أصبحت الأعمال التي تستمر على مدار الساعة أحد أهم أشكال الاقتصاد الحديث في الأونة الأخيرة، في ظل ما تضيفه من إنتاج لم يكن من الممكن الحصول عليه لو لم تعمل المصانع والخدمات 24 ساعة في 7 أيام، غير أن كثيرين ينتقدون تأثير ذلك سلبًا على الاقتصاد من نواحٍ أخرى.
نمو
وتشير دراسة لجامعة "أوكسفورد" إلى أن الاقتصاد الليلي يشكل ما مجموعه 8% من حجم الاقتصاد في المملكة المتحدة ويعمل به 10% تقريبًا من العمال في السوق الإنجليزي، بما يجعله اقتصادا يساوي اقتصادات الكثير من الدول النامية.
وتكشف الدراسة عن أن حجم اقتصاد الليل يبلغ 14% من حجم الاقتصاد العالمي بشكل عام، بما في ذلك كافة شركات الشحن والمصانع والخدمات التي تعمل على مدار الساعة، والتي تنامت مع ازدياد نظرية "الإنتاج المجزأ" بمعنى إنتاج كل قطعة من السلعة في دولة ما وتجميعها في أخرى.
وهناك العديد من الأنشطة التي ساهمت في هذا النمو اللافت لاقتصاد 24 ساعة، ومن بينها النمو القياسي في حجم التجارة الإلكترونية، والذي يقترب من 300% من معدل نمو التجارة التقليدية، وفقًا لتقديرات "فوربس"، بما تعتمد عليه من شبكات شحن ومبيعات تعمل ليل نهار.
ويشير تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن اقتصاد 24 ساعة ساهم كثيرًا في نمو الاقتصاد العالمي في ظل نموه اللافت مقارنة بالاقتصاد النهاري، حيث يسهم بقرابة 0.4% من نمو الاقتصاد العالمي، خاصة مع نمو قطاعات مترابطة عالميًا مثل الاتصالات وازدهار اقتصاد البيانات.
امتصاص للبطالة
وعلى سبيل المثال، فقد ازدادت نسبة العاملين في قطاع الاتصالات ليلًا في المملكة المتحدة بنسبة 54% خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، بينما زادت نسبة العاملين في القطاع كله بنسبة 17% فحسب بما يوضح التأثير الكبير لعمل الاقتصاد لأربع وعشرين ساعة في قطاع حيوي للاقتصاد الحديث مثل الاتصالات، وفقًا لـ"فورين أفيرز".
وتعتبر "فوربس" أن ازدهار "أمازون" ووصولها لتصبح ضمن أكبر شركتين في العالم، مع شركة "أبل"، لم يكن ممكنًا لولا العمل على مدار الساعة في غالبية مراكز الشحن والتعبئة والتغليف التابعة لها في مختلف دول العالم لا سيما الولايات المتحدة، بما يوحي بتأثير الدوام المستمر على توسع إحدى أكبر الشركات في العالم.
وعلى الرغم من كافة النواحي الإيجابية السابقة إلا أن الأمر لا يخلو من سلبيات كبيرة، وعلى رأسها تدني الإنتاجية في القطاعات التي تعمل ليلًا في الاقتصاد عن تلك التي تعمل صباحًا بنسبة 45% وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي.
النواحي السلبية
كما أن هناك تأثيرات يمكن وصفها بالاقتصادية-الإنسانية على العاملين بسبب العمل في نوبات دورية متغيرة أو ليلية، حيث يقل إنتاج هؤلاء العاملين في نوبات متغيرة بنسبة 17% عن العاملين في أوقات ثابتة، ويقل إنتاج هؤلاء العاملين ليلًا بنسبة 40% تقريبًا عن العاملين صباحًا.
والشاهد أن تأثير هذا الأمر يبدو مضاعفًا في ظل تراجع عام في الإنتاجية عالميًا في كثير من القطاعات بسبب ما يوصف بالفترة الانتقالية التي يمر بها الاقتصاد بين الثورة الصناعية الثالثة ونظيرتها الرابعة، بما يؤثر على عمليات الإنتاج التي تشهد تقلبًا في ظل التبدل بين أساليب الإنتاج.
كما تشير دراسة "أوكسفورد" إلى أن بعض أشكال اقتصاد 24 ساعة، مثل الملاهي الليلية والحانات (المشروعة في إنجلترا) تتيح وجود أشكال أخرى من الاقتصاد غير المشروع، بما في ذلك تداول المخدرات وممارسات البغاء وغيرها من أشكال الاقتصاد الموازي، حيث إن 89% من ممارسات هذا الاقتصاد تتم ليلًا وفي أماكن مثل تلك.
وبقياس ما يقدمة اقتصاد 24 ساعة من نمو في الإنتاج وامتصاص للبطالة يبدو ضروريًا ومفيدًا بشكل عام، غير أن مسالبه من خفض للإنتاجية وتشجيع للاقتصاد غير المشروع تجعل الفائدة المرجوة منه محل شك كبير، لا سيما في ظل اقتصاد عالمي يعاني تراجع محركاته الرئيسية بشكل عام.
المصادر: دراسة لأكسفورد، فوربس، "فورين أفيرز"،
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}