لوقت طويل، كان المؤثرون البشريون هم الأبطال بلا منازع في عالم التواصل الاجتماعي، يوجهون الموضة، ويروجون للعلامات التجارية، ويؤثرون في قرارات ملايين المتابعين.
لكن فجأة، ظهر منافسون من نوع جديد لا لحم لهم ولا دم، بل أكواد وخوارزميات! وهم المؤثرون الافتراضيون، الذين وُلدوا من رحم الذكاء الاصطناعي، وأصبحوا يزاحمون البشر على عرش النفوذ الرقمي، ويكتسبون شهرة واسعة، ويخطفون أنظار الشركات الكبرى.
هؤلاء المؤثرون الرقميون يتمتعون بمظهر واقعي للغاية، وأحيانًا يجري برمجتهم ليكونوا شخصيات ذات سمات فريدة، ويتفاعلون مع المتابعين بطريقة تجعل من الصعب تمييزهم عن المؤثرين البشريين.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
ظهور المؤثرين الافتراضيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي أثار تساؤلات حول مستقبل هذه الصناعة، وهل يمكن لهذه الشخصيات الرقمية أن تحل محل المؤثرين البشريين، أم أن هناك فرصة لاستمرار الاثنين معًا؟
صعود المؤثرين الافتراضيين
المؤثرون الافتراضيون هم شخصيات رقمية جرى إنشاؤها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والرسومات الحاسوبية، وهم مصممون لمحاكاة المؤثرين البشريين من حيث التفاعل والمحتوى.
وتعمل هذه الشخصيات التي يُنشئها الكمبيوتر مثل المؤثرين البشريين الحقيقيين، حيث تنشر صورًا ذاتية ومحتوى من حياتهم اليومية وتحصل على عقود ترويجية مع شركات تجارية كبرى، والفرق الوحيد هو أنهم لا وجود لهم في العالم الحقيقي.
وتتنوع شخصيات المؤثرين الافتراضيين، بين شخصيات غير بشرية ومعروفة لدى الجمهور من البداية بأنها شخصيات تعود إلى عالم الذكاء الاصطناعي، وأخرى تبدو بشرية ويعتقد متابعوها أنها تنتمي لعالم البشر الحقيقيين.
وغالبًا تُطور وتُدار من قبل وكالات إبداعية متخصصة في الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات أو التسويق.
ومع ذلك، فقد أنشأت بعض العلامات التجارية مؤثرين افتراضيين خاصين بها، مثل شركة التجزئة البرازيلية مجالو، وتعمل هذه الشخصيات لصالح العلامة التجارية التي تتبعها مثل المتحدثين الرسميين، ونادرًا ما يكون لديهم منصة أو متابعون خارج العلامة التجارية.
أما النوع الآخر فيعمل مثل المؤثرين العاديين على وسائل التواصل الاجتماعي، فهم يشاركون المحتوى ويؤيدون المنتجات ويتفاعلون مع المتابعين، ولهم طريقتهم الخاصة في الدعاية للعلامات التجارية والتواصل مع جمهورهم.
وبالفعل روجت مؤثرة افتراضية تدعى "إيتانا" لأحد صالونات التجميل في مدينة برشلونة الإسبانية عبر مشاركة صور لها بتصفيفة شعرها الجديدة على موجز حساب إنستجرام الخاص بها، كما وثقت رحلة وهمية إلى الصالون في قسم القصص على نفس المنصة.
أمثلة على نجاح المؤثرين الافتراضيين
تُعد "ليل ميكويلا" واحدة من أشهر المؤثرات الافتراضيات، حيث يتابعها أكثر من 2.5 مليون شخص على إنستجرام، حيث تعاونت مع علامات تجارية عالمية مثل برادا، كالفن كلاين، وديور، وظهرت في حملات إعلانية ضخمة.
ووفقًا لتقرير صادر عن منصة هايبوإديتور، فإن تفاعل متابعيها يعادل أو يتفوق على بعض المؤثرين البشريين، مما جعلها خيارًا جذابًا للشركات.
كما استخدمت سامسونج شخصية افتراضية تُدعى "سام" كوجه دعائي لبعض منتجاتها، ما أثار تفاعلًا واسعًا عبر الإنترنت، فيما أطلقت سلسلة مطاعم كي إف سي مؤثرًا افتراضيًا يمثل نسخة رقمية من "العقيد ساندرز" مؤسس العلامة، بهدف الترويج لمنتجاتها.
شركة بي إم دابليو استخدمت هي الأخرى شخصية افتراضية تدعى "كيارا" في حملاتها الترويجية، مستفيدة من جاذبية الشخصيات الرقمية في جذب شريحة جديدة من الجمهور، مما ساهم في زيادة التفاعل على وسائل التواصل وتحقيق انتشار أوسع للعلامة التجارية.
وتشير دراسة أجرتها هايبوإديتور عام 2023 إلى أن المؤثرين الافتراضيين يتمتعون بنسبة تفاعل أعلى بنسبة 3 مرات مقارنة بالمؤثرين البشريين، مما جعلهم أكثر جاذبية للعلامات التجارية.
وفي الصين، حققت المؤثرة الافتراضية "أيايي" شهرة واسعة، حيث عملت مع علامات تجارية مثل لوريال وبربري، وعند إطلاقها تلقت أكثر من 3 ملايين مشاهدة على منصات التواصل الاجتماعي خلال 24 ساعة فقط.
ووفقًا لتقرير صادر عن بيزنس إنسايدر، من المتوقع أن تصل قيمة سوق المؤثرين الافتراضيين إلى أكثر من 1.5 مليار دولار بحلول عام 2025.
مزايا المؤثرين الافتراضيين
يفضل العديد من المسوقين وأصحاب العلامات التجارية المؤثرين الافتراضيين لعدة أسباب، أبرزها السيطرة الكاملة على الصورة والعلامة التجارية المقدمة من خلالهم.
ويمكن للشركات التحكم الكامل في المؤثرين الافتراضيين، مما يقلل من مخاطر الفضائح أو التصرفات غير المتوقعة.
وبخلاف المؤثرين البشريين، لا يحتاج المؤثرون الافتراضيون إلى الراحة أو الإجازات، ويمكنهم العمل على مدار الساعة.
كما يمكن تعديل شخصيات المؤثرين الافتراضيين بسهولة وفقًا لاتجاهات السوق والتغيرات في العلامة التجارية، ورغم أن تطوير مؤثر افتراضي قد يكون مكلفًا في البداية، فإنه يمكن أن يكون أكثر جدوى اقتصادية مقارنةً بالتكاليف المستمرة للمؤثرين البشريين.
ومن بين المزايا أيضًا أن المؤثرين الافتراضيين لا يتقدمون في السن أبدًا، ويمكنهم التحدث بأي لغة ويمكنهم "السفر" إلى أي مكان.
هذا المستوى من القدرة على التكيف والمرونة يعني أن العلامات التجارية يمكنها استخدام مؤثر افتراضي واحد لحملات في مناطق مختلفة بدلاً من العثور على مؤثرين مختلفين لأسواق مختلفة.
وعلى عكس المؤثرين البشريين الذين قد تتطور علاماتهم التجارية مع تقدمهم في السن أو دخولهم مراحل حياة مختلفة، يتمتع المؤثرون الافتراضيون بمظهر وشخصية ومحتوى متسق.
ولكن بالطبع هناك عيوب جراء الاعتماد على المؤثرين الافتراضيين، حيث يعاني الذكاء الاصطناعي من مشكلة الصندوق الأسود.
وتتمثل هذه المشكلة في صعوبة فهم وتفسير كيفية وصول نماذج الذكاء الاصطناعي، وخاصةً الشبكات العصبية العميقة، إلى قراراتها.
وعلى الرغم من قدرتها الفائقة على تحليل البيانات واتخاذ قرارات دقيقة، فإن العمليات الداخلية لهذه الأنظمة غالبًا ما تكون معقدة وغير شفافة، مما يثير مخاوف تتعلق بالمصداقية، والعدالة.
وحتى وقتنا الحالي لا يفهم البشر تمامًا كيفية عمل هذه الأنظمة أو طريقة اتخاذ القرارات، مما يشكل تحديًا كبيرًا للمعلنين والوكالات.
وبدون هذا الوضوح، من الصعب على العلامات التجارية أن تثق في هؤلاء المؤثرين الافتراضيين تمامًا.
هل المؤثرون البشريون في خطر؟
صعود المؤثرين الافتراضيين بشكل لافت للنظر خلال السنوات الأخيرة جعل البعض يراهن على أنهم سيكونون هم مستقبل التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن هل سيصبح هذا أمرًا واقعيًا؟
وجد استطلاع بحثي للمستهلكين أجري عام 2022 أن ما يقرب من نصف الأشخاص الذين يتابعون شخصيات وسائل التواصل الاجتماعي مهتمون بمتابعة مؤثر افتراضي.
ومع ذلك، تسعى العديد من العلامات التجارية والوكالات بحذر إلى إقامة شراكات مع مؤثرين افتراضيين، حيث تفرض التكنولوجيا الجديدة بعض المخاطر.
وفي مقابل الشعبية المتزايدة للمؤثرين الافتراضيين، لا يزال للمؤثرين البشريين مزايا فريدة مثل العامل العاطفي والواقعية حيث يتفاعل الجمهور معهم بشكل أعمق لأنهم يعكسون تجارب حقيقية ومشاعر صادقة.
الشخصيات الأكثر متابعة على وسائل التواصل الاجتماعي (وفقاً لموقع إكسبلودنجتوبكس) |
||
الترتيب |
اسم الشخصية |
عدد المتابعين (بالمليون) |
1 |
كريستيانو رونالدو |
1000 |
2 |
سيلينا جوميز |
686.5 |
3 |
جاستن بيبر |
596.1 |
4 |
تايلور سويفت |
549.8 |
5 |
أريانا جراندي |
511.3 |
كما يمتلك المؤثرون الافتراضيون القدرة على بناء الثقة من خلال التواصل الشخصي والموثوقية، وهما عاملان مهمان في التسويق عبر المؤثرين، إلا أن تحقيقهما من خلال الشخصيات الافتراضية يظل صعبًا.
ومن أبرز مزاياهم أيضًا امتلاكهم لأدوات الإبداع وتمتعهم بالأساليب الفريدة، بينما قد تبدو الشخصيات الافتراضية أكثر نمطية وأقل مرونة في التفاعل العفوي.
تكامل أم استبدال؟
في حين أن المؤثرين الافتراضيين يكتسبون زخمًا سريعًا ويغيرون مشهد التسويق الرقمي، لا يزال المؤثرون البشريون يحتفظون بمكانة قوية بفضل أصالتهم وقدرتهم على بناء علاقات حقيقية مع الجمهور.
وبدلًا من استبدال المؤثرين البشريين تمامًا، يبدو أن المؤثرين الافتراضيين سيعملون إلى جانبهم كمكملين.
ففي حين يتمتع الذكاء الاصطناعي بمزايا رائعة، فإن المسوقين يتوخون الحذر بشأن الانغماس في الأمر لتجنب الكوارث في العلاقات العامة في المستقبل بسبب مشكلة الصندوق الأسود.
فالشركات قد تستخدم المؤثرين الافتراضيين للحملات التي تتطلب اتساقًا وتحكمًا عاليًا، بينما تواصل الاعتماد على المؤثرين البشريين في الحملات التي تتطلب تفاعلًا أكثر واقعية وإنسانية.
ويشير تقرير صادر عن ستاتيستا إلى أن 58% من المستهلكين لا يمانعون متابعة المؤثرين الافتراضيين، لكنهم لا يزالون يفضلون المؤثرين البشريين عندما يتعلق الأمر بالمحتوى المتعلق بالصحة والمواضيع الشخصية.
ومن المرجح أن يكون مستقبل هذه الصناعة قائمًا على التعايش بين النوعين بدلًا من الاستبدال التام.
المصادر: أرقام- بيزنس انسايدر- سبراوت سوشيال- ستاتيستا- معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- هايبوإديتور
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: