يتسبب الركود في "دائرة ملعونة" من الانكماش الاقتصادي، تبدأ بتراجع في الطلب على السلع والخدمات، تؤدي لتقلص في إيرادات الأعمال وبالتالي التخلص مع نسبة من العمالة وتقليل أجور أخرى، لتتقلص دخول العاملين وتقل نفقاتهم ويتراجع الطلب مجددًا وهكذا، ولهذا يستمر الاقتصاد في الانكماش.
حلقة مفرغة
ويثار التساؤل عن أسباب صعوبة كسر مثل تلك الحلقة المفرغة التي تقود الاقتصاد بعد فترة إلى الاكتفاء بتوفير الحد الأدنى من الإنتاج والذي يتمحور غالبًا حول السلع الغذائية والأساسية، مع نمو لافت في نسب البطالة.
ولعل أول أسباب العجز عن الخروج من الكساد تتعلق بما يصفه المكتب الأمريكي للدراسات الاقتصادية بالعامل النفسي، والمقصود به ثقة المستهلكين في الاقتصاد، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة 70% من الناتج المحلي الإجمالي يرتبط وجودًا وعدمًا بنفقات المستهلكين المباشرة.
ولهذا تتوقع "بيزنيس إنسايدر" نمو الناتج الإجمالي الأمريكي بنسبة 2.5% فقط خلال العام الحالي وليس 3% مثلما تتوقع الإدارة الأمريكية بسبب نمو نفقات المستهلك الأمريكي بنسبة 3.7% فقط بينما كان من المتوقع نموها بنسبة تفوق 4%.
وبالتالي فإن تراجع نسب الثقة لدى المستهلكين في مستقبل الاقتصاد تدفعه للحد من نفقاته بما يؤدي للتأثير على أكثر من ثلثي الاقتصاد الأمريكي، وتقدر دراسة لجامعة "ميتشجان" إن كل تراجع بقيمة 4 نقاط في مستوى ثقة المستهلك ينعكس في تراجع 0.5% في الناتج المحلي، وتتزايد النسبة مع تراجع الثقة.
أداة سهلة -صعبة
ولاستعادة ثقة المستهلك يلزم اتخاذ خطوات قد تفلح وقد لا تفلح، ومنها التدخل الحكومي، مثلما فعلت إدارة الرئيسين الأمريكيين السابقين "هوفر" و"روزفلت" وأفلحت الثانية وأخفقت الأولى، بينما تخفق الكثير من الحكومات في ذلك.
فالأداة "السهلة" التي تستخدمها الحكومات تقليديًا هي في زيادة الإنفاق الحكومي، بما يؤدي لزيادة التدفقات المالية في الأسواق وعمل حالة من الرواج بالتالي، غير أن هذا يتأثر بشدة بمعامل الإنفاق والادخار، ويجعل النتيجة غير مضمونة رغم أن الإنفاق الحكومي هو الأداة الرئيسية لأي دولة للخروج من الركود.
وأداة الإنفاق الحكومي ليست بهذه السهولة أيضًا إذا ما كان الركود طويل المدى، بما يؤثر على الإيرادات الحكومية، فعلى سبيل المثال تراجعت الإيرادات الضريبية للحكومة الامريكية بنسبة 24-38% خلال سنوات الكساد العظيم بما جعل إطلاق البرامج الاقتصادية الحكومية أمرًا صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر.
أما الأزمة الثانية التي تواجهها الدول للخروج من الركود فتتعلق بارتفاع نسب البطالة، وعلى سبيل المثال وصلت نسبة البطالة في الولايات المتحدة في إلى أقصاها إبان الكساد الكبير وبالتحديد في عام 1933 بسبب تسريح الشركات لعدد كبير من عامليها، وجاء ذلك بسبب تراجع الاقتصاد بنسبة قياسية بلغت 12.9% في العام الذي سبقه (1932).
آثار بعيدة المدى
وللتغلب على ذلك ينبغي أن يتم إدماج القوى العاملة في إطار برامج تأهيل واسعة، وهو ما قامت به الولايات المتحدة إبان الثلاثينيات ولذا استعاد الاقتصاد نموه الموجب (10.2%) في عام 1934 وعوض جزءًا كبيرًا من خسائر فترة الكساد الكبير في الأعوام التي تلته مباشرة.
وما يقيد الاقتصاد كذلك للفكاك من الركود الاقتصادي آثاره اللاحقة، ومنها ما يشير إليه استطلاع أجراه مركز "بيو" لقياسات الرأي من أن 6 من كل 10 أمريكيين لا يزالون متأثرين حتى يومنا هذا من الأزمة المالية العالمية والركود الذي رافقها، ويعاني بعضهم الديون أو تراجع المدخرات أو حتى تناقص الملكية من العقارات والسلع الثمينة.
فمن آثار الركود السيئة أنه يعمل على تركيز الثروات في أيدي هؤلاء الذين لا تتأثر أعمالهم بشدة في وقت الركود، مثل مصنعي السلع الغذائية على سبيل المثال، ومثل شركات التكنولوجيا الكبيرة في الولايات المتحدة إبان الأزمة المالية العالمية.
ويأتي المنتجون ليشكلوا ضلعًا مهمًا في صعوبة التغلب على التضخم، فمع سلاسل توريد تفي بالحد الأدنى من المخزون بما يؤدي لارتفاع في تكلفة النقل والتخزين بل وفي أسعار المواد الخام في الكثير من الأحيان ويعيق نمو الصناعات لغياب عنصر الإنتاج الكبير.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}