عادة يرد مؤيدو النظرية النقدية الحديثة على المخاوف من إفلاس الحكومات بالقول إنه أمر غير ممكن، ويرجع ذلك ببساطة لقدرة الدول على طباعة المزيد من الأموال لسداد ديونها، لكن لسوء الحظ لا تنطبق هذه الفكرة المثيرة للجدل على الشركات التي تطبع فعليًا هذه الأموال.
فقد سهم طابعة البنكنوت البريطانية "دي لا رو" نحو خمس قيمته خلال تعاملات السادس و العشرين من نوفمبر، ماحيًا عشرات الملايين من قيمتها السوقية خلال لحظات، بعد تحذيرات من عدم قدرة الشركة على الاستمرار كنشاط تجاري رابح.
تاريخ يحفه الخطر
- تعد "دي لا رو" التي تتخذ من مقاطعة هامبشير في جنوب إنجلترا مقرًا لها، أكبر شركة لطباعة البنكنوت في العالم، فبجانب طباعتها جوازات السفر لأربعين دولة وعلامات المصادقة المضادة للتزييف، توفر أيضًا الأوراق النقدية لصالح بنك إنجلترا ولأكثر من 100 بنك مركزي آخر.
- حذرت الشركة في بيان لها الأسبوع الماضي من وجود شكوك هائلة حيال مستقبلها ما لم تتمكن من تطبيق خطة إعادة الهيكلة، مشيرة إلى أنها تنوي تعليق توزيعات الأرباح للمساعدة في معالجة الديون المتفاقمة، لا سيما بعدما سجلت خسائر في النصف الأول.
- يأتي هذا التحذير (الثاني في أقل من شهر) بعد سلسلة من المغادرات شملت كبار المسؤولين في الشركة، بما في ذلك رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، ما يزيد مخاوف عملائها سواء على مستوى الحكومات أو الكيانات التجارية.
- رغم الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها الرئيس التنفيذي الجديد "كليف فاشر" في إعادة هيكلة الأعمال، فإنه لم يخض أزمة مماثلة لما تشهده "دي لا رو" في الوقت الراهن، على حد وصف محللين.
- تصدر "دي لا رو" الأوراق النقدية منذ عام 1860، ويعمل لديها أكثر من 2500 شخص حول العالم، ومنذ بداية عام 2018 سلك سهمها مسارًا هبوطيًا فقد خلاله نحو 80% بحلول نهاية أكتوبر الماضي، ومسجلًا أدنى مستوياته في 21 عامًا.
- رغم أن البطاقات التي تعمل بطريقة عدم التلامس وخدمات مثل "آبل باي"، تشكل تحديًا للشركة، فإن الطلب العالمي على الأوراق النقدية لم ينخفض بعد، حتى وإن كانت جهود التحول إلى مجتمعات غير نقدية تمثل تهديدًا طويل الأجل لـ"دي لا رو".
موضع الألم
- التدهور في أعمال الشركة يأتي عقب خسارتها لعقد كبير لطباعة جوازات سفر بلدها الأم لصالح شركة فرنسية في أوائل عام 2018، وفي يوليو الماضي، فتحت السلطات البريطانية تحقيقًا بشأن تورط "دي لا رو" في شبهة فساد في جنوب السودان.
- علاوة على ذلك، خسرت الشركة 18 مليون جنيه إسترليني (23.25 مليون دولار) بعد تعثر البنك المركزي الفنزويلي في سداد مستحقاتها، وقفزت ديونها بنسبة 59% على أساس سنوي خلال الأشهر الستة المنتهية في سبتمبر، لتسجل 171 مليون إسترليني.
- عانت عملية طباعة الأوراق النقدية من انخفاض هوامش الأرباح بفعل المنافسة الشديدة وتزايد شعبية المدفوعات الرقمية، وسجلت الشركة 12.8 مليون جنيه إسترليني خسائر قبل الضريبة خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، مقارنة بربح بلغ 7.2 مليون إسترليني قبل عام.
- المشكلة الرئيسية أن الوفرة في الطاقة الإنتاجية لطباعة العملات تسببت في ضغوط هائلة على المبيعات والأسعار، كما أن جهود الهيكلة وهروب كبار الإداريين سببا ضعفًا في الأداء وقوضا ثقة الموظفين.
- يحاول "فاشر" خفض التكاليف للحفاظ على النقدية، ورغم أن إلغاء توزيعات الأرباح السنوية البالغة 25 مليون جنيه إسترليني (32 مليون دولار) بدا إجراءً قاسيًا، فإنه ضروري نظرًا لتدهور الوضع المالي للشركة، والتزامها بتكاليف إعادة الهيكلة، ونفقات المعاشات، والمصاريف الرأسمالية.
المصادر: بلومبيرغ، الجارديان، فايننشال تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}