قدم الاقتصادي الأبرز "آدم سميث" عشرات الأفكار التي شكلت مرتكزًا لمن بعده، ولكن أبرز أفكاره تتعلق دومًا بحرية التجارة، رافعًا مبدأ "دعه يعمل، دعه يمر"، والذي يؤكد أن "اليد الخفية" تعمل على ضبط الأسواق دون حاجة إلى تدخل الحكومات.
أشكال منافسة جديدة
ويقول "سميث" في كتابه "ثروة الأمم": "عندما يتعلق الأمر بالمنافسة، فإن الطموحات الفردية للمتنافسين تخدم السوق ككل وتجعله أفضل، ويمكن القول بأنها تحقق المصلحة العامة"، فهل هذه النظرة صحيحة أم لا؟
لا شك أن ظهور بعض المؤسسات في الاقتصاد الحديث مثل أجهزة منع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك والحفاظ على المنافسة تحت تسميات عدة يجيء مفندًا بدرجة ما لأطروحات "سميث" حول اليد الخفية، حيث أصبحت يد الدول ظاهرة في الاقتصاد حتى في أكثرها مناداةً -ولو ظاهريًا- بحرية الاقتصاد مثل الولايات المتحدة.
ويمكن القول بأن تطور الاقتصاد أظهر بعض أشكال المنافسة التي لم تكن متخيلة في عصر "سميث"، وعلى سبيل المثال بعض الشركات التي تعمل على زيادة حجم الشركة رغم الخسائر المستمرة، وتعتبر في ذلك تحقيقًا لربحية بشكل غير مباشر من خلال تنمية رأس المال.
وتبدو هذه الحالة في شركة مثل "أوبر" التي حققت الخسائر عاما تلو الآخر، ولكن خطة الشركة كانت تقوم على الانتظار لحين الاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من سوق النقل التشاركي، وبناء عليه جنت الشركة 8.1 مليار دولار في طرحها الأولي.
انفصال بين العملاء
وعلى الرغم من تقلب سعر أسهم الشركة ومعاناتها من بعض الانخفاضات، إلا أن قيمة الشركة الإجمالية بقيت أكبر من قيمة أصولها المباشرة، وجاء الفارق في قيم الأصول بما يفوق خسائر الشركة خلال السنوات الماضية، بما جعل الشركة خاسرة محاسبيًا بحساب الأرباح والخسائر وإن بقيت رابحة بحساب قيمة الأصول.
ويقول "سميث" أيضًا أن السعر يبقى الضامن الأساسي لاستمرار المنافسة، فإذا قام منتج برفع سعر سلعة بشكل مبالغ فيه فإنه سيظهر من ينتجها بسعر أقل للحصول على العملاء، ومع سوق به عدد كبير من البائعين والمشترين فإن هذا الأمر يكاد يكون مضمونًا.
ولكن ماذا عن حالة مثل "جوجل" و"فيسبوك"؟ فالمستهلك هنا يحصل على غالبية الخدمات التي يقدمها الموقعان والمواقع المشابهة بشكل مجاني تمامًا، بينما من يدفع الثمن هم المعلنون ومن يحصلون على بيانات العملاء لاستخدامها في هدف ما أو غيره.
في هذه الحالة فإن الشركات التكنولوجية ترضي عميلاً، وهو مستخدم الإنترنت وخدمات الموقع، لتحصل على الأموال من آخر، وهذا الموقع يضعها في موقع احتكاري مباشرة، فالمعلنون لن يستطيعوا التوجه لموقع آخر لا يحظى بنفس الإقبال إذا رفع "فيسبوك" أسعار الإعلان لديه، في ظل رضا مستخدمي الموقع عنه وعدم إقبالهم على المنافسين.
حتى "بيتكوين"
وهنا تبقى المنافسة الواقعية مع وسائل الإعلام الأخرى مثل التلفزيون والصحف ولافتات الطرق وحملات الدعاية المباشرة، ولكن دون منافسة حقيقية على الإنترنت، الذي تقدر دراسة للجمعية الأمريكية لمكافحة الاحتكار أن أكبر 10 مواقع على الإنترنت باتت تستحوذ على 80-85% من سوق الإعلانات على الإنترنت.
كما ظهرت استراتيجيات تسويق تتعارض بالضرورة مع ما طرحه "سميث" حول التنافس السعري، ومنها الاستراتيجية التي تقوم على وضع مستوى سعري أعلى لمنتجات الشركة سعيًا لـ"إيهام" المستهلك بالحصول على جودة أكبر أو لإعطائه إحساسًا بالتميز (وإن كان زائفًا).
وحتى في اختراع كان يبدو هادفًا لعمل المدينة الفاضلة مثل "بتكوين" يبدو الحديث حول المنافسة الكاملة ضربًا من الخيال في ظل تقدير موقع "بي.تي.سي مانيجر" المختص في شؤون العملات الإلكترونية أن 87% من العملات الرقمية يستحوذ عليها 0.05% فحسب من أصحاب المحافظ.
وفي عصر "سميث" نفسه برزت حالات احتكارات ولكنها كانت أقصر زمنًا من الحالية بسبب اختلاف طبيعة العصر، ليبدو أن نظرية "سميث" الاقتصادية وإن كانت دليلًا صالحًا لفهم الاقتصاد في بعض الحالات إلا أنها أبعد ما تكون عن ذلك في حالة الاقتصاد الحديث الذي دخلت فيه بعض الظواهر التي لم تكن متصورة حينها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}