يمر الدولار الأمريكي بواحدة من أسوأ أيامه خلال الفترة الحالية، مع موجة بيعية ملحوظة من قبل المستثمرين دفعت الورقة الخضراء لأدنى مستوى في عامين.
وتتجه الورقة الخضراء خلال يوليو الجاري لتسجيل أسوأ أداء شهري في 9 سنوات تقريباً، وسط توقعات باستمرار الخسائر والرهان على مزيد من المعاناة لعملة الاحتياط الأولى في العالم.
هبوط بلا نهاية قريبة
- في 22 مارس الماضي سجل مؤشر الدولار أعلى مستوياته في ثلاث سنوات ونصف مقترباً من حاجز 103 نقاط، مستفيداً من تدافع المستثمرين للملاذات الآمنة مع انتشار وباء كورونا.
- لكن الدولار فقد علامة "العملة الآمنة" مؤخراً لصالح الذهب وعملات مثل اليورو والين مع تفشي "كوفيد-19" في الولايات المتحدة بوتيرة حادة والتوقعات القاتمة حيال أداء الاقتصاد الأمريكي خاصة مع عدم اليقين بشأن الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر والتكهنات بشأن استمرار معدلات الفائدة المنخفضة تاريخياً.
- وصل عدد حالات الإصابة بالفيروس في الولايات المتحدة لأكثر من 4.4 مليون شخص مع وفاة 150 ألف أمريكي، لتستمر معاناة واشنطن جراء الوباء مقارنة بتراجع حدة العدوى في معظم الدول الأوروبية والآسيوية.
- ينتظر المستثمرون إعلان بيانات النمو الاقتصادي الأمريكي هذا الأسبوع، وسط توقعات بانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 35% في الربع الثاني من العام الحالي على أساس سنوي، ما يعد أسوأ كثيراً من الانكماش المتوقع في منطقة اليورو مثلاً عند 12%.
- عانى الدولار أيضاً من اختفاء فارق معدلات الفائدة بين الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى والذي كان عامل دعم في السنوات الماضية، مع خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الفائدة لنطاق يتراوح بين صفر و0.25% وتوقعات استمرار هذا المعدل لفترة طويلة وحتى تكهنات البعض باحتمالية تقليصه دون الصفر.
- استغلت عملات الدول المتقدمة ابتعاد المستثمرين عن الدولار، لتسجل أداءً قوياً مقابل عملة الاحتياط الأولى عالمياً، بقيادة اليورو الذي سجل أعلى مستوى في عامين والين الياباني الذي يتداول عند أفضل مستوياته في 5 أشهر.
- اليورو مثلاً استفاد من توصل قادة أوروبا لاتفاق بشأن صندوق التعافي البالغ قيمته 860 مليار دولار تقريباً مع إعادة فتح الاقتصادات مجدداً وسط انخفاض حالات الإصابة بالوباء، وهي الأمور التي تفتقدها الولايات المتحدة مع استمرار الخلافات حول حزمة التحفيز الإضافية المنتظرة.
- ومع معاناة الاقتصاد الأمريكي بدرجة أكبر من نظرائه في أوروبا وآسيا بفعل الوباء ومخاوف تعطل تعافي إعادة فتح الاقتصاد، فإن تصعيد الأزمة الجيوسياسية مع الصين مؤخراً دفع المستثمرين خطوات أخرى بعيداً عن الدولار.
- وحتى عملات الأسواق الناشئة تفوقت على الدولار خلال الشهر الجاري، ليحقق البيزو المكسيكي ارتفاعاً بحوالي 5% وصعود الريال البرازيلي بنسبة تقارب 6%.
- وانخفض مؤشر الدولار والذي يقيس أداء العملة أمام 6 عملات رئيسية لأدنى مستوى منذ يونيو 2018 مسجلاً 93.4، وفاقداً نحو 3.8% من قيمته منذ بداية شهر يوليو، ليتجه لأسوأ أداء شهري منذ عام 2011 وأكبر هبوط في يوليو خلال عقد كامل.
- وتشير البيانات إلى أن صافي المراكز البيعية قصيرة الأجل الخاصة بالدولار بلغت في الأسبوع الماضي أعلى مستوى منذ أبريل 2018، ما يشير إلى رهان مستمر من قبل المستثمرين على مزيد من الهبوط للعملة الأمريكية.
رابحون من الهبوط
- يقدم هبوط الدولار فوائد نسبية للاقتصاد الأمريكي والذي اشتكى مسؤولوه كثيراً في الفترات الماضية من الآثار الجانبية لقوة العملة الخضراء.
- وطالب الرئيس دونالد ترامب مراراً خلال الأشهر الماضية بهبوط الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى، معتبراً أن قوة العملة الأمريكية تمثل أزمة للقطاع الصناعي والاقتصاد غير القادر على المنافسة مع الدول الأخرى.
- عادة ما تدعم العملة الضعيفة الطلب على الصادرات في الأسواق الخارجية، مع حقيقة تراجع تكلفتها بالنسبة للمستهلكين الأجانب، وبالتالي زيادة جاذبيتها النسبية، ما يزيد التصدير ويقلص الواردات ويخفض العجز التجاري.
- كما يقدم الدولار الضعيف خدمة كبيرة للشركات الأمريكية المعتمدة على المبيعات الخارجية، مع زيادة صادراتها من جانب وارتفاع قيمة هذه العوائد عند تحويلها إلى دولارات وتضمينها في القوائم المالية النهائية.
- وتاريخياً، توجد علاقة عكسية بين سعر العملة وسوق الأسهم، حيث إن هبوط الدولار قد يعني ارتفاع "وول ستريت" بسبب ارتفاع إيرادات الشركات الأمريكية المصدرة وجذب السوق لمزيد من المستثمرين الأجانب الذين سوف يستفيدون من هبوط تكلفة الاستثمار.
- ويرى جولدمان ساكس أن ضعف الدولار الأمريكي مؤخراً سيدفع المستثمرين الأجانب للتدافع على شراء الأسهم الأمريكية بقيمة قد تصل إلى 300 مليار دولار هذا العام.
- ونصح البنك المستثمرين بشراء أسهم شركات التكنولوجيا والطاقة الأمريكية التي لها مبيعات مرتفعة في الأسواق الدولية خاصة أوروبا ودول مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين)، متوقعاً هبوط مؤشر الدولار المرجح بحجم التجارة بنحو 5% إضافية خلال الاثني عشر شهراً المقبلة.
- وبعيداً عن الاقتصاد الأمريكي، تستفيد دول العالم من هبوط سعر الدولار عبر انخفاض قيمة ديونها الخارجية المقومة بالعملة الخضراء.
آثار جانبية سلبية
- لكن كما يستفيد الاقتصاد الأمريكي من هبوط الدولار من عدة جوانب، فإنه سيعاني من جهات أخرى أبرزها ارتفاع تكلفة الاستيراد بالنسبة للمستهلك والذي سيضطر لدفع مزيد من الدولارات للحصول على نفس حجم السلع من الخارج.
- كما تتضرر بعض القطاعات الاقتصادية من هبوط الدولار، مثل الشركات العاملة في قطاع الاستيراد والتي ستشهد انخفاضاً للطلب مع زيادة التكلفة.
- ويعني هبوط سعر أي عملة ظهور ضغوط تضخمية متصاعدة في هذه الدولة مع تزايد تكلفة الاستيراد، لكن هذا قد لا يشكل أزمة حالية بالنسبة للولايات المتحدة والتي تعاني منذ فترة من تباطؤ التضخم دون مستهدف الاحتياطي الفيدرالي.
- وبعيداً عن حسابات الورقة والقلم، تعتبر السمعة والمكانة الدولية للدولار مرتبطة بطريقة ما بقيمته المستقرة والتي تعكس قوة وتفوق الاقتصاد الأمريكي وبالتالي تدفع البنوك المركزية لحيازته كاحتياطي نقدي وتزيد استخدامه في التجارة والمعاملات الدولية.
- دفع هذا العامل الهام وزير الخزانة الأمريكي "ستيفن مونشين" للتأكيد مؤخراً على أن الولايات المتحدة تريد دولاراً مستقراً لأنه يعكس الكثير من الأموال الوافدة إلى البلاد.
- وتابع: "الدولار هو عملة الاحتياط الأولى في العالم، ونحن سنحمي هذا".
المصادر: أرقام – سي إن بي سي – بلومبرج – وول ستريت جورنال – إيكونوميك بوليسي – نيويورك تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}