ربما لا يتوقف الكثيرون عند تاريخ السادس من مارس عام 1974، لكن هذا اليوم كان بمثابة نقطة تحول في تاريخ الإنسانية، فقد أعلن قرار على لسان رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك "بيير ميسميه" ربما أنقذ البشرية من ارتفاع خطير في درجات الحرارة سمي وقتها في الدوائر العلمية بظاهرة "الاحتباس الحراري".
كان قرار "ميسميه" عبارة عن خطة لبناء 80 محطة للطاقة النووية خلال العقد التالي و170 محطة أخرى بحلول نهاية القرن العشرين، وذلك في ضوء الارتفاع الحاد في أسعار النفط في ذلك الوقت.
بديل أكثر نظافة
- وقت السبعينيات، كانت فرنسا تحصل على غالبية إنتاجها من الكهرباء بتوليده من النفط، لكن "ميسميه" والرئيس الفرنسي "جورج بومبيدو" قررا كسر اعتماد باريس على الخام المشترى من الخارج من خلال التوجه نحو الطاقة النووية.
- في أوقات أخرى، كان هذا القرار سيعد بمثابة مجرد تنويع لمصادر الطاقة في فرنسا ورغبة لدى باريس بالتغيير.
- بدت الطاقة النووية واعدة في خمسينيات القرن الماضي، وبنت غالبية الدول الصناعية مفاعلاً تجريبياً واحداً على الأقل، لكن هذا المصدر من الطاقة تعرض لأوقات من الصعود والهبوط بسبب نزاعات في فترة الستينيات وتطوير أسلحة نووية.
- قبل قرار "ميسميه" بيومين، كان رئيس الوزراء البريطاني "إدوارد هيث" على وشك خسارة الانتخابات بسبب إضراب نظمه عمال مناجم الفحم وتسبب في تباطؤ الاقتصاد.
- كان "هيث" يبحث عن بدائل للفحم، وفشل في إطلاق برنامج للمفاعلات النووية محلياً ليذهب إلى فرنسا لطلب المساعدة.
- على الجانب الآخر من الأطلسي، أسفرت الأحداث في أوروبا عن التشجيع على توجه الولايات المتحدة من خلال رئيسها في ذلك الوقت "جيمي كارتر" نحو تطوير الصناعة الأمريكية.
- بدأت الشركات الصناعية الكبرى في أمريكا في التحول نحو الاعتماد على كهرباء ناتجة من الطاقة النووية بدلا من الفحم، ولم يحدث سوى حادث صغيرة - تم احتواؤه بنجاح في أيام معدودة في "ثري مايل" بولاية "بنسلفانيا" عام 1978 عندما وقع انصهار جزئي في وحدة نووية.
- توسع استخدام الطاقة النووية في مناطق أخرى حول العالم كالهند التي أنشأت مفاعلاً نووياً بنجاح في "مومباي" عام 1985، وتسابقت العديد من الدول للحصول على كميات من الوقود النووي اللازم لتوليد الكهرباء وتحدي الاقتصادات الكبرى.
- تنبهت الدول أيضا لمخاطر الفحم كوقود ملوث للبيئة ومسبب كبير للاحتباس الحراري بسبب الانبعاثات الكثيفة والضارة الناتجة عن حرقه، وأشارت دراسات مبنية على حسابات ومعدلات حرق النفط والفحم في فترة السبعينيات أن الأرض أكثر احتراراً بنصف درجة مئوية حالياً وسوف تصبح أعلى درجتين مئويتين بحلول عام 2050 ثم بست درجات بحلول عام 2100.
- تعني الست درجات أن سطح الأرض سيكون عبارة عن صحراء قاحلة، لكن بفضل خطط مثل التي طرحها "ميسميه" ونجاحها بشكل واسع النطاق وانطلاق ثورة في الطاقة النووية، ربما لا يكون على البشر الخوف من الست درجات.
مستقبل الطاقة النووية
- هناك معسكران للرأي بشأن الطاقة النووية في الوقت الحالي الأول يدعو لتبني هذا المصدر بوصفه أقل تلوثاً من أجل توليد الكهرباء والثاني يحذر من خطورة كوارثه على البشرية، وهذا الجدل ليس وليد اليوم، بل امتد عبر عقود.
- يتحدث المعسكر المؤيد للطاقة النووية عن فوائد هذا المصدر لتوليد الطاقة بشكل نظيف وغير ضار بالبيئة وغير مسبب للتغيرات المناخية، بينما تخرج أصوات المعسكر المعارض في الأغلب من أوروبا التي عانت من كارثة "تشيرنوبل".
- يبدو المعسكران على حق، فالأول يتحدث عن الفوائد والثمار للكوكب والبشرية وتشغيل صناعات مختلفة كالأقمار الصناعية والغواصات والسفن الحربية بهذا المصدر والثاني يتحدث عن المخاطر المهلكة للإنسانية وأيضا عن التكاليف الباهظة من إنشاء مفاعلات نووية.
- عند الحديث عن الأمان، يجب طرح تساؤل هام عن أي المخاطر أكبر من استخدام الطاقة النووية: كوارثها مثل "تشيرنوبل" و"فوكوشيما" أم عدم استخدامها والتعرض للتغيرات المناخية؟
- كما أن المحطات النووية تستهلك في الأساس كميات كبيرة من الطاقة للتشغيل والحفاظ على أمان عملياتها من خلال التدخل في الوقت المناسب للسيطرة على أي تسرب أو خلل فني دون تدخل بشري.
- من هنا يمكن القول إن كل دولة تحدد احتياجاتها بنفسها من حيث تفضيل الطاقة النووية على مصادر الوقود الأحفوري أو الاستعانة بمصادر أخرى مع الأخذ في الاعتبار عوامل التكلفة والأمان والضرورة الاقتصادية والبيئة.
المصادر: إيكونوميست، أويل برايس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}