لامست جميع المؤشرات الرئيسية للأسهم الأمريكية مستويات قياسية جديدة خلال الجلسات القليلة الماضية، مدفوعة بالتفاؤل إزاء احتمالات حسم الخلاف التجاري بين واشنطن وبكين، والأرباح القوية للشركات، والنمو المستمر للوظائف في الولايات المتحدة.
الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" علق على هذه المكاسب في تغريدة قال فيها "سوق الأسهم يسجل مستوى قياسيًا، أنفقوا أموالكم جيدًا"، ومع ذلك، يرى محللون أن هناك مفارقة، فهذه القوة الصعودية تأتي في ظل توقعات قاتمة وعدم يقين يهيمن على المشهد العالمي.
ومع ذلك، لا يبدو أن الأمر يتطلب أكثر من مجرد تلميح بالأخبار الجيدة لتحفيز المستثمرين، فعلى سبيل المثال، أغلقت مؤشرات "إس آند بي 500" و"ناسداك" و"داو جونز" جلسة الرابع من نوفمبر عند مستويات قياسية بعدما قالت وزارة التجارة الأمريكية إنها قطعت شوطًا كبيرًا في المفاوضات مع الصين.
البيان الذي جاء على لسان الوزير "ويلبر روس" كان غامضًا ولم يلمح إلى وجود قرار نهائي، لكن لم تكن هذه المرة الأولى التي يسمع فيها المستثمرون مثل هذه التصريحات من الجانبين الأمريكي أو الصيني، ومع ذلك، فإنهم استجابوا لها على نحو إيجابي كبير.
لكن الأخبار الجيدة والأرباح القوية ونمو الوظائف، ربما ليست كل ما يحرك الأسهم، إذا يعتقد محللون أن هناك قوة دفع أخرى تقودها نحو هذه المستويات التاريخية في ظل عدم اليقين الحالي، وهي التراجع الحاد في معروض الأسهم خلال السنوات الماضية.
أساسيات جيدة
- على مدار العامين الماضيين كان الاتجاه الصعودي للأسهم الأمريكية أكثر وضوحًا وقوة، وكسرت العديد من المستويات القياسية، بفضل الإصلاح الضريبي الذي أقره الرئيس "ترامب" في أواخر عام 2017، وعزز أرباح الشركات.
- مع ذلك، فإن القوة الدافعة لهذا الإصلاح بدأت تتلاشى، ويخشى المستثمرون من أن معركة التعريفات الجمركية بين واشنطن وبكين قد تزيد التكاليف على الشركات، ما يضعف نمو الأرباح، ولعل ذلك يفسر أحد أسباب اهتمام الأسواق بالأخبار الإيجابية حول المفاوضات التجارية.
- على أي حال، الأرباح لم تتراجع في الربع السابق كما كان متوقعًا، ويقول محللون: لا تزال الأمور جيدة بالنسبة للأسهم، مع الوضع في الاعتبار احتمال التوصل إلى هدنة تجارية مع الصين، جنبًا إلى جنب مع استمرار نمو الاقتصاد ووجود سياسة نقدية ميسرة.
- في بداية نوفمبر أظهرت البيانات إضافة الاقتصاد الأمريكي 128 ألف وظيفة خلال أكتوبر الماضي، مقارنة بتوقعات أشارت إلى 85 ألفًا فقط، إلى جانب تعديل بيانات سبتمبر بالرفع إلى 180 ألفًا من 136 ألفًا، وكذلك أغسطس إلى 219 ألف وظيفة من 168 ألفًا.
- حصلت الأسواق على المزيد من الدعم بحلول الخامس من نوفمبر، عندما أظهرت بيانات معهد إدارة التوريدات تسارع النشاط الخدمي الذي يمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال أكتوبر، بعدما سجل أبطأ وتيرة في 3 سنوات خلال سبتمبر.
المسيرة الاستثنائية لا تنفي المخاطر
- على هذا النحو، تتجه الأسهم إلى تسجيل أفضل أداء سنوي لها منذ عام 2013، حيث تجاوزت مكاسب مؤشر "إس آند بي 500" 23%، وارتفع مؤشر "داو جونز" بنسبة 18% تقريبًا منذ بداية العام الجاري.
- علاوة على ذلك، ضخ المستثمرون نحو 450 مليار دولار في صناديق الاستثمار، وهو أعلى مستوى منذ الأزمة المالية في 2008، ويأتي في وقت يمكن لأي مسح للحالة المعنوية للمستثمرين أن يظهر كم لا يزال السوق بعيدًا عن منطقة النشوة.
- لكن هذا لا ينفي القلق عن الأسواق، والذي يرجع كما سبق الإشارة إلى الأوضاع السياسية سواء على الصعيد الدولي، أو حتى المحلي، ففي بعض المواقف بدت المرشحة الديمقراطية للرئاسة "إليزابيث وارن" في عداء مع سوق الأسهم، خاصة لرغبتها في رفع ضرائب الشركات والثروة.
- رغم قوة سوق العمل والقطاع الخدمي خلال الشهر الماضي، فإن تباطؤ الاقتصاد والأدلة المتزايدة على احتمال استمرار هذا التباطؤ، مثل انكماش قطاع التصنيع والمخاوف بشأن ديون الشركات والأسر، يعني أن قلق المستثمرين سيتواصل.
العرض والطلب
- أحد التفسيرات التي قلما يلتفت إليها المحللون عند النظر في أسباب الارتفاع الكبير والمستمر في الأسهم الأمريكية رغم المخاطر المتزايدة، هي تراجع معروض الأسهم، حيث انخفض عدد الشركات المتداولة في البورصة بمقدار النصف (إلى 3500 شركة) خلال العشرين عامًا الماضية.
- قد تكون التفسيرات المعتادة حول حركة الأسهم والتي تشمل عناصر مثل الأرباح والاقتصاد وأسواق الائتمان منطقية، لكن هذه العناصر غالبًا ما يكون أثرها محدودا في أسعار الأسهم، لكنها تنعكس على عامل آخر أهم يسهم بشكل رئيسي في تحديد سعر السهم، وهو العرض والطلب.
- إذا سجلت شركة أرباح منخفضة، قد يتلاشى الطلب على سهمها، ويتغير التوازن بين المشترين والبائعين، وسيطلب المستثمرون الشراء بأسعار أقل، حينها سيضطر الراغبون في البيع إلى خفض السعر، وإذا كان البائعون أكثر من المشترين (العرض يفوق الطلب) ستهبط الأسعار.
- بالنسبة للوضع الحالي في السوق الأمريكي، فإن انخفاض عدد الشركات المتداولة يعني أن هناك المزيد من المال يطارد عددًا أقل من الأسهم (الطلب يفوق العرض)، علاوة على تسبب عمليات إعادة شراء الأسهم في خفض عدد الأسهم القائمة بشكل كبير.
المصادر: بلومبيرغ، يو إس توداي، سي بي سي نيوز، ذا بالانس، أرقام
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}