"الأفراد الذين لا يمكنهم السيطرة على عواطفهم، غير مؤهلين للاستفادة من عملية الاستثمار".
تعتبر العبارة السابقة إحدى أبرز مقولات مستثمر القيمة الأشهر "بنيامين جراهام"، والتي تلخص مدى خطورة تدخل الانحيازات الشخصية في قرارات الاستثمار.
ورغم أن تحيزات المشاعر تبدو متشعبة وواسعة النطاق بشكل كبير، فإن أبرزها وأكثرها وضوحاً يتمثل في القرار الذي يبدأ كل شيء: لماذا تشتري هذا السهم؟
أسرى ما يعرفون
يميل الناس للسعي نحو الشعور بالألفة بشكل عام، الذهاب للمطاعم التي يعرفونها واختيار الطريق المألوفة بالنسبة لهم وحتى البقاء في أماكن العمل لفترات طويلة لأنهم اعتادوا عليها.
وفي الاستثمار أيضاً، يقوم بعض الأشخاص بالانجذاب لشراء أسهم شركات تبدو مألوفة ومعروفة بالنسبة لهم، والابتعاد عن أخرى لا تمتلك نفس الميزة.
وبالفعل نجد أن البعض يتجه لشراء أسهم شركات لمجرد أنها تحمل أسماء معروفة ومتداولة في الصحف والتلفاز بشكل كبير مثل "آبل" و"تسلا" و"جنرال موتورز" و"كوكاكولا" وغيرها من العلامات التجارية الشهيرة.
لكن بالطبع تظل شهرة الشركات وتردُّد أسمائها بشكل كبير أمرًا لا يكفي للحكم على جودة الاستثمار من عدمه، فهناك مؤسسات تمتلك أسماء رنانة لكن أعمالها تعاني من أزمات وعقبات.
كما أن عدم معرفتك الشخصية ببعض اللاعبين في قطاعات اقتصادية لا يعني بالضرورة أنها ضعيفة أو غير ناجحة، بل ربما تكون خارج نطاق اهتمامك اليومي أو أنها لا تجيد لعبة التسويق والإعلان بشكل كبير.
ومن الضروري التشديد هنا على الفارق الكبير بين أهمية أن تعرف جيداً تفاصيل الاستثمار الذي تضع فيه أموالك وبين تركيز اهتمامك بأكمله على الأسماء التي تسمع عنها كثيراً لكنك لا تعلم الكثير عن وضعها الحالي أو آفاقها المستقبلية.
وصحيح أن المستثمر الشهير "وارن بافيت" ينصح دائماً بعدم الاستثمار فيما لا تعرفه أو يمكنك فهمه، لكنه يكمل العبارة بقوله إنه من الضروري الاعتقاد في وجود قيمة على المدى الطويل، ما يعني دراسة الشركة جيداً.
الأزمة الأكبر تتمثل في أن التركيز فقط على الشركات التي تحمل أسماء معروفة بالنسبة لك يجعلك تخاطر بفقدان الكثير من الخيارات الأخرى.
وبالتالي فإن هذا التوجه يجعلك وبكامل إرادتك الحرة تقلص مساحة كعكة الاستثمارات المتاحة أمامك من مئات وربما الآلاف من الأسهم المعروضة في السوق إلى حفنة صغيرة من الشركات التي تبدو مألوفة.
ومن الضروري دائماً أن تسأل نفسك قبل أي شيء عن سبب رغبتك في شراء هذا السهم بعينه، وإذا كانت الإجابة تقتصر على أن الشركة معروفة وتمتلك اسماً مألوفاً فإنك لا تمتلك سبباً حقيقياً لدخول هذا الاستثمار.
الأمر يحتاج إلى الاحتفاظ بعقل منفتح يولي اهتماماً متساوياً لكل الخيارات سواء ما تعرفه ويبدو مألوفاً أو الاستثمارات الجديدة بالنسبة لك.
أحب هذا المنتج
منذ ظهور أزمة وباء "كورونا" في بداية العام الجاري، تسارع تدافع المستثمرين نحو منصات التداول الإلكترونية سعياً لتزجية الوقت بعد الاضطرار للبقاء في المنازل واستغلالاً لحالة هبوط الأسواق بعد تفشي الفيروس.
واستقبلت منصة "روبن هود" مثلاً نحو 3.1 مليون مستخدم جديد في الربع الأول من العام الجاري، نصفهم تقريباً أشخاص يسعون للاستثمار للمرة الأولى على الإطلاق.
ومن ضمن عدة استراتيجيات انتهجها هؤلاء المستثمرون الجدد، ظهر التوجه نحو شراء أسهم الشركات التي يستخدمون منتجاتها بشكل يومي في حياتهم الطبيعية، مثل التطبيق الموسيقي "سبوتفاي" وغيره.
والواقع أن الأمر لا يقتصر على المستثمرين الجدد فحسب، ولكن يبدو توجه شراء أسهم الشركات التي يحب المستثمر منتجاتها أو خدماتها أمراً متكرراً بالنسبة للكثير من المشاركين في السوق بصرف النظر عن خبراتهم أو أعمارهم.
وتشير دراسة صادرة في عام 2012 إلى وجود ارتباط قوي بين اختيارات الأفراد في سوق المنتجات وقراراتهم الاستثمارية في سوق الأوراق المالية.
فتعامل الشخص مع شركة وساطة مالية يجعل احتمالات شرائه واحتفاظه بأسهم هذه الشركة أعلى، كما أنه من غير المرجح أن يتجه لشراء حصص في شركات منافسة.
لكن من المهم هنا عدم الخلط بين المنتجات الجيدة والأسهم الجيدة، ففكرة أن شركة ما تقدم سلعة أو خدمة مميزة وتحظى بقبولك لا يعني بالضرورة أن سهمها هو الخيار الأمثل لوضع أموالك فيه.
فربما تقدم "ماكدونالدز" شطائر جيدة تحظى بشعبية في أوساط المستهلكين، لكن هذا لا يعني بالطبع أن شراء سهم الشركة بمثابة خيار مضمون الربح، لأن هناك عوامل خاصة بالشركة نفسها وأعمالها وإيرادتها المتوقعة وحتى سعر السهم الذي ربما يتداول أعلى من قيمته الحقيقية.
بالطبع هناك الكثير من الأسهم القوية لشركات تقدم منتجات جيدة قادرة على المنافسة وجذب المستهلكين وبالتالي تحقيق أرباح مرتفعة، لكن ليس كل الشركات التي تنتج سلعاً مميزة تمثل استثماراً يستحق وقتك ومالك.
ومن الأفضل دائماً أن يكون تقييم المستثمر للشركة بناءً على الحالة المالية والإدارية الكاملة لها وألا يقتصر على امتلاكها منتجاً يلقى القبول فحسب.
لا مكان للمشاعر
يظل الخيط الذي يربط انحيازات بعض المستثمرين لشراء المألوف أو المحبوب بالنسبة لهم هي المشاعر التي قد تقودهم نحو الخسارة المؤكدة.
وفي عالم الاستثمار لا يجب أن تسمح للعواطف والتحيزات الشخصية بالسيطرة على قراراتك أو توجيهك نحو أمور بعينها.
الأمر يتطلب فصلاً كاملاً بين تفضيلاتك الخاصة حول العلامات التجارية وتجاربك الاستهلاكية المتعلقة بمنتجات أو خدمات معينة وبين تقييم مدى جودة وجدوى الاستثمار.
فتفضيلك لجوالات "أيفون" والمزايا التي توفرها لا يعني بالضرورة الاتجاه لشراء سهم "آبل" والاحتفاظ به بصرف النظر عن أداء الشركة أو آفاق أعمالها أو وضع السهم في السوق وسعره مقارنة بقيمته العادلة.
كما أن شعورك بالرضا عن سيارة "تسلا" التي قمت بشرائها مؤخراً يعتبر أمراً منفصلاً تماماً ولا يجب أن يكون سبباً لشراء سهم الشركة أو إبقائه في المحفظة الاستثمارية.
الأمر يتطلب دائماً السيطرة على المشاعر الشخصية والتركيز على البحث والدراسة والحصول على المعلومات اللازمة لاتخاذ قرار سليم سواء بالشراء أو البيع بناءً على حقائق منطقية مرتبطة بالاستثمار.
يمكنك دائماً أن تشعر بالإعجاب تجاه شركات شهيرة تمتلك علامة تجارية معروفة، كما بإمكانك شراء ما تحب من سلع وخدمات في أي وقت، لكن يجب أن تتذكر دائماً أن للاستثمار قواعد مختلفة.
قرار شراء سهم ما يجب أن يعبر عن اعتقاد المستثمر بأن هذه الشركة تمتلك أعمالاً جيدة ووضعاً مالياً قوياً وآفاقاً مستقبلية مشرقة، بالإضافة إلى أنها تتداول بأقل من قيمتها الحقيقية.
المصادر: أرقام – سي إن بي سي – فيجوال كاباليست
دراسة: Do Investors Buy What They Know? Product Market Choices and Investment Decisions
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}