تفوقت مكاسب الأسهم الأمريكية بشكل كبير في 2019 على نمو أرباح الشركات، والتي عادة ما يثير تباطؤها مخاوف من انهيار محتمل في الأسواق إما بفعل ركود اقتصادي قادم أو ببساطة لأنه يعني أن ارتفاع الأسهم لم يكن سوى فقاعة يجب أن تنفجر عند مرحلة ما.
ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنحو 29% في 2019، مسجلًا بذلك أفضل أداء سنوي منذ عام 2013، لكن مساهمة أرباح الشركات -كانت شبه مستقرة هذا العام- في الاتجاه الصعودي لم تشكل أكثر من 0.4% من هذه المكاسب.
عادة ما تكون الأرباح المتزايدة هي الوقود الأكثر موثوقية لتحقيق مكاسب متواصلة في أسعار الأسهم، وبالتالي فإن رؤية المؤشرات الرئيسية تقفز إلى مستويات قياسية جلسة تلو الأخرى، في ظل ضعف نمو الأرباح، غالبًا ما يثير القلق بشأن مخاطر المعنويات الجامحة كما حدث في فقاعة "دوت كوم" عام 2000.
المستثمرون لا يأبهون بالأرباح
- بعد انخفاضها خلال الربع الثالث من العام المنصرم بنحو 1%، تشير تقديرات "ريفينيتيف" للأبحاث والبيانات، إلى نمو ربحية أسهم الشركات المدرجة بمؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 1.3% على مدار 2019 بأكمله، وهي أبطأ وتيرة منذ عام 2015.
- عادة ما يرتبط تقييم سوق الأسهم بحركة أرباح الشركات المدرجة، لذلك عندما تنخفض الأرباح يجب أن تتراجع الأسهم بدورها، ما لم يكن لدى المستثمرين سبب يدعو للتفاؤل بشأن المستقبل أو أنهم يحاولون التحصن ضد النمو الاقتصادي الضعيف.
- في الحقيقة، قلة من المشاركين في سوق الأسهم الأمريكي يشعرون الآن بقلق إزاء حدوث فقاعة على غرار "دوت كوم"، ويرون أن طفرة عام 2019 كانت مبررة بدورة التخفيف في سياسة الاحتياطي الفيدرالي التي هدأت المخاوف من ركود وشيك.
- يرى آخرون أيضًا أن ضعف نمو الأرباح ما هو إلا حدث مؤقت ولا يشكل خطرًا إذ تم النظر إليه في سياق زمني أطول (نمت الأرباح بنسبة 21% خلال 2018 على سبيل المثال)، كما أن التقييمات المرتفعة تبدو مبررة بهدوء التوترات التجارية وصلابة الأساسيات الاقتصادية.
- يقول مدير المحافظ لدى "فيدرتيد إنفستورز"، "ستيف شيافارون" إن الأرباح تبدو مطمئنة تمامًا للأسهم بالعودة إلى الوراء لعام إضافي، حيث ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 21% منذ ديسمبر 2017، وهي الفترة التي شكلت فيها الأرباح 25% من هذه المكاسب، بفضل التخفيضات الضريبية.
موثوقية المؤشر في التعبير عن الاقتصاد
- من ناحية أخرى، يرى مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة في الولايات المتحدة، أنه لا يمكن الاعتماد على مؤشر "إس آند بي 500" في تحديد مراحل دورة الأعمال لأنه مكون من الشركات متعددة الجنسيات هائلة الحجم.
- يقول المكتب إن المؤشر يبالغ في التعبير عن أهمية قطاعات التقنية والتمويل والتصنيع والطاقة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، واستخدام نسب الربحية الخاصة بأسهمه يمثل مشكلة، لأنه يتأثر بإعادة شراء الأسهم والتغيرات في قيمة استثمارات خطط المعاشات.
- هذا يعني أن ربحية السهم يمكن أن تتأرجح بحدة وفقًا لأداء الأسواق العالمية، دون الاقتصاد المحلي، وهو ما حدث في عام 2015، عندما انخفضت أرباح المؤشر بشكل حاد، وكان السبب خسائر شركات الطاقة المدفوعة بانهيار أسعار النفط، في حين نما الاقتصاد الأمريكي 2.9%.
- يقول اقتصاديو "بيرنشتاين ريسيرش" للأبحاث، إن النمو الحقيقي للأرباح في 2018 كان ضعيفًا، ويرجع بشكل أساسي للتخفيضات الضريبية، أي أنه لم يكن نموًا طبيعيًا أبدًا، وبالتالي فإن التباطؤ الحاصل في 2019 هو عودة إلى الواقع.
- لعل هذه الحجة تبدو منطقية، بعدما خفضت مصارف "وول ستريت" توقعاتها لأداء الشركات الأمريكية خلال الربع الأخير من 2019، حيث من المتوقع ارتفاع أرباحها بنسبة 0.8% فقط، انخفاضًا من التقديرين السابقين البالغين 4.1% في أكتوبر و7.2% في يوليو.
ماذا عن 2020؟
- بالعودة إلى أطراف السوق الأكثر تفاؤلًا، فإن أمثال "شيافارون" يرون متسعًا لاستمرار ارتفاع التقييم في ظل الظاهرة التي يطلق عليها "وول ستريت" اسم "التوسع المتعدد" حيث ترتفع نسبة السعر إلى الأرباح بغض النظر عن ضعف نمو أرباح الشركات.
- أدى التوسع المتعدد في الغالب إلى تحقيق مكاسب في أسهم الاتصالات والتقنية والمواد الاستهلاكية الأساسية والمرافق العامة، لكن "شيافارون" يرى أن هذه المكاسب كانت محدودة نظرًا للتوترات التجارية على مدار عام 2019.
- على أي حال يجرى تداول الأسهم الأمريكية الآن عند 14 ضعف أرباحها، كما كانت في ديسمبر 2017، وهو مستوى يقول محللون إنه ليس من الواضح إذا كان رخيصًا أو مكلفًا، لكن نضج الأحداث يعني أن السوق قادر على مواصلة الارتفاع لسنوات تالية.
- وفقًا لـ"فاكت ست" فمن المتوقع نمو أرباح الشركات الأمريكية بنسبة 10% خلال العام المقبل، حيث من المرجح أن يوفر هدوء الحرب التجارية مجالًا للمزيد من المكاسب، فيما يتوقع مصرف "جولدمان ساكس" ارتفاع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 5.5% متفائلًا بأداء الأرباح.
- في الوقت نفسه، تبدو الأسهم أكثر جاذبية من أصول أخرى، خاصة مع تحسن المعنويات بشأن الأداء الاقتصادي، ويقول "شيافارون" إن قرار الفيدرالي بخفض الفائدة في 2019، إلى جانب ارتفاع السندات، دفعا عائدات سندات الخزانة للانخفاض، ما يبرر التقييمات المرتفعة لسوق الأسهم.
المصادر: وول ستريت جورنال، بارونز، فاينانشيال تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}