نبض أرقام
09:12 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

كيف تخلت الحكومات عن "اليد الخفية" أو دعامة الرأسمالية الأهم؟

2019/04/20 أرقام - خاص

تعد نظرية "اليد الخفية" إحدى أهم الدعائم التي تقوم عليها الرأسمالية والاقتصاد الحر، ويقصد بها قدرة الاقتصاد على استعادة توازنه باستمرار دون الحاجة إلى تدخل حكومي بما يجعل آليات العرض والطلب هي الحاكم الوحيد للأسواق ويجعل تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادي مرفوضًا.

 

وعلى سبيل المثال، فاليد الخفية تعمل في حالة زيادة الطلب على الدجاج بما يتسبب في زيادة سعره، فيقل الطلب عليه ويتجه المستهلكون إلى البديل، وليكن اللحوم أو الأسماك، بما يؤدي إلى تراجع سعر الدجاج وزيادة سعر اللحوم والأسماك وتبقى هذه الحالة "الديناميكية" على أن تدور حول نقطة توازن سعرية لكل المنتجات.

 

 

تغير جذري

 

غير أن الأمر لم يعد كذلك في ظل إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على سبيل المثال، ولا يقتصر الأمر على فرض الرسوم الجمركية على الصين وبعض المنتجات الأوروبية والكندية فحسب بل يمتد ليشمل التعامل بشكل يوحي بأن اليد غير الظاهرة لاقتصاد السوق أصبحت "حكومية"، وفقًا لدورية "فورين بوليسي".

 

فتوسع دور الدولة في الاقتصاد في عهد "ترامب" يشمل على سبيل المثال منحها لتعويضات بمئات ملايين الدولارات -لا تقدير محدد لها حتى الآن- لمواجهة الخسائر الناجمة عن المقاطعة الصينية للمنتجات الزراعية الأمريكية بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية.

 

وعلى الرغم من غرابة الإجراء وفقًا لمعايير الاقتصاد الأمريكي، إلا أنه ليس الأول من نوعه، فالمزارعون هم الأكثر تلقيًا للدعم في الولايات المتحدة كلها في العديد من السنوات، حيث تلقى المزارعون في ولاية "أيوا" الأمريكية ملياراً ومئتي مليون دولار كدعم خلال عام 2006 في رقم هو الأعلى منذ بدء برامج التعويضات الحكومية للمزارعين، منذ قرابة 40 عامًا حتى يومنا هذا، بينما تلقوا 920 مليون دولار في 2018.

 

 

ويأتي هذا الدعم، والذي لا تحصل عليه القطاعات الصناعية والخدمية، على الرغم من أن 2% من الأمريكيين فحسب يعملون في المزارع، إلا أنهم يحصلون على دعم يبقيهم على مستويات دخل مقاربة للعاملين في القطاع الخدمي والصناعي (باستثناء التكنولويجا والشركات في المدن الكبرى).

 

تمييز في التدخل

 

وعلى الرغم من أهمية هذا الأمر من الناحية "الاستراتيجية" في استمرار الولايات المتحدة في صدارة منتجي العديد من المنتجات الزراعية بما يخدم واشنطن سياسيًا، إلا أن هذا يشكل تدخلًا في آليات عمل السوق، في مواجهة "اليد الخفية" التي كانت تنتظر ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بسبب قلة العاملين في المجال لترتفع أجورهم بشكل تلقائي ويعود التوازن.

 

واللافت هنا أن التدخل يصل إلى مرحلة "التمييز" بين المزارعين وفقًا للحجم وللمحاصيل المزروعة، إذ تحصل تلك التي تزرع الصويا والقمح والمزارع التي يجري تصنيفها على أنها صغيرة أو متوسطة على قدر أكبر من الدعم، ففي ولاية تكساس مثلًا لم تحصل 72% من المزارع على دعم، بينما حصلت النسبة الباقية على نحو مليار دولار في عام 2017.

 

وتشير "فورين بوليسي" إلى سعي "ترامب" من خلال خطواته المتعددة لإدارة الاقتصاد مثلًا إلى إجبار الصين على الالتزام بشراء سلع أمريكية بما يوازن ما يراه الرئيس الأمريكي "ميزانًا تجاريًا غير عادل" على الرغم من تأثيرات ذلك على الاقتصاد.

 

فعندما تعمد الصين إلى شراء منتجات أمريكية ليس بسبب رغبتها في ذلك لاعتبارات الجودة والسعر فإن في ذلك هدم لأساسات الاقتصاد الحر مبدئيًا، كما أنه من شأنه إيذاء الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل، على الرغم مما يوفره من إيرادات، لأنه لا يعطي الشركات حافزًا للتطوير وتحسين الجودة والسعر.

 

تدخل من نوع مختلف

 

وهناك شكل مختلف من أشكال تدخل الدولة، أو "اليد الظاهرة"، ويتمثل في الدول الإسكندنافية التي تفرض ضرائب مرتفعة، وعلى الرغم مما لذلك من آثار إيجابية على التكافل الاجتماعي إلا أن له آثارًا سلبية على النمو.

 

فالسويد كانت واحدة من أكثر دول العالم ثراءً في عام 1970، أما اليوم  فهي ليست في قائمة الدول الـ 15 الأكثر ثراءً، وذلك بسبب ما تفرضه من ضرائب مرتفعة حيث ينخفض دخل الفرد ​​فعليًا عن متوسط ​​دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية. وقد أدى عبء الضرائب الكبير إلى انخفاض تكوين رأس المال، وتراجع عدد ساعات العمل، والركود العام. وهذا يعني أن زيادة الضرائب تجعل النمو الاقتصادي بطيئًا.

 

 

كما يشمل التدخل فرض ضرائب على بعض أنواع السلع تفوق تلك المفروضة على أخرى، ومن ذلك إقرار الصين ضرائب متفاوتة على التبغ، تصل في حالة المستورد منه إلى 90% من قيمة السلعة، ولذلك تفوق قيمة الإيرادات الضريبية نسبة 10% من إجمالي الإيرادات الضريبية في الصين.

 

وعلى الجانب المقابل، لا تفرض الصين أي ضرائب على أعمال استخراج الفحم، ما يجعل استخراجه أقل كلفة ويسهم في استمرار إنتاجه في ظل الصعوبات المتعددة التي يكابدها منتجوه في مواجهة النفط ومصادر الطاقة المتجددة.

 

تأثير على النمو العالمي

 

وعلى الرغم من اشتهارها بكونها أحد أكثر مدن العالم كلفة، فإن "نيويورك" تضع حدًا أقصى لزيادة الإيجارات (7.5%) في الكثير من أحياء المدينة، بل وتضع الولاية حدًا أقصى للإيجارات في بعض الأحياء وفقًا لما تصفه بـ"تكلفة التشغيل" ويقصد بها سعر الصيانة والإهلاك فضلًا على مراعاة عوامل أخرى مثل مساحة الوحدة المستأجرة.

 

وتفرض السويد قواعد مماثلة بعدم زيادة الإيجارات بأكثر من 4% في المناطق السكنية، و8% في المناطق التجارية، بما يقلص من إيرادات المطورين العقاريين، ويعد تدخلا في آلية عمل "اليد الخفية" ولكن الحكومة السويدية تراه ضروريًا لحفظ التوازن في السوق العقاري.

 

وتشير دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن أشكال التدخل الاقتصادي الذي تمارسه الدول النامية بتوفير الدعم لبعض المنتجات، لا سيما الوقود والأغذية، يقلص نسبة نمو الاقتصاد العالمي 1-1.2% سنويًا، وذلك دون حساب أشكال أخرى من التدخلات مثل الاتفاقيات التجارية التفضيلية.

 

تدخل الدول المتقدمة أخطر

 

ويرى "آدم بوزن" رئيس معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي في دراسة للمعهد أن آثار التدخل الحكومي في الدول المتقدمة تفوق 4 أضعاف آثار التدخل الذي تقوم به الدول النامية، فالولايات المتحدة تدعم المزارعين، وألمانيا توفر الدراسات "المجانية" لشركاتها الصناعية، والجامعات الحكومية تمد القطاع الخاص بأبحاث في العديد من الدول الأوربية.

 

 

وعلى الرغم من ذلك، يبقى التركيز الأكبر للمؤسسات الاقتصادية المختلفة على الدعم الذي تقدمه الدول النامية  وليس المتقدمة، ويرجع ذلك، وفقًا لـ"بوزون" إلى سببين: الأول منطقي ويتعلق بسيطرة الدول المتقدمة على الاقتصاد العالمي، والثاني بسبب حجم اقتصادات الدول المتقدمة الكبير بما يجعلها تتمكن من تقديم الدعم بشكل غير ملموس مقارنة بالدول النامية.

 

ويشير "بوزن" إلى أن الفترة الوحيدة التي شهدت تطبيقًا شبه كامل لسياسة "اليد الخفية" كانت إبان الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، ويرجع ذلك إلى أن الدول لم تكن قوية اقتصاديًا بما يسمح لها بفرض قيود أو التدخل بشدة في الاقتصاد، وأنه منذ الركود الكبير أصبحت اليد الخفية من الماضي.

 

وازداد "تطرف" الحكومات في التدخل بعد ذلك بسبب الأزمة المالية العالمية، بما ينذر بشكل جديد يظهر في الأفق تندمج فيه أساليب إدارة الاقتصاد الحر مع الاقتصاد المركزي، ويتنبأ "بوزن" باستقرار الاقتصادات في "منطقة وسط" بين الاقتصاد الصيني ونظيره الأمريكي، وإن بقي الاقتصاد يحمل اسم "الاقتصاد الحر".

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.