في عام 1929، كان يقف رجل الأعمال والسياسي الأمريكي "جوزيف كيندي" أمام أحد ماسحي الأحذية لتنظيف حذائه، عندما أدرك أن سوق الأسهم بصدد الانهيار، وذلك بعدما وجه له الفتى ماسح الأحذية نصيحة بشأن الاستثمار في الأسهم، أو على الأقل هكذا تقول الرواية المتداولة.
"كيندي" الذي كان قد جمع ملايين الدولارات من الثروة خلال السوق الصاعد في فترة العشرينيات، قرر على الفور بيع حيازاته من الأسهم، واستغلال آلية البيع على المكشوف للرهان على انخفاض السوق الذي انهار بالفعل في أكتوبر من نفس العام (الأمر الذي زاد ثروته بالطبع).
صحة القصة لا تهم
- في كتابه الجديد "الاقتصادات القصصية"، يعرض الاقتصادي الحائز على جائزة "نوبل" قصة "كيندي" كمثال على القصص المتناقلة بطريقة العدوى، والتي سريعًا ما تصبح جزءًا من الحكم الشعبية.
- ليس من الضروري أن تكون القصة دقيقة لنشرها، حيث بحث "شيلر" في أرشيفات الصحف خلال تلك الفترة، أملًا في العثور على أي دليل بشأنها لكنه لم يصل في النهاية إلى شيء، بيد أنه وجد قصة مماثلة لها في جريدة "مينيابوليس مورنينغ تريبيون".
- نشرت الصحيفة قصة في عام 1915، تقول إن البورصة لم تكن قد بلغت ذروتها بعد، لأن أحدًا لم يسمع بعد عن الخادمات وماسحي الأحذية الذين جمعوا ثروات كبيرة بضربة حظ.
- يقول "شيلر" إنه مهما كانت مصادر هذه الروايات، فمن المهم تحديد نوعها إذا كانت معدية أم لا.. ولماذا، لأن بعضها قادر بالفعل على التأثير في السلوك، ويحدد إذا كان على المستثمرين توظيف عاملين جدد أم فصل القدامى، وإذا كان عليهم شراء الأصول أم بيعها، وإذا كان عليهم الإنفاق أم الادخار.
- هذه الخيارات الفردية، تحرك الأسواق وتدفع دورة الأعمال بالكامل؛ أساسيات مثل الأسعار والأرباح ليست سوى جزء واحد من الأمر، وفي الحقيقة، فإن القصص التي يرويها الناس لأنفسهم ولبعضهم البعض جزء آخر بنفس القدر من الأهمية.
عدوى القصص الاقتصادية
- كي تحصل القصة الاقتصادية على نفوذها يجب أن تكتسب شعبية كبيرة بين الجمهور أولًا، ويوفر علم الأوبئة نموذجًا لفهم كيفية حدوث ذلك، حيث تأخذ حركة تفشي الأمراض الوبائية منحنى أشبه بالقوس عند تحديدها على الرسم البياني.
- في المرحلة الصاعدة من المنحنى يكون عدد الأشخاص المصابين حديثًا (معدل الإصابة) أسرع من معدل الشفاء ومعدل الوفيات معًا، وعندما يتجاوز معدل الشفاء معدل الإصابة، يتلاشى الوباء.
- هذا ما يحدث أيضًا مع القصص الاقتصادية، حيث يبدأ عدد متزايد من الناس (المصابين) بنشر الرواية، لكن في وقت لاحق تأتي مرحلة من فقدان الاهتمام بل ونسيان الروايات التي كانت يومًا محركًا لتصرفات كثيرة.
- إن الروايات الاقتصادية الأكثر عدوى يمكنها قيادة دورات الازدهار والكساد، وتعرف بعدد من السمات المشتركة، إنها تميل إلى أن تكون نماذج قريبة من الواقع وبالتالي تكون جذابة، وربما يرجع انتشارها لتبني عدد من المشاهير لها.
- عادة ما تكون القصة المؤثرة جزءًا من مجموعة قصصية مشتركة، ما يمنحها مزيدًا من القبول، وقد كان ازدهار سوق الأوراق المالية في التسعينيات مدعومًا بمجموعة من القصص التي تتمحور حول نجاح الرأسمالية وطفرة الإنترنت وانخفاض التضخم.
ليس في سوق الأسهم فقط
- هذا المفهوم عن الاقتصاد والأسواق القصصية ربما يفسر السبب وراء خطورة الشائعات في سوق الأسهم، حيث يتم الاعتماد على أساليب احتيالية مثل "البيع على المكشوف والتشويه"، والتي تنطوي على نشر معلومات وروايات غير صحيحة.
- في هذه الممارسة يركز المحتالون على الترويج للمعلومات الكاذبة بهدف خفض سعر سهم أو أكثر، لكنهم يكونون قد أجروا عمليات بيع على المكشوف على هذه الأسهم المستهدفة، الأمر الذي يمكنهم من تحقيق أرباح وتغطية مراكزهم المكشوفة بعد ذلك.
- لكن الأمر لا يقتصر على أسواق الأسهم أو الأوراق المالية، فحتى طفرة الإسكان العالمية التي أدت إلى الركود الكبير بين عامي 2007 و2009، كانت مدفوعة بروايات أقنعت الناس بالتفكير في منازلهم كاستثمارات مضاربة.
- يدعو "شيلر" إلى وجود علم مختص بـ"الروايات الاقتصادية"، لكنه أمر ليس بالهين، ويحتاج إلى بيانات عالية الجودة، واستطلاعات رأي دورية مصممة لاستخلاص مبررات الناس لقراراتهم الاقتصادية.
- يميل الاقتصاديون إلى تجاهل الروايات لأن صلاتها بالأحداث تكون معقدة ومتغيرة (كما يعتقد "شيلر" نفسه).
المصادر: الإيكونوميست، أرقام
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}