منذ ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بمدينة ووهان الصينية في ديسمبر الماضي، انتقل الفيروس إلى أكثر من 176 دولة في أنحاء العالم.
وانتشر الفيروس سريعا في عدة دول بعد الصين هي كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران وإسبانيا وفرنسا ويزداد انتشارا في بريطانيا والولايات المتحدة لكن معظم الدول الأخرى لم تعلن سوى عن أعداد إصابة محدودة.
ويثير ذلك تساؤلات: هل العدد المنخفض لحالات الإصابة نتيجة لرقابة فاعلة على الحدود أم أنه يعكس نقصا في الرقابة وإجراءات الإبلاغ عن أي حالات إصابة؟
عوامل عديدة
إن انتشار مرض معد من بلد المنشأ عملية معقدة تشمل العديد من العوامل لكن من أهمها العامل المرتبط بحركة الأفراد.
وتوجد عدة عوامل لقياس الحركة ومنها السفر (الداخلي والخارجي) والهجرة والتجارة والقرب ولذلك فإن تسجيل روسيا إصابات تقل عن مائتي حالة أمر يدعو للاستغراب في ظل روابطها القوية بالصين في السفر والهجرة والتجارة.
العدد المنخفض للغاية يثير تساؤلات خاصة في ظل تسجيل دول أخرى لها روابط قوية مشابهة عددا كبيرا من الإصابات عبر الانتقال المحلي وهي اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
ومما يثير الدهشة أيضا أن 15 بلدا تشترك مع الصين في حدود برية أو بحرية سجلت عددا محدودا من حالات الإصابة بالمرض الذي يصيب الجهاز التنفسي.
عدد حالات إصابة محدودة في أفريقيا حتى الآن
وبعيدا عن روسيا، سجلت الدول الأفريقية عددا محدودا أيضا من حالات الإصابة (دون المائة) ولم تسجل دول أخرى بالقارة أي حالات حتى الآن هذا باستثناء مصر التي اقتربت من مائتي حالة.
وتوجد أسباب عديدة محتملة للعدد المنخفض في الدول الأفريقية، فنحن لا نزال في المراحل الأولى لانتشار وباء "كوفيد-19 " لذلك ليس من المستغرب ألا تسجل بعض البلدان أي حالات إصابة ولم تشهد انتقال الفيروس محليا.
لكن فهم السبب مهم للجهد العالمي لاحتواء انتشار الوباء.
أهم الأسباب
توجد تفسيرات عديدة تشرح سبب تراجع عدد الإصابات منها ضعف الروابط في قطاع السفر وكفاءة المراقبة على الحدود وقيود السفر وتأثيرات مناخية محلية وأيضا قلة المراقبة وعدم الإبلاغ عن الحالات المصابة.
وعن السفر، لا ترتبط العديد من الدول الأفريقية بحركة نقل كبيرة مع الصين. وقد زاد ذلك بقيود السفر التي نفذتها الصين في المراحل الأولى لانتشار الوباء التي ربما ساهمت في تأخير وصول كوفيد-19 إلى العديد من هذه البلدان.
وإن صح هذا التفسير، فمن المحتمل ارتفاع عدد الإصابات بدرجة كبيرة في الأسبوعين المقبلين بسبب انتشار الفيروس في أوروبا وروابطها القوية مع القارة الأفريقية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض الدول لها روابط سفر وهجرة وتجارة قوية مع الصين سجلت عددا منخفضا نسبيا من حالات الإصابة منها سنغافورة.
فقد فرضت هذه الدول رقابة وقيودا شديدة مبكرة على الحدود ساهمت على الأرجح في إبطاء انتشار المرض محليا. وإذا صمدت مثل هذه الإجراءات فإن هذه الدول ستشهد زيادات بطيئة فقط في عدد حالات الإصابة خلال الأسابيع المقبلة.
مدار السرطان والمناخ
ومن المثير للانتباه أيضا أن معظم حالات الإصابة بأنحاء العالم مسجلة في شمال مدار السرطان. ففي الوقت الراهن لا توجد سوى ألفي حالة تقريبا جنوب المدار.
وتشكل نسبة الحالات في الدول الواقعة في المناطق المدارية أو نصف الكرة الجنوبي نحو 1.29%من إجمالي عدد حالات الإصابة المسجلة في أنحاء العالم. وهذا قد يعكس العلاقات التجارية وحركة السفر العالمية مع الصين أو تأثير المناخ على انتقال كوفيد-19.
ومن المحتمل أيضا أن تكون الأمراض المعدية بالمناطق المدارية قد غطت على اكتشاف ورصد كوفيد-19 الذي يصاحبه أعراض متوسطة وغير ثابتة في كثير من الأحيان.
وإذا كانت روابط السفر مع الصين العامل المقيد فإن عدد الحالات سيرتفع على الأرجح خلال الأسبوعين المقبلين، أما إن كان المناخ يؤثر على انتقال الفيروس فإن العدد قد يظل منخفضا حتى حلول الشتاء بنصف الكرة الجنوبي.
لكن العدد المنخفض في العديد من الدول قد يكون نتيجة قلة أعداد الاختبارات والإبلاغ عن الإصابات. فكثير من الدول لا تجري اختبارات فحص سوى للمصابين بأمراض خطيرة ولهم تاريخ سفر لمناطق موبوءة بكوفيد-19.
وسيؤدي ذلك إلى تراجع كبير في الإبلاغ عن الإصابات وسيعرض جهود احتواء الفيروس للخطر. وقد قالت منظمة الصحة العالمية في هذا الصدد: "لا يمكنك أن تكافح فيروسا إن لم تستطع تحديد مكانه. اعثر على الفيروس واعزله وقم باختبارات وعالج كل حالة حتى تحطم سلاسل انتشاره".
هل تلعب روسيا لعبة خطرة؟
ومن المحتمل أيضا أن بعض الدول لا تبلغ عن حالات إصابة للحفاظ على سمعتها ولمنع حدوث أي مصاعب اقتصادية قد تصاحب إجراءات احتواء الفيروس ومنها على سبيل المثال قيود السفر.
ومن المثير للقلق على نحو خاص أن روسيا لم تعلن سوى عن عدد إصابات محدود رغم علاقاتها الوثيقة بالصين. ورغم أن هذا قد يعكس إجراءات رقابة قوية على الحدود إلا أن من المحتمل أيضا أن يكون العدد المحدود نتيجة قلة المراقبة والإبلاغ.
وبالأخذ في الاعتبار الأدلة التي ظهرت مؤخرا عن أن روسيا تقف وراء عدة حملات معلومات مضللة بشأن كوفيد-19، فإن القلق يزداد من احتمال خوض روسيا لعبة خطرة مع قطاع الصحة العالمية.
وفي النهاية فهذا وباء تتكشف آثاره على نحو دراماتيكي ويحتاج جهودا منسقة من الدول في كل أنحاء العالم من أجل السيطرة عليه.
المصدر: موقع "ذا كونفريزشن"
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}