مع المخاوف الاقتصادية الجمة المتعلقة بتفشي فيروس "كورونا" الجديد، يُثار تساؤلٌ منطقي حول تأثير الأوبئة على الاقتصاد بشكل عام، لاسيما مع التحذيرات من عدم إمكانية تصنيع لقاح مضاد للفيروس قبل عدة أشهر.
تكلفة سنوية
ويقدر مؤشر تقدير المخاطر أن الأوبئة تكلف الاقتصاد العالمي قرابة 60 مليار دولار سنويًا، وذلك في الأعوام "العادية" التي لا تشهد انتشارًا لفيروس على نطاق واسع وإنما وجود أوبئة على نطاق "طبيعي"، لا يشمل حالات الذعر أو الطوارئ الدولية.
وبلغت تكلفة فيروس "سارس" الذي انتشر بين عامي 2002-2004 على الاقتصاد العالمي قرابة نصف تريليون دولار، بما في ذلك النفقات التي استلزمتها مكافحته، والإجراءات المشددة في المنافذ الحدودية والمستهلك من المواد الطبية للوقاية منه أو لمكافحته.
بل لا يقتصر الأمر على توجيه الإنفاق في اتجاه الفيروس، بل إن "سارس" على سبيل المثال تسبب في انخفاض الناتج العالمي بنسبة 0.1 إلى 0.3% في عام 2003 وفقًا لتقديرات "جولدمان ساكس" خاصة مع تفشيه في الصين، وهي إحدى القوى التقليدية التي تقود النمو الاقتصادي عالميًا.
ولا يقتصر تأثير الأوبئة فقط على الحد من حركة الأفراد أو السلع عبر الحدود، بل يمتد ليشمل ارتفاع تكلفة التأمين على الحياة، والتي ارتفعت بفعل "سارس" على سبيل المثال بنسبة 30% في الصين، وارتفعت عالميًا بنسبة 7% بين عامي 2002-2004.
تكلفة فورية
وتُقدر "سي إن إن" أن فيروس "كورونا" سيكلف الاقتصاد الصيني قرابة 60 مليار دولار في الربع الأول من عام 2020 فحسب، وذلك إذا ظل على نفس مستويات الانتشار دون زيادة، وقد ترتفع التكلفة بشكل لافت إذا اضطرت الحكومة لاتخاذ المزيد من الإجراءات المتعلقة بعزل بعض المناطق.
أما "بلومبرج" فتشير تقديراتها إلى أن الاقتصاد الصيني قد ينمو بنصف المعدل المتوقع للربع الأول (5.5%) فقط، مع إمكانية تراجع هذا المعدل إذا استمرت إجراءات إغلاق مدن رئيسية مثل ووهان على سبيل المثال.
وسيكون لذلك الأمر تأثير مضاعف على الاقتصاد العالمي بسبب مساهمة الصين بما يقرب من 17% من الناتج الإجمالي العالمي من جهة، وبسبب مساهمتها المباشرة في الإنتاج الصناعي العالمي بنسبة تفوق تلك النسبة كثيرًا من جهة أخرى.
ومنذ أن بدأ الفيروس في الانتشار تراجعت أسعار النفط جزئيًا وارتفع سعر الذهب بشكل نسبي أيضًا، ولكن هذا الارتفاع والانخفاض ربما يكون مؤقتا. فمع استقرار فيروس "سارس" وتراجع معدلات انتشاره (وليس اختفاؤه كليًا) عادت أسعار الذهب والنفط إلى نفس مستويات ما قبل الفيروس.
وعلى الرغم من توقعات وزير التجارة الأمريكي بمساهمة فيروس كورونا في عودة المزيد من الوظائف إلى الولايات المتحدة إلا أن "جولدمان ساكس" يرجح انخفاض النمو الأمريكي بنسبة 0.4% خلال الربع الأول من العام الحالي، على أن تزيد تلك النسبة إذا زاد انتشار الفيروس وتتراجع بتراجعه.
السياحة أيضًا
وتشير شركة "ماكنزي" إلى أن الإجراءات المتخذة ضد السياحة الصينية ستتسبب في ضرر بالغ للسياحة العالمية في ظل مساهمة الصينيين بقرابة 277 مليار دولار في هذا السوق عالميا (2018)، وتصديرها لقرابة 150 مليون سائح سنويًا لخارج الحدود، بما يؤشر لضربة قوية سيتلقاها القطاع السياحي.
بل إن تقريرًا للـ"تايم" الأمريكية يشير إلى تراجع حركة الطيران العالمية بنسبة 7% خلال الشهر الماضي مع توقعات بارتفاع تلك النسبة مع إصرار الحكومات على تجنب "السفر غير الضروري" وحالة الذعر الدولية المرتبطة بانتشار الفيروس في أكثر من دولة.
وحذر رئيس شركة "آبل" من أن استمرار الفيروس سيؤثر سلبًا على خطوط إنتاج الشركة وقد يحد من توافر منتجاتها في الأسواق في ظل اعتمادها على المصانع الصينية، والوضع نفسه بالنسبة لعشرات الشركات التي أصدرت تحذيرات مماثلة.
هذا على مستوى الاقتصاد بشكل عام، أما على مستوى الأسواق المالية فتأتي التأثيرات متناقضة، فيظهر هناك فائزون وخاسرون. فعلى سبيل المثال أدى سارس لارتفاع أسهم شركات الأدوية والصيدلة بنسبة 14% في الصين، بينما تراجعت أسهم شركات الطيران بنسبة 4% عالميًا بسبب القلق حول قيود السفر وتراجع الحركة عبر الحدود.
وعلى الرغم من أن الكثير من التأثيرات الاقتصادية تبدو مؤقتة، إلا أن توقيت انتشار الأوبئة إذا ترافق مع فترة من التباطؤ فإن آثاره تكون مدمرة على الاقتصاد في ظل ميل المواطنين للادخار على حساب الاستهلاك بما يزيد من احتمالات الركود، لاسيما إذا لم يكن بالأفق حل واضح للفيروس يطمئن الاقتصاد والأسواق.
المصادر: جولدمان ساكس – بلومبرج – سي إن إن – تايم
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}