نبض أرقام
01:24 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

الكبرياء القاتل .. فخ التكلفة الغارقة الذي يزيد خسائر المستثمرين

2020/08/14 أرقام - خاص

إذا قمت بشراء تذكرة لمباراة في كرة قدم لمشاهدة لاعبك المفضّل مباشرة، لكنك علمت قبل ساعات من انطلاق المباراة أن هذا النجم الشهير تعرّض لإصابة ستمنعه من اللعب، هل ستقرر الحضور لمجرد أنك دفعت بالفعل قيمة التذكرة؟.
 

إذا كانت إجابتك بنعم، فأنت للأسف ضحية لمغالطة التكلفة الغارقة.
 

 

الطعم المُر للخسارة
 

الإنسان بطبيعته يكره الخسارة ويحاول تجنبها بأي ثمن، وبينما قد يبدو هذا الشعور منطقياً وعقلانياً أيضاً فإنه قد يؤدي لمزيدٍ من الخسائر على المدى الطويل.
 

وتمثل مغالطة التكلفة الغارقة وضع الاستثمار الذي تم إنفاقه بالفعل في أمر ما كأساس للحكم على ما إذا كان يجب الاستمرار فيه أم التوقف.
 

والتكلفة هنا قد لا تقتصر على الأموال فحسب، لكنها قد تكون جهداً أو وقتاً تم استثماره في هذا الفعل سابقاً.
 

والمغالطة تبرز في قرار استمرارك في فعل ما فقط لمجرد أنك قمت ببعض الجهد فيه ولا تريد إضاعته هباءً، وبالتالي أنت تجعل القرار مرتبطاً بالماضي وليس بتوقعاتك للمستقبل ونتائجه.
 

وهناك أمثلة عديدة على مغالطة التكلفة الضائعة في حياتنا اليومية، فعندما يقرر الشخص إكمال وجبة غذاء لم تلق قبولاً منه لمجرد أنه دفع ثمنها بالفعل أو الاستمرار في حضور حلقة دراسية بعد اكتشافه أنها دون المستوى المأمول فإنه يمثل تعبيراً دقيقاً عن هذه المغالطة.
 

وحتى على المدى البعيد، قد يقرر البعض الاستمرار في دراسة مجال ما أو العمل في مهنة رغم اكتشافهم أنها ليست ما يرغبون في القيام به مستقبلاً، لكنهم محاصرون في معضلة "لقد بذلت مجهوداً أو قضيت وقتاً طويلاً بالفعل ولا أريده أن يضيع سدى".
 

 

تخيل أنك ذهبت لحضور حدث بقيمة تذكرة 10 ريالات لكن عندما حاولت إخراج المبلغ من حافظتك اكتشفت ضياع ورقة نقدية بنفس القيمة، هل ستظل عند قرارك بشراء التذكرة؟.
 

توضح نتائج دراسة أن 88% من المستطلع آراؤهم قالوا إنهم سيدفعون ثمن التذكرة لحضور الحدث رغم ضياع مبلغ مماثل.
 

الآن تخيل أنك ذهبت لحضور نفس الحدث الذي يتكلف نفس المبلغ المالي وقمت بشراء التذكرة بالفعل، لكنك اكتشفت ضياعها قبل دقائق من الدخول للمكان، هل ستعود لشراء أخرى سريعاً؟
 

غالباً لا، حيث إن 54% من المشاركين في التجربة قالوا إنهم لن يعودوا لشراء تذكرة أخرى.
 

ورغم أن الموقف يعتبر متشابهاً تقريباً في كلتا الحالتين؛ فالمبلغ المفقود والقيمة التي يجب دفعها مجدداً واحدة، فإن السيناريو الثاني يبدو مختلفاً بالنسبة للأغلبية؛ لأنه يمثل ضياع أموال كانت مخصصة لغرض محدد وبالتالي فإن الخسارة كانت أكثر إيلاماً وتأثيراً.
 

وتشير الأبحاث إلى أن الإنسان قد يشعر بالحزن بسبب الخسارة أكثر من سعادته بالربح، وبالتالي فإننا نبذل قصارى جهدنا تلقائياً لتفادي هذا الشعور.
 

ربما تبدو هذه المغالطة مرتبطة أكثر بالتفكير الفردي للأشخاص والذين قد تسيطر عليهم العاطفة أكثر من المنطق، لكن الواقع أن الأمر يصل إلى الدول أيضاً.
 

كونكورد يجب أن تموت
 

عندما دخلت طائرة "كونكورد" الخدمة في عام 1976 كان معروفاً أنها طائرة للأثرياء فقط المستعدين للاستمتاع برحلة جوية فاخرة وسريعة بين جانبي المحيط الأطلسي.
 

 

وبلغت تكلفة تذكرة الرحلة على متن الطائرة بين نيويورك ولندن نحو 7995 دولاراً، وهو ما يعادل أكثر من 30 مثل تكلفة التذاكر الأرخص على طائرات أخرى.
 

 ورغم مميزات الطائرة التي اشتركت في صناعتها فرنسا وبريطانيا والمتمثلة في سرعتها التي تقارب ضعف سرعة الصوت وبالتالي قدرتها على قطع وقت الرحلة في نصف المدة العادية، فإن الأمر جاء بثمن آخر.
 

وكانت "الكونكورد" قادرة على قطع نصف المسافة التي تقطعها "بوينج 747" مثلاً، كما أن عدد المقاعد أقل كثيراً من الطائرات الأخرى، بالإضافة إلى الضوضاء التي تثيرها والتي تمنعها من الطيران فوق الأحياء السكنية.
 

ومع اقتصار الرحلات الخاصة بالطائرة من باريس ولندن إلى نيويورك فحسب، كان الطلب ضعيفاً من قبل العملاء مع حقيقة ارتفاع تكاليف التشغيل أيضاً.
 

وقررت "إير فرانس" و"بريتش إيروايز" وضع حد لعمل الطائرة أخيراً وإخراجها من الخدمة عام 2003.
 

لكن الواقع يشير إلى أن ارتفاع التكاليف والخسائر التشغيلية لم يكن أمراً جديداً بالنسبة لحكومتي فرنسا وبريطانيا، لكنهما فضلتا بعد بدء المشروع بفترة الاستمرار في التعاون المشترك؛ لأنهما استثمرا بالفعل الكثير من الأموال.
 

لقد كان مشروع "كونكورد" يجب أن يتوقف منذ فترة طويلة، لكنه استمر قرابة 27 عاماً؛ بسبب مغالطة التكلفة الغارقة.
 

فخ الاستثمار
 

يواجه أي مستثمر خيارين في حال تراجع سعر أحد الأسهم التي قام بشرائها: البيع ووقف الخسارة أو الاحتفاظ به.
 

 

وفي حين أن القرار النهائي يخضع لعدد من المعايير، فإن بعض المستثمرين يفضلون الاحتفاظ بالسهم الخاسر أو حتى شراء المزيد منه بعد الهبوط لخفض متوسط السعر الإجمالي، رغم الشك في صعوبة تعافي السهم لاحقاً.
 

ويكمن السبب وراء هذا القرار في سعي المستثمر لتفادي تحول الخسارة الورقية إلى أخرى فعلية، وعدم الاعتراف بارتكاب خطأ أملاً في تحول الموقف بطريقة ما لاحقاً.
 

لكن رفض الاعتراف بالخطأ والتصميم على إلقاء المزيد من الأموال في استثمار ظهر للعيان عدم صحته قد يعني فتح الباب لمزيد من الخسائر.
 

بالطبع لا يعني ذلك القبول بالخسارة والخروج مع أول هبوط للسهم، لكن من المهم أن تركز دائماً على الآفاق المستقبلية وتوقع ما هو قادم وليس البكاء على اللبن المسكوب والرغبة في استعادة ما تم إنفاقه بالفعل بصرف النظر عن المخاطر المحتملة.
 

وبالتالي فإن قرار الاستمرار في الاستثمار – سواء في سهم أو استراتيجية أو نشاط ما – يجب أن يكون مبنياً على توقعات النمو والتغير في المستقبل وليس المال أو الجهد أو الوقت الذي تم استثماره بالفعل في الماضي.
 

تجاهل كبرياءك وتقبل الخسارة
 

مشكلة التكلفة الغارقة أنك مهما فعلت لن تتمكن من استردادها ثانية، لقد حدثت بالفعل وانتهى الأمر.
 

 

وكلما كان بإمكانك الاعتراف لنفسك بهذه الحقيقة البسيطة والبديهية كان بالإمكان أن توقف الخسارة اللاحقة وتصغي لصوت المنطق بالنسبة للقرار الذي يجب أن تتخذه بشأن الاستمرار من عدمه.
 

ويظهر هنا ضرورة وضع مستهدف واضح لاستثمارك قبل الدخول في السوق أو شراء سهم معين، وبالتالي وضع نقطة خروج تلقائية تجنبك معضلة التفكير في التكلفة الغارقة.
 

وبشكل عام لا ينبغي عليك وضع التكلفة الغارقة في الاعتبار عند اتخاذ قرارك، مع الاعتراف بأن هذه التكاليف مستقلة تماماً عما قد يحدث في المستقبل، وإذا كانت الخسارة الأولية حدثت بالفعل، فإنه من الذكاء ألا نزيد الأمر سوءًا.


 

المصادر: أرقام – تشارلز شواب – بيزنس إنسايدر – تريد براين - تايم

دراسة The psychology of sunk cost

كتاب You Are Not So Smart

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.