في الشركات الكبيرة تبرز أهمية الإدارة خصوصا في التعاطي مع الموظفين، ومن هنا تبرز أهمية وحيوية إدارة الموارد البشرية لدرجة أن هذا القسم قد يصبح سر نجاح أو إخفاق الشركة. وتنبع أهمية ذلك القسم من حقيقة أنه يتولى إدارة أغلى أصل تمتلكه أي شركة وهو موظفوها. فبدون موظفين جيدين ستفشل أفضل خطة عمل ولن تنفذ أفضل أفكار.
تقاعس الإدارة
أشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "جالوب" للبحوث في عام 2015 إلى أن نصف الموظفين الذين تركوا وظائفهم فعلوا ذلك هرباً من مديريهم المباشرين. أي إن 50% من الموظفين المغادرين للشركات يستقيلون بسبب تصرفات شخص واحد.
تخيل، ما هو حجم الظلم والتوتر والضغوط التي تعرض لها هذا الموظف -الذي لا يملك في الأغلب مصدر دخل آخر- لكي يتخذ قراراً مصيرياً مثل هذا ويترك عمله ومصدر رزقه الوحيد. ببساطة، هذا الموظف ضحى بوظيفته هرباً من بيئة سامة لم يجد فيها من يحميه من شخص متسلط.
هؤلاء الموظفون اتخذوا ذلك القرار على الأغلب بعد أن آمنوا بأن الوضع لن يتغير وأن الشركة لن تتعامل مع مديرهم المباشر المتسلط ولن تردعه في أي وقت قريب، وهو ما جعلهم يشعرون بعدم فاعلية الإدارة التنفيذية العليا للشركة مما ضر بمعنوياتهم ورفع مستويات التوتر لديهم.
معظم الموظفين يتوقون إلى العمل في بيئة يشعرون فيها على الأقل بالأمان والاحترام المتبادل والمعاملة العادلة. وعندما تكون هذه العناصر مفقودة بسبب تصرفات المدير أو المشرف المباشر يتراجع ولاء الموظفين للشركة ويبدؤون في البحث عن مصالحهم الخاصة بدلاً من مصالح الشركة، وهو ما يؤثر في النهاية على الإنتاجية.
لعدة أسباب، تتردد الإدارة التنفيذية العليا قبل أن تتخذ أي إجراء حيال المديرين السيئين وكثيراً ما تستغرق وقتاً أطول قبل أن تقرر فصلهم، وذلك إما بسبب تمسكها بأمل زائف بأن الوضع سينصلح وأن المدير قد يعدل سلوكه وإما لعدم رغبتها في بذل الوقت والجهد في تعيين وتدريب مدير جديد، أو لوجود علاقة خاصة تجمع بين هذا المدير والإدارة التنفيذية تحميه من تبعات تصرفاته.
هذا قطعاً تفكير معيب، لأن المدير أو المشرف السيئ الذي يظلم الموظفين يكلف الشركة الكثير من الوقت والمال في صورة إنتاجية مفقودة، والأخطر من ذلك هو أنه قد يتسبب في خسارة الشركة لأنبغ موظفيها.
على حساب الشركة
أشارت دراسة أجراها كل من "تيموثي جادج" أستاذ الإدارة بجامعة فلوريدا و"ريموس إيليس" الأستاذ بجامعة ميتشيجان إلى أن الموظفين يسيؤون التصرف وقد يسعون للإضرار بالشركة إذا كانوا غاضبين من العمل أو يعتقدون أن مديريهم المباشرين غير عادلين معهم.
وفقاً للدراسة التي نشرت في عدد يناير 2006 من مجلة علم النفس التطبيقي، تسيطر الرغبة في الانتقام على الموظفين الذين يشعرون بالظلم من مديريهم وهو ما يدفعهم للتورط في سلوكيات من نوعية: ترك العمل في وقت مبكر أو أخذ فترات راحة أطول من المسموح بها والتحدث في مواضيع لا علاقة لها بالعمل أثناء الدوام أو تصفح الإنترنت خلال العمل أو القيام بالمهام بشكل غير صحيح.
في ظل شعورهم بالظلم يرى الموظفون الذين يتعرضون للتخويف والتهديد من قبل مديرهم المباشر أن الطريقة التي يعاملون بها غير عادلة بالنسبة للجهود التي يبذلونها في وظائفهم، ونتيجة لذلك يحجبون جهدهم ويمتنعون عن التطوع بالقيام بأي عمل غير مدفوع قد يساعد الشركة مثل مساعدة زملاء العمل الذين يعانون من مشاكل أو حضور اجتماعات غير إلزامية.
يقول "جادج" إن بعض المديرين التنفيذيين يزعم أنه ليس بوسعه الانتباه إلى الطريقة التي يعامل بها كل موظف في الشركة لأنه مشغول بمستقبل الشركة وربحيتها، ولكن هذا خللاً واضحاً في التفكير لأن الأمر ليس إما هذه أو تلك، فلا يزال بإمكان المدير التنفيذي الاهتمام بمستقبل الشركة وفي نفس الوقت الانتباه إلى أحوال الموظفين الذين لن يستقيم للشركة بدونهم حاضر أو مستقبل.
في الوقت نفسه قالت "ساندرا روبنسون" الأستاذة بقسم الموارد البشرية بجامعة كولومبيا البريطانية إن نتائج هذه الدراسة تثبت أن الإدارة السيئة يمكنها أن تقود حتى أفضل الموظفين إلى التورط في سلوكيات ضارة بالشركة.
العصا والجزرة
الصمت هو تكلفة أخرى يصعب قياسها. يقول "جويل نيومان" مدير مركز الإدارة التطبيقية والأستاذ المشارك بقسم الإدارة والسلوك التنظيمي في جامعة نيويورك: "برأيك، لو توصل موظف مظلوم يشعر بالسخط إلى فكرة يمكنها أن تحقق إيرادات هائلة لشركته، هل تعتقد حقًا أن هذا الموظف سيشارك هذه الفكرة مع الإدارة؟ على الأغلب لن يفعل".
والكارثة تصبح أكبر حينما يكون هذا المدير أو المشرف المتسلط هو أخصائي الموارد البشرية، الذي هو من المفترض شخص معني بالعمل على راحة الموظفين وتوفير بيئة العمل المناسبة لهم.
للأسف يتعامل الكثير من مديري الموارد البشرية بالشركات مع الموظفين بمبدأ العصا والجزرة. فهم يعتقدون أنه لا يحرك الموظف سوى إغرائه بزيادة في الراتب أو تهديده بفقدان الوظيفة، ولا يدركون أن العلاقات الإيجابية بين المدير والموظف تؤثر بشكل أساسي على مدة بقائه في الشركة وعلى مدى حرصه على مساعدتها بأي شكل.
والمشكلة هي أنه إذا تم تقديم أي ادعاءات من قبل هؤلاء المديرين ضد الموظف، تتعامل الإدارة التنفيذية للشركة مع تلك الادعاءات في أكثر الأحيان باعتبارها حقيقة راسخة. حيث تفتقر أكثر الشركات لسياسة تسمح للموظف بالتظلم من أي قرارات تعسفية قد يأخذها مديره المباشر بحقه.
ولكن هناك سؤالاً هاماً يطرح نفسه الآن وهو: كيف وصل هؤلاء لمناصبهم؟ في كتابه العبقري "كيف تعمل لصالح أحمق: النجاة والازدهار بدون قتل مديرك" يقول "جون هوفر" إن إسناد الأمر لغير أهله هو السبب وراء ظاهرة المديرين السيئين الذين تم وضعهم في مناصب لا تؤهلهم إليها مهاراتهم، وبمجرد أن يشعر هؤلاء بأن المنصب أكبر منهم يصبحون أكثر خوفاً وحرصاً عليه، مما يورطهم في سلوكيات عدائية ضد الموظفين هي بالأساس سلوكيات دفاعية من جانبهم.
ضرورة حماية الموظف
الشركات المحترمة هي تلك التي يعرف موظفوها أنهم إذا بذلوا جهدهم الكامل في العمل ستتم مكافأتهم، وأن الإدارة ستهتم لأمرهم إذا واجهوا أي مشاكل وستكون أكثر من حريصة على رفع الظلم عنهم. في الشركات المحترمة أيضاً، لا أحد مهما كان مسماه الوظيفي يعتقد أنه أكثر أهمية من الآخر، فالكل متساوٍ، وكل ما في الأمر هو أن مسؤولياتنا مختلفة.
تتحمل الإدارة التنفيذية للشركة مسؤولية حماية الموظفين من تسلط بعض المديرين على رقابهم. ويجب على الإدارة إما أن تساعد هؤلاء المديرين على تغيير وإصلاح سلوكهم تجاه الموظفين وإما أن تستغني عنهم.
الموظفون في النهاية بشر والبشر لا يكفون عن الحديث، فهم يحرصون طوال الوقت على مشاركة مشاعرهم تجاه العمل مع من حولهم. وبالتالي فإن الموظفين إما أن يكونوا أفضل إعلانات الشركة وإما أسوأها على الإطلاق. الإدارة التنفيذية الذكية هي من تساعد الموظفين على التحدث بإيجابية عن الشركة من خلال تزويدهم بمديرين يحترمونهم ويقدرون مجهودهم ويخلقون بيئة عمل صحية يفوز فيها الجميع.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}