قبل عام تقريبًا من كل فترة من فترات الركود الثلاث الأخيرة في الولايات المتحدة، انقلب منحنى العائد، الذي يظهر العلاقة بين عائدات السندات الحكومية قصيرة وطويلة الأجل، وعادة ما يأخذ شكل منحنى صاعدا، لكن انقلابه ينذر بالكثير من المشاكل للاقتصاد.
في يوليو عام 2000، على سبيل المثال، انخفض العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات دون مستوى العائد على سندات الخزانة لأجل ثلاثة أشهر (انقلاب المنحنى إلى الشكل الهابط)، وبحلول مارس عام 2001، دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود.
وعندما حدث نفس الشيء في مارس من هذا العام، دقت أجراس الإنذار في مجالس إدارات الشركات ولدى صناع السياسات وحتى في الأحزاب السياسية، وبحلول الصيف ازداد الانقلاب حدة، فبدأ المتداولون والمحللون الحديث عن الركود كاحتمال وارد بشدة.
لكن الآن، يبدو أن المنحنى يصحح نفسه، فمنذ منتصف أكتوبر، ارتفعت عائدات السندات طويلة الأجل مرة أخرى فوق نظيرتها قصيرة الأجل، وهي حركة جاءت مصحوبة بعلامات متفائلة أخرى في الأسواق المالية مثل ارتفاع الأسهم، ما يدفع المحللون للتساؤل: هل كان الإنذار خاطئًا؟
أبرز اهتمامات سوق الأسهم
- عودة المنحنى إلى طبيعته، تشير إلى أن أسواق السندات باتت أكثر تفاؤلًا بشأن المستقبل، وأن خطر الركود قد تراجع، ومن الناحية النظرية، لا زالت الأسواق تحذر من هذا الركود لكنها تتطلع أيضًا إلى الانتعاش.
- وجد "بنك أوف أمريكا ميريل لينش" علاقة مباشرة بين الحركة الأخيرة في أسعار الأسهم ومنحنى العائد، وأن بعض القطاعات مثل الطاقة والتمويل كانت أكثر تأثرًا من غيرها، فعودة المنحنى لطبيعته إيجابية للنمو، ما ينعكس على هذه المجالات كونها على صلة قوية بالأداء الدوري للاقتصاد.
- على سبيل المثال، تبين أن العائدات في قطاعات الطاقة والتمويل والمواد تزداد بشكل أكبر كلما تحرك منحنى العائد في اتجاهه الطبيعي، على عكس القطاعات الأخرى التي تتراجع عائداتها في ذلك الوقت، مثل المرافق والعقارات والمواد الغذائية الأساسية.
- نظر محللو المصرف في أداء 1300 سهم، والعائد النسبي لها على مدار عشر سنوات وكذلك حركة منحنى العائد، وقالوا إن اعتدال شكل المنحنى كان له تأثير إيجابي على أسعار الأسهم، في حين كان أثره سلبيًا عند الانقلاب.
- يقول المحللون: منحنى العائد هو أحد أهم العوامل الكلية التي درسناها، حيث إن ما يقرب من 50% من الأسهم أظهرت علاقة قوية بين عائداته وبين منحنى العائد، وذلك مقارنة بـ12% فقط خلال عام 2011.
الفضل لاستجابة الفيدرالي السريعة
- تظهر البيانات والرسومات البيانية التاريخية، أنه كما كان انقلاب منحنى العائد يتبعه ركود اقتصادي بعد عام أو عامين، فإن عودته للشكل الطبيعي كان يتبعه انتهاء الركود خلال نفس المدة تقريبًا، وفي حين تعكس عودة الشكل لطبيعته انتعاشًا اقتصاديًا فإنها لا تعني أن الركود لن يقع.
- قليل من الاقتصاديين يعتقدون أن انقلاب منحنى العائد نفسه هو ما يؤدي إلى الركود، وإنما هو مؤشر يعكس المؤثرات الحقيقية، فارتفاع العائدات قصيرة الأجل يأتي من رفع الفيدرالي للفائدة خوفًا من فوران الاقتصاد.
- غالبًا ما تنخفض العائدات طويلة الأجل عندما تتوقع الأسواق نموًا أبطأ في المستقبل، في انعكاس ربما لتشديد الفيدرالي لسياسته بما يكفي لكبح القوة الدافعة للنمو وبالتالي التسبب في ركود.
- هذه المرة يبدو أن الفيدرالي يأخذ الأمر على محمل الجد، حيث تخلى عن خطته لمواصلة رفع الفائدة التي يتبعها منذ عام 2015، وقرر خفض الفائدة 3 مرات على مدار العام الجاري، ما هبط بالسعر الفعلي للفائدة من 2.4% إلى 1.55%.
- منحنى العائد لم يكن السبب الوحيد للتحرك، فأيضًا الضعف الشديد في قطاع التصنيع كان سببًا، لكن استجابة البنك المركزي لانقلاب المنحنى كانت أسرع من المعتاد.
الخطر ربما بات أقرب
- في حين أن انقلاب منحنى العائد يعني أن هناك مشكلة قادمة خلال المدى المتوسط، فإن عودته إلى طبيعته تشير إلى أن الركود قد يقع خلال سنة واحدة، وهو ما يتفق مع إشارات أسواق السندات، وبالتالي فإن اعتدال شكل المنحنى مؤخرًا قد يعني قرب الأزمة وليس تجاوزها.
- قد يجادل البعض بأن الركود الاقتصادي خلال العام المقبل غير محتمل، وأنه لن يحدث حتى يتسع الفارق بين العائدات بشكل أكبر، وقد ينظر البعض للمنحنى باعتباره مؤشرا أقل موثوقية في ظل انخفاض الفائدة، لكن بالنظر إلى تجارب الثلاثين عامًا الماضية، ربما يكون من الحكمة بدء العد التنازلي.
- بدلًا من إدراك نجاح الفيدرالي في الاستجابة السريعة لانقلاب منحنى العائد، ربما تفسر عودة المنحنى إلى طبيعته على أن الإنذار كان خاطئًا، وفي حال تجددت الرياح المعاكسة للاقتصاد الأمريكي التي من شأنها قلب المنحنى، قد يتهاون البنك المركزي في التعامل مع الأمر، ما يؤدي إلى ركود حقيقي.
- قد يكون أيضًا الركود الذي تم التنبؤ به في السابق قادمًا، لقد مر أقل من عام منذ انقلاب المنحنى لأول مرة، ولعل الأهم من ذلك هو أنه في الثلاث تجارب الماضية عاد المنحنى إلى طبيعته (كما يحدث الآن) قبل بدء الانكماش الاقتصادي.
المصادر: الإيكونوميست، فوربس، سي إن بي سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}