نبض أرقام
01:07 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

ببساطة ودون تعقيد.. ما مصير الاقتصاد العالمي لو لم يكتشف علاج لـ"كورونا" قريبًا؟

2020/02/01 أرقام - خاص

العالم فوق صفيح ساخن!.. منذ أن أعلنت الصين أوائل يناير الماضي وفاة عدد من مواطنيها نتيجة إصابتهم بفيروس غامض -آخذ في الانتشار بسرعة بين سكان مدينة ووهان الذين يزيد عددهم على 11 مليون نسمة- أصيب الاقتصاد العالمي بحالة من الذعر من احتمال خروج الأمر عن نطاق السيطرة مما قد يؤدي إلى تعطيل عجلتي الإنتاج والاستهلاك في أكبر دول العالم اكتظاظًا بالسكان.

 

 

هذه الأزمة -التي ربما لم يتوقعها أكثر الناس تشاؤمًا- دفعت كبرى الشركات العالمية إلى اتخاذ إجراءات احترازية سريعة آملةً في ألا يطول الأمر. على سبيل المثال، تستعد "أبل" حاليًا للبحث عن بديل لسلاسل التوريد الخاصة بها في الصين، بينما قام مصنع الأثاث "أيكيا" بإغلاق كافة متاجره الثلاثين هناك بعد أن منح 4 آلاف موظف إجازة مدفوعة الأجر.

 

محاولة للسيطرة على الوضع

 

أغلقت "ستاربكس" نصف متاجرها في الصين البالغ عددها أكثر من 4 آلاف متجر. وفي الأربعاء الماضي أوقفت الخطوط الجوية البريطانية والخطوط الجوية الكندية جميع رحلاتها إلى الصين، بينما قام عدد كبير من شركات الطيران العالمية بتخفيض عدد رحلاته إلى الدولة الآسيوية التي أصبحت في غضون أيام دولة منبوذة.

 

أغلقت آلاف المصانع في الصين أبوابها مؤقتًا وتم تعطيل خطوط إنتاج ومنافذ بيع بالتجزئة، وطلب من السكان في مدينة ووهان تحديدًا أن يلزموا بيوتهم، وهو ما أدى إلى تعطيل عمل كبرى شركات السيارات العالمية التي تمتلك مصانع في المدينة مثل جنرال موتورز ونيسان وفورد وهوندا.

 

 

حتى لحظة كتابة هذا التقرير في الساعات الأولى من صباح الأول من فبراير بلغ عدد المصابين بالفيروس التاجي الغامض (كورونا) في الصين وحدها ما يقرب من 11800 مصاب توفي أكثر من 250 منهم. وللأسف يبدو أن الفيروس آخذ في الانتشار بوتيرة متسارعة رغم الإجراءات المشددة التي تتخذها السلطات الصينية.

 

في محاولة لإبطاء وتيرة انتشاره من أجل تسهيل السيطرة عليه قامت السلطات الصينية بتمديد أجل العطلة الوطنية للبلاد إلى الثالث من فبراير، ووضعت قيوداً على حركة النقل البري الجوي وأغلقت 16 مدينة على 50 مليون من سكانها والذين وجدوا أنفسهم فجأة محاصرين فيما يشبه الحجر الصحي.

 

شلل في مصنع العالم

 

أعلنت 14 مقاطعة ومدينة صينية تمثل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي الصيني فضلًا عن 78% من صادرات البلاد أن الشركات والمصانع الموجودة بها قد تؤجل استئناف عملياتها لمدة أسبوع آخر عقب نهاية الإجازة السنوية التي كان من المقرر أن تنتهي في الثلاثين من  يناير.

 

هذه المدن والمقاطعات الأربعة عشرة مسؤولة عن 90% من عمليات صهر النحاس في الصين و60% على الأقل من إنتاج الصلب و65% من أنشطة تكرير النفط و40% من إنتاج الفحم.

 

وبالمناسبة، لا تقتصر أهمية الصين بالنسبة للعالم على إنتاجها الصناعي فقط. فالمستهلكون الصينيون يشكلون جزءًا أساسيًا من قاعدة عملاء كبرى الشركات العالمية المنتجة للسيارات والجوالات الذكية وغيرها من المنتجات. ووفقًا لمنظمة السياحة العالمية، عندما يسافر السياح الصينيون إلى خارج البلاد ينفقون نحو 258 مليار دولار سنويًا، وهو ما يقرب من ضعف ما ينفقه السياح الأمريكيون.

 

 

وربما يندهش البعض حين يعرف أن أخطر ما في هذه الأزمة هو أنها وقعت في الصين تحديدًا في ذلك الوقت تحديدًا. ولو ظهر هذا الفيروس في إفريقيا مثلًا لما حصلت القارة السمراء على عشر هذا الاهتمام العالمي، بل إنه حتى لو ظهر في الصين نفسها قبل 4 عقود مثلًا لما حدثت ضجة مثل هذه.

 

والسبب ببساطة هو أن الصين أصبحت اليوم جزءًا أساسيًا من الآلة الصناعية العالمية الحديثة، باعتبارها أكبر منتج في العالم والمسؤول عن سدس الإنتاج العالمي.

 

في غضون 3 أسابيع.. نفاد المخزون

 

إغلاق المصانع الصينية أبوابها ولو مؤقتًا سيتسبب في تعطيل القطاعات الصناعية في كثير من البلدان حول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة والتي تعتمد بشكل كبير على سلاسل التوريد الصينية في عدة قطاعات أبرزها التكنولوجيا والمستحضرات الصيدلانية والسيارات.

 

باختصار.. كلما ظل فيروس "كورونا" دون علاج وطال أمد الأزمة تقلص الإنتاج الصناعي الصيني، وزاد خطر تعطل كل المصانع التي تعتمد على المنتجات الصينية الوسيطة في عملياتها الإنتاجية. دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام ستعيش كابوساً بالنظر إلى أن 40% من إجمالي وارداتها من المنتجات المصنعة الوسيطة جاء من الصين في عام 2015.

 

في السياق ذاته، حذرت شركة البيانات المالية "آي إتش إس ماركت" من احتمال قيام الموردين الصينيين في المناطق المتأثرة بفيروس كورونا بإعلان حالة "القوة القاهرة" لإعفاء أنفسهم قانونيًا من مخاطر عدم تصدير السلع المتعاقد عليها، وهو ما قد يؤدي إلى تعطل العديد من المصانع العالمية في غضون 3 أسابيع فقط، لأن أغلب المصانع الصينية لا تحتفظ في مخازنها إلا بمخزون يكفي لثلاثة أسابيع.

 

 

الأيام والأسابيع القادمة ستكون حاسمة جدًا في تحديد مدى نجاح الجهود المبذولة للحد من انتشار الفيروس وآثاره داخل وخارج الصين. السيناريو الأسوأ هو أن تحتاج الصين لنفس المدة التي احتاجتها قبل 17 عامًا للسيطرة على فيروس متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد "سارس".

 

استغرقت الصين 8 أشهر قبل أن تتمكن من السيطرة على "سارس" في يوليو 2003. ولكن هل يصمد الاقتصاد العالمي مدة مثل هذه بدون المصانع الصينية والمستهلكين الصينيين؟ ممكن، ولكنه يظل احتمالًا ضعيفًا جدًا. فالصين في بداية الألفية الثالثة مختلفة كليًا عن الصين التي يطلق عليها اليوم "مصنع العالم".

 

للأسف، يشير الكثير المتخصصين إلى أن إيجاد علاج لفيروس "كورونا" قد يستغرق أكثر من عام، وذلك نظرًا لمدى تعقيد عملية تطوير عقارات مضادة للالتهابات الفيروسية. والتحدي الآن أمام الصين هو أن تسيطر بقدر الإمكان على رقعة انتشار المرض بحيث لا يتحول إلى وباء يأكل الأخضر واليابس.

 

أخبار غير جيدة

 

تعطل المصانع الصينية معناه أن حاجة الدولة الآسيوية للنفط الخام ستقل وهو ما سيؤدي إلى انخفاض وارداتها منه. هذه الحقيقة سرعان ما انعكست على أسعار الخام التي انخفضت بنسبة 17% مقارنة مع أعلى مستوى لها في يناير الماضي.

 

وبناء على ذلك، من المتوقع أن تتأثر كل الدول المنتجة للنفط والغاز وخصوصًا تلك التي تستهدف الصين التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة وأكبر مستورديه على الإطلاق. ووفقًا لرويترز تدرس حاليًا منظمة أوبك احتمال تقديم ميعاد اجتماعها المقرر عقده في مارس القادم من أجل مناقشة ما يجب اتخاذه من إجراءات للتعامل مع تداعيات أزمة "كورونا".

 

 

وفقًا لبيانات شركة "كلبر" الفرنسية، انخفضت واردات الصين من النفط الخام بنحو مليوني برميل يوميًا في الفترة ما بين يومي 15 و22 يناير الماضي وذلك مقارنة مع المتوسط اليومي لوارداتها في الشهر نفسه من العام الماضي. ومنذ بداية العام الجاري انخفضت واردات الدولة الآسيوية بواقع 3 ملايين برميل يوميًا.

 

الوضع باختصار كالآتي: لأسباب مختلفة منها الإنساني ومنها الاقتصادي يراقب العالم كله الآن التطورات المتعلقة بانتشار "كورونا" في الصين التي أصبحت في العقدين الماضيين جزءًا لا يتجزأ من كافة قطاعات الاقتصاد العالمي تقريبًا، بشكل يجعل من المستحيل أن ينجو العالم من دونها. وفي النهاية، كلٌّ يغني على ليلاه.

 

والطريف أنه على مدار الأعوام الثلاث الماضية ظل الخبراء والمحللون يتشاجرون ويتناحرون حول توقعاتهم لمستقبل الاقتصاد العالمي وهل أكثر ما يهدده الحرب التجارية أم الاحتباس الحراري أم شيء آخر؟ وفي النهاية جاء الخطر الذي يهدد الاقتصاد والحياة أصلًا من شيء لم يتوقعه أحد: فيروس متناهي الصغر لا يرى بالعين المجردة.. ما أهون الإنسان!

 

المصادر: أرقام – بلومبرج – فينانشيال تايمز – نيويورك تايمز –  ناشيونال إنترست – رويترز – آي إتش إس ماركت – فورين بوليسي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.