نبض أرقام
07:19 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

"فخ الديون الصينية".. عندما تفقد الدول أصولها وسيادتها نتيجة الطمع والفشل الإداري

2019/06/22 أرقام - خاص

اضطرت حكومة سريلانكا إلى تسليم ميناء "هامبانتوتا" الجنوبي لنظيرتها الصينية بموجب عقد إيجار مدته 99 عامًا، بعد فشلها في سداد أقساط الديون التي حصلت عليها لتمويل بناء المشروع الذي فشل أيضًا في تحقيق العائدات المرجوة.

 

 

عملية التسليم تلك أثارت مخاوف داخلية ليس فقط في سريلانكا وإنما على صعيد عالمي، كما تسببت في قلق لدى القوى العسكرية الكبرى مثل الولايات المتحدة واليابان والهند من احتمال استخدام مثل هذه البنى التحتية كقواعد عسكرية لتقويض نفوذ الخصوم الإقليميين.

 

هذه الواقعة، والتي سبقها إغداق الصين للأموال على المشاريع في سريلانكا وغيرها من البلدان في آسيا وإفريقيا، كانت سببًا في إبراز مصطلح "فخ الديون الصيني"، حيث يعتبر محللون كُثر أن بكين تستخدم الديون كجزء من سياستها الخارجية للتودد إلى البلدان المتطلعة للتمويل الرخيص.

 

ويصف هذا المصطلح نهج الصين تجاه بعض البلدان النامية والذي لا يتوقف عند كونه سبيلًا للتقارب بين البلدين، حيث يُعتقد أن الصين تهدف من الإفراط في إقراض هذه الدول إلى تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية عند عجزها عن الوفاء بالتزامات الدين.

 

الاستحواذ على الأصول

 

- تعد الحالة السريلانكية من بين أبرز الأمثلة وضوحًا على مخاوف المحذرين من "فخ الديون الصيني"، حيث حصلت حكومة الجزيرة على مليارات الدولارات في صورة قروض من مصارف بكين المملوكة للدولة على مدى سنوات، وتكفلت شركات صينية بعمليات إنشاء المشاريع.

 

- تقول "نيويورك تايمز" في تقرير لها حول الإخفاق السريلانكي في إدارة المشروع: في كل مرة كان يلجأ فيها رئيس البلاد "ماهيندا راجاباكسا" إلى حلفائه الصينيين للحصول على القروض والمساعدات مع مشروع طموح، كان يعود سعيدًا حائزًا على ما أراد.

 

- جاءت الموافقات الصينية رغم أن دراسات الجدوى تنبأت بفشل الميناء، ورغم رفض مقرضين آخرين مثل الهند تمويله، ورغم تضخم الديون في سريلانكا بوتيرة متسارعة تحت قيادة "راجاباكسا"، ورغم إعادة التفاوض بشأن المشروع عدة مرات، حتى اكتمل بتكلفة 1.3 مليار دولار عام 2010.

 

 

- في عام 2017 (عندما تم تسليم الميناء للصين) بلغ إجمالي ديون سريلانكا 64 مليار دولار، وكانت 95% من جميع العائدات الحكومية تذهب نحو سداد الديون، وفي ذلك الوقت، تبين بما لا يدع مجالًا للشك أن مشروع "هامبانتوتا" قد فشل تمامًا، بحسب "بي بي سي".

 

- كافحت الحكومة من أجل تحقيق الأموال عبر الميناء، لكنه كان معزولًا بشكل كبير، ويفتقر لوجود مركز صناعي قريب، وفي حين كانت عشرات الآلاف من السفن تعبر أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم بالقرب منه، لم ترس به سوى 34 سفينة عام 2012.

 

- تحت وطأة الضغوط السياسية والشعبية، رحل "راجاباكسا" عن الحكم في 2015، لكن ظلت الحكومة الجديدة تعاني وغير قادرة على سداد الديون، واندلعت احتجاجات واسعة إزاء خطط بيع 80% من الميناء إلى شركة "تشاينا ميرشانتس بورت" المملوكة للحكومة.

 

- لكن في النهاية ولعدم وجود حلول أخرى أمام حكومة سريلانكا، اضطرت إلى تسليم الميناء إلى الشركة الصينية بموجب عقد إيجار مدته 99 عامًا، بالإضافة إلى قطعة أرض فضاء مساحتها 15 ألف فدان (يعتقد أنها ستستخدم كمركز صناعي وإداري).

 

الاستحواذ على الموارد

 

- سريلانكا ليست الوحيدة التي سقطت في فخ الديون، فآمال الإكوادور وطموحها لمجابهة الفقر دفعت بها إلى هذه الهاوية أيضًا، وعلى خطى البلد الآسيوي أغفلت تحذيرات المختصين والمسؤولين بشأن مشروع سد "كوكا كودو سينكلير".

 

 

- حذر مسؤولون حكوميون وعلماء جيوليوجيا من مغبة إقامة هذا المشروع في موقعه الحالي لاعتباره منطقة خطرة مليئة بالزلازل وقريبة من بركان ضخم نشط، ومع ذلك لم ينصت أحد، وافتتح السد عام 2016 بسعة إنتاج كهربائي تبلغ 1500 ميغاواط.

 

- بعد نحو عامين من افتتاحه ظهرت آلاف الشقوق والتصدعات ببنيته، وانسد خزانه مع تراكم الطمي والرمال والأشجار (كونه قريبا من الغابة)، وعندما حاول المهندسون ذات مرة رفع عزم المولدات اهتز السد بالكامل وتسبب في ارتباك بشبكة الكهرباء الوطنية.

 

- مثل ميناء "هامبانتوتا" تم تمويل مشروع السد من الصين وتولت شركة "ساينوهيدرو" المملوكة لحكومة بكين مهام التشييد، على أمل الإسهام في حل احتياجات البلد اللاتيني من الطاقة ودفع خطط انتشاله من الفقر، لكنه أصبح جزءًا من قضية فساد واسعة النطاق.

 

- بلغت تكلفة المشروع كاملة، نحو 19 مليار دولار، قدمت في شكل قروض من الصين، لتدشين السد بالإضافة إلى عدة جسور وطرق سريعة ومشاريع ري ومدارس وعيادات صحية ومجموعة من السدود الأخرى، وهي تكلفة واجهت الإكوادور صعوبة بالغة في سدادها.

 

- لتسوية هذه الفاتورة، تم الاتفاق على أن تذهب 80% من صادرات الإكوادور الأكثر قيمة (النفط) إلى الصين، لأن العديد من العقود التي يبرمها البلد اللاتيني يتم سدادها بالنفط وليس الدولار، وبمعنى آخر، تحصل بكين على النفط من الإكوادور بسعر منخفض ثم تبيعه هي بثمنه الطبيعي لتحقق ربحا إضافيا.

 

 

ضحايا جدد متعطشون للديون

 

- تتزايد المخاوف العالمية من وقوع المزيد من ضحايا فخ الديون، في ظل تعطش البلدان النامية (خاصة في إفريقيا) لرؤوس الأموال بغرض تعزيز البنى التحتية وإقامة المشروعات الإنتاجية التي تحقق لها مزيدًا من القيمة المضافة وتوفر فرص عمل ومصادر دخل جديدة.

 

- قال وزير الخارجية الأمريكي السابق "ريكس تيلرسون" في أوائل مارس من العام الماضي: بكين تشجع التبعية باستخدام عقود مبهمة، وممارسات إقراض متوحشة، إضافة إلى الصفقات الفاسدة التي تثقل الدول بالديون وتقوض سيادتها، وتحرمها من النمو طويل الأجل والمستدام.

 

 

- التحذيرات الأمريكية جاءت في ظل مخاوف إزاء مشروع الطريق والحزام الهادف لإعادة إحياء طريق الحرير الصيني، والذي يقوم اعتمادًا على مشروعات بنى تحتية ضخمة في عشرات من بلدان العالم، والتي يعتقد البعض أنها قد تكون مدخلًا لاستقطاب المزيد من الضحايا إلى فخ الديون الصيني.

 

- حذر مركز التنمية العالمي (مؤسسة بحثية أمريكية غير ربحية) من تحمل بلدان جيبوتي وقيرغيزستان ولاوس والمالديف ومنغوليا والجبل الأسود وباكستان وطاجيكستان، ديونا أكثر من المستوى المتوسط جراء مبادرة الطريق والحزام.

 

- قد يكون النهج الصيني بالفعل انعكاسا لرغباتها الإمبريالية بتأمين موطئ قدم في العديد من بلدان العالم عبر هذا الفخ بغض النظر عن جدوى المشروعات، لكن سواء صح ذلك أو لا، فإن البلدان ليست مجبرة على التنازل (ولو جزئيًا) عن سيادتها ما دامت لم تدخل المصيدة بعد.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.