شهدت العديد من العواصم العالمية تراجع أسعار ما يعرف بـ"عقارات الرفاهية"، والتي يعرّفها منتدى الاقتصاد العالمي بتلك التي تزيد قيمتها على مليون جنيه إسترليني، حيث كان عام 2018 أول عام يشهد مثل هذا التراجع العام منذ الأزمة المالية العالمية قبل عقد كامل، وذلك للعديد من الأسباب.
تأثير الحروب الاقتصادية
لعل الحروب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع أسعار عقارات الرفاهية، حيث وضعت الصين حدودًا للتحويلات المالية لخارج البلاد (بـ500 ألف دولار للأشخاص) في محاولة للسيطرة على تدفق رؤوس الأموال خارج الصين (على الرغم من أنها لم تصبح ظاهرة مقلقة بعد).
وأدى هذا إلى تراجع المشتريات الصينية من العقارات في الولايات المتحدة بنسبة 4% خلال عام 2018، لتصل إلى 30 مليار دولار فحسب، ورغم محدودية نسبة التراجع إلا أن قيمتها تتمثل في أن المشتريات الصينية من العقارات في الولايات المتحدة اتخذت قيمًا تصاعدية منذ الأزمة المالية العالمية.
ولم يقتصر التراجع الصيني في الاستثمارات العقارية على الولايات المتحدة فحسب، بل تشير تقديرات "سيتي بنك" إلى تراجع المشتريات الصينية من العقارات في المملكة المتحدة والعواصم الأوروبية بنسبة 7% خلال العام المنصرم.
وتشير "إيكونوميست" إلى أن تأثير التراجع الصيني عن الاستثمار العقاري في المدن الرئيسية كبير بسبب تمركز 16% من المليونيرات حول العالم في الصين ، فضلًا على أنها أكثر دولة تشهد ظهور مليونيرات جدد بما يجعل تراجع الاستثمارات الصينية مؤثرًا بشدة.
رسوم وضرائب
ويشير تقرير لبنك "كريدي سويس" إلى أن المليونيرات يمتلكون 45% من الثروة العقارية حول العالم بشكل عامٍ عامَ 2018، بينما لم يتعد نصيبهم منها 36% في عام 2010 في صعود لافت يرجع جزئيًا إلى الأزمة المالية العالمية في 2009 والمخاوف المتعلقة بتكرارها.
وعلى الرغم من أن ذلك يبقي الملكية أكثر تركيزًا بما يعني بشكل عام الحفاظ على السعر بسبب قلة عدد المالكين وبالتالي الوصول لحالة تشبه احتكار القلة إلى حد ما، إلا أنها على الجانب المقابل تعكس حالة من "التشبع" بسبب عدم رغبة أصحاب الملايين في الحصول على المزيد من العقارات.
وهناك عوامل أخرى متعلقة ببعض الدول التي زادت من الضرائب المفروضة على شراء العقارات، حتى إنها تصل في المملكة المتحدة إلى 12% في بعض الحالات (ترتفع قيمة الضريبة مع زيادة قيمة العقار بما يجعلها مؤثرة بدرجة أكبر على عقارات الرفاهية) بينما لم تتعد الضريبة نفسها 3% قبل عقد من الزمان.
وتلفت "برايس ووترهاوس كوبرز" إلى أن الشركات العقارية الوسيطة أيضًا كانت من الأسباب الرئيسية لتراجع مبيعات العقارات غالية الثمن، بزيادة مقابل خدماتها 65% في عام 2017 عما كانت عليه قبل ثلاث أعوام، بما شكّل المزيد من الضغوط على السوق.
وفي هونج كونج على سبيل المثال تراجعت أسعار العقارات غالية الثمن 9% خلال عام 2018، أما في قلب مدينة "نيويورك" (مانهاتن) تراجعت الأسعار 4.3% خلال العام نفسه، وهو ما امتد إلى الكثير من المدن الرئيسية حول العالم.
تطورات السياسة ومخاوف الركود
وكذلك جاءت التطورات السياسية في بعض الدول لتؤثر سلبياً على أسعار عقارات الرفاهية، بريطانيا على سبيل المثال تعاني بسبب "بريكسيت"، فعلى الرغم من ارتفاع أسعار العقارات الإنجليزية بنسبة 1% خلال عام 2018، إلا أن هذه الزيادة لم تمتد إلى عقارات الرفاهية التي تراجعت بنسبة 2% خلال العام نفسه.
ويرجع ذلك إلى تراجع مشتريات الأجانب -على وجه الخصوص الأوروبيين- للعقارات غالية الثمن، لا سيما في العاصمة البريطانية لندن، خاصة مع تشكك كثيرين في مستقبل الاقتصاد البريطاني والحالة الضبابية المسيطرة في ظل عدم الاتفاق على صيغة نهائية للانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وكذلك أثرت الاضطرابات السياسية التي شهدتها فرنسا على أسعار عقارات الرفاهية في المدن الرئيسة، والتي تراجعت بنسب تراوحت بين 4-7% خلال عام 2018، وأدت التطورت الاقتصادية السلبية في إيطاليا إلى تراجع مماثل في العقارات غالية الثمن أيضًا.
وترجع "فوربس" تراجع أسعار العقارات غالية الثمن بدرجة كبيرة أيضًا إلى الانتعاش الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر الماضية، بما يجعلها لا تتمتع بـ"الجاذبية الكافية"، غير أن تراجع نسب النمو الأمريكية والعالمية أيضًا، سيؤدي إلى عودة الأسعار للارتفاع مجددًا، خاصة إذا حدث الركود (أو الكساد) الذي تخشاه الأسواق.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}