولة عن نظام المكافآت في الدماغ البشري.

 

ترتبط النواة المتكئة بالمتعة والسلوك غير العقلاني الساعي إلى المخاطرة، وذلك بسبب تأثر تلك المنطقة بالناقل العصبي المسؤول عن المتعة وهو "الدوبامين" والذي يتسبب هرمون التستوستيرون في إطلاقه داخل الدماغ، وهو ما يؤثر بدوره على العمليات الإدراكية والعاطفية المرتبطة بسلوك السعي للحصول على المكافأة.

 

 

في إطار دراسة صادرة في سبتتمبر من عام 2005 تحت عنوان "الأساس العصبي لأخذ المخاطر المالية" أجرى الباحثون تجربة طلب فيها من مجموعة من طلاب الدكتوراه في جامعة ستانفورد اختيار الأفضل من بين محفظة تضم 10 أسهم وسند واحد خلال 20 لعبة منفصلة، لم يكن لدى الطلبة أي فكرة عن جودة أي سهم، بل كان عليهم اكتشاف ذلك من خلال مراقبة تحركات السوق.

 

وأثناء التجربة التي أجريت في مركز ريتشارد لوكاس لمطياف الرنين المغناطيسي في جامعة ستانفورد راقب الباحثون التغيرات التي تطرأ على منطقة النواة المتكئة، قبل أن يلاحظوا أن هذا الجزء من الدماغ ينشط قبل ثانيتين فقط من اتخاذ الأشخاص قرار السعي وراء المخاطر عند عزمهم الاستثمار في أسهم ذات تاريخ سيئ بالسوق، هذا ما تفعله المستويات العالية من هرمون التستوستيرون.

 

 

لكن في النهاية ينبغي الإشارة إلى أن الفكرة وراء عرض كل ما سبق هي أن يكون لدى جمهور المستثمرين وعي أكثر بذواتهم وبطبيعة العوامل التي تؤثر على قراراتهم سواء إيجابيًا أو سلبيًا، وبكيفية تأثير تركيبتهم الفسيولوجية على خياراتهم المالية وأدائهم الاستثماري.

 

هذه معلومات من المهم جدًا أن يطلع عليها المشاركون في سوق الأسهم والذي يسيطر عليه الرجال بشكل شبه كامل تقريبًا، بعضنا ببساطة لديه نقاط قوة ربما تعتبر في سوق الأسهم نقاط ضعف، والمستثمر العاقل هو من يعترف بنقاط ضعفه ويحاول قدر إمكانه تحييدها.

 

 

المصادر: أرقام – ساينتفكأمريكان – الإيكونوميست – هافراد بيزنس ريفيو

دراسة: On the Physiology of Investment Biases: The Role of Cortisol and Testosterone

دراسة: Testosterone and financial risk preferences

دراسة: Do Alpha Males Deliver Alpha? Testosterone and Hedge Funds

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.